الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

أيام في صنعاء...«1-2»
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

منذ مدة طويلة وأنا أفكر في زيارة اليمن.. وكلّما استعرضت في ذاكرتي أسماء المدن العربية التي زرتها وأقارنها مع غيرها، أعود لأتذكر كم هي الدول أو العواصم العربية التي لم أزرها بعد.. وتأتي صنعاء في مقدمة تلك المدن التي لم أرها، فأعود لأحصي.. كم عاصمة عربية لم أشاهدها على الطبيعة؛ إذ كنت أشاهد الصور التي تنتقى للمشاهد من خلال شاشة التلفاز.. فأستعرض نواكشوط.. الخرطوم.. مقديشو.. وتأتي صنعاء ومدن يمنية أخرى كعدن والمكلا وتعز وغيرها.
فلا بد من صنعاء وإن طال السفر.. أو كما قال الشاعر.
هذه السنة علمت أن وزارة الثقافة والسياحة اليمنية استضافت مجموعة من الأصدقاء بمناسبة إصدارها كتاب (قصص من السعودية) ليتزامن مع اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004م وفي الموعد المحدد نفسه سيُقام معرض صنعاء الدولي الثاني والعشرون للكتاب.
اتصلت بالصديق جبير المليحان بالدمام فأكد لي ما سمعت وأنه فعلاً سيكون هناك في منتصف شهر شعبان وأنه قد حدد موعد الاحتفال بصدور الكتاب الذي اختيرت مادته من موقع (شبكة القصة العربية) الذي أسسه وأشرف عليه ورعاه منذ سنوات.
وإن وزارة الثقافة والسياحة في اليمن قد اختارت سبعين نصاً وطبعتها ضمن مجموعة كبيرة من الكتب التاريخية والجغرافية والأدبية المختلفة التي بلغت كما عرفت فيما بعد أكثر من (386) عنواناً، وكان لشبابنا في المملكة نصيب من تلك الإصدارات كمحمد مسير مباركي وعبد الله ثابت وغيرهما.
وعرفت أن هناك لقاءً ثقافياً سيجمع الأصدقاء معجب الزهراني وجبير المليحان ويحيى سبعي ومحمد مسير مباركي إلى جانب معالي وزير الثقافة والسياحة الأستاذ خالد عبد الله الرويشان احتفالاً بإصدار كتاب (قصص من السعودية) فعقدت العزم على السفر والمشاركة بهذه المناسبة.
عرفت أن هناك رحلة واحدة أسبوعياً من الرياض على الخطوط السعودية تذهب صباح الخميس وتعود مساء فقط. وكان موعد افتتاح معرض الكتاب في اليوم نفسه.. في الطائرة حاولت ذاكرتي المثقوبة استعادة بعض الصور لما سبق أن قرأته عن اليمن مثل (كنت طبيبة في اليمن) و(اليمن بين القات وفساد الحكم).. وأذكر أن هذا الكتاب قد صدر قبل الثورة ضمن سلسلة دار المعارف بمصر (اقرأ) وطلبته ضمن كتب أخرى من دار المعارف.. مع بدايتي مع القراءة قبل خمسة وأربعين عاماً. وقد وصلت تلك الكتب بالبريد فأحيلت لوزارة الإعلام - مراقبة المطبوعات - وكانت تشغل مبنى صغيراً بجوار مقر الإذاعة بشارع الفرزدق بعيد نقلها إلى الرياض عام 1384هـ وكان المسؤول عن المراقبة أو على الأصح الذي استجوبني هو المذيع وقتها بدر كريم وقد سألني بشكل استفزازي خفت منه ومما قد يحصل لي.. فصادر الكتاب المذكور وبعض العناوين التي لا أتذكرها. وعدت بالبعض القليل مما بعث لي.
أعود مرة أخرى لاستعرض ما في ذاكرتي مما قرأته عن اليمن من تاريخ أو ثقافة وغيرها فأتذكر زملاء رافقتهم بالمعهد العلمي بالرياض (79- 1381هـ) علي مهدي الشنواح من شمال اليمن وأحمد سعيد الجابري من جنوبه وأحمد قاسم وغيرهم وهذا يذكرني بمدير أول مدرسة نظامية درست فيها عام 1372هـ - 1953م وهي المدرسة المحمدية الواقعة جنوب ميدان أو (مدي) دخنة وهو المكان الذي يجمع فيه الماء لتشرب منه الماشية وليتوضأ منه عابر الطريق أو ليعبأ منه قرب وتنك السقايين (الرواية) بائعي الماء بال(الزفة) على البيوت وقتها.
ومدير المدرسة المحمدية هو عبد الله بن حسين بن غانم وكان وقتها يسكن بجوار مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في شماله، وبجنوبه يسكن مجموعة أخرى من اليمنيين ويسمون المهاجرين، أذكر منهم يحيى بن حزام ووالد مديرنا حسين بن غانم وواحداً أعمى اسمه كما أظن مقبل أو مهدي وهو الأقرب وغيرهم، إضافة لمعلم (الكُتاب) محمد بن سنان إمام مسجد الجفرة الذي تعلمت منه مبادئ القراءة قبل الالتحاق بالمدرسة المحمدية الابتدائية بحي دخنة وكان أبو أحمد - ابن سنان - المطوع القاسي والمتجهم دائماً قد قابلني في أحد الصباحات لطيفاً، إذ وجدني أبكي عند حضوري للمسجد وقد تلطخ ثوبي بالدم إثر عضة في أذني اليسرى من والدي.. عندما تعثرت في القراءة.. وعندما لمس (الجزو) المصحف ووجد في حافته السفلي أثر تمزق من تعّرق الإبهام عند مسكه مفتوحاً للقراءة، عندما رآني أدخل المسجد - المدرسة - وأنا أبكي تلطف وسألني.. ما بي؟ وعندما ذكرت له السبب خفف عني واسترضاني.. وطلب مني مسامحة الوالد، فهو لا يريد إلا مصلحتي.. تذكرت أنني قد قرأت بعض إصدارات مركز الدراسات والبحوث اليمني التي كانت تصدرها دار العودة ببيروت ومنها شهادات بعض قادة الثورة ورجالها الأوائل، كما أذكر كتاباً الرحالة الدانمركي توركيل هانسن (من كوبنهاجن إلى صنعاء) الذي قدم له في طبعته الثانية الدكتور عبد العزيز المقالح عام 1982م، كما أذكر كتاباً آخر يحمل عنوانه (ثلاث وثائق عربية عن ثورة 1948م) وفيه ما يشد الاهتمام وبالذات ما يتعلق بالمغامر الجزائري (الفضيل الورتلاني) الذي شارك في أحداث 1948م الفاشلة وكذا مغامرات المصريين راشد البراوي ومصطفى الشكعة وما شاهداه في اليمن من تخلف وقسوة وشظف عيش وصور للفساد والانحلال.
كما لا أنسى ما كتبه الصحافي البريطاني (أدجار أوبالانس) بعنوان (اليمن.. الثورة والحرب) والذي عاش باليمن.. بل تردد عليها منذ عام 1948م وحتى قيام الثورة 1962م.
كما أذكر أنني قد قرأت للدكتور عبد العزيز المقالح كتاباً أدبياً جميلاً قبل عشرين عاماً يستعرض فيه نماذج من الروايات والقصص العربية من مغربه إلى مشرقه بعنوان: (تلاقي الأطراف) وكتاباً آخر لنفس المؤلف وفي نفس الوقت باسم: (عبد الناصر واليمن) وغيرها.
وما زال في تجاويف الذاكرة بقايا مما علق بها مما سبق وقرأته صغيراً عن سيف بن ذي يزن وسد مأرب والملكة بالقيس وعرشها الأسطوري ووضاح اليمن وهجرات القبائل العربية الأولى.
كنت أتخيل ما يرويه من زار اليمن ووصفهم للحياة الثقافية هناك وإعجابهم بالطراز المعماري وغيره.. كما سبق أن قابلت من زار اليمن سواء ممن قاموا بالتدريس في مدارسها بعد الثورة مثل الصديقين محمد بن عبد الكريم السيف والدكتور سلطان بن سعد القحطاني أو من ذهب لحضور مناسبة ثقافية أو ندوة ومعرض وغيرها. وقد أعجبت بما ذكروه مما حفزني ورغبني بهذه الزيارة.
وعدت بالذاكرة إلى ما قبل أربعين عاماً، فعند أول زيارة لي لبغداد عام 1964م برفقة الأستاذ محمد العجيان، وكنّا في أيام عيد الفطر نزور مكتبات شارع الرشيد ومنها مكتبة البيان وتعرفنا على صاحبها علي الخاقاني وكان يصدر سابقاً مجلة (البيان) وذكر لنا ضمن حديث طويل أنه قبل سنوات قليلة وقبيل قيام الثورة في اليمن إذ دخل عليه بالمكتبة اثنان يلبسان الملابس اليمنية وسألاه عن كتاب: (اليمن المنهوب والمنكوب) فتعرض لهما بالكلام القاسي والهجوم على السياسة اليمنية. فقال أحدهم: هل تسمح أن أعرفك بنفسي.. وأردف أنا محسن العيني سفير المملكة المتوكلية اليمنية في بغداد.. وهذا أحد أبناء الإمام يحيى حميد الدين أعتقد أن اسمه إبراهيم.. قال الخاقان فداخلني الخوف.. إذ قد يبلغا بي عبد الكريم قاسم -رئيس الجمهورية وقتها- فيعد هذا إهانة لممثل دولة شقيقة.. ولكن الأمر لم يطل، إذ بعد أسبوع سمعت بقيام الثورة اليمنية وباسم السفير وقد أصبح وزيراً لخارجيتها.
وأذكر أنني قد اشتريت منه مجلداً من مجلته (البيان) وفيها سلسلة من التحقيقات عن شبكة لتهريب الرقيق الأبيض -الجواري- من إيران إلى الجزيرة العربية.
بدأت الطائرة تتمايل فوق جبال صنعاء وهي تهم بالهبوط وكنت أطل من النافذة لأرى ولأول مرة هذه المناظر الجميلة التي تتحلى بها صنعاء من طراز معماري أخاذ.. وخفت ألا أعرف طريقي للسكن المناسب والقريب من المعرض أو الفعاليات الثقافية المصاحبة له.. ولكني وجدت في الطائرة بالصدفة الأخوين إبراهيم السويلم ومحمد الفيفي الأول يبحث عن أوائل الإصدارات الصحفية لإكمال مشروعه التوثيقي والآخر لمناقشة رسالة الماجستير في جامعة تعز عن (الدولة الرسولية) هناك. فطلبت منهما أن ينتظر أحدنا الآخر في مدخل المطار ولكن بمجرد خروجي من بوابة المطار وإذا بالدكتور محمد الزغير بانتظاري، إذ سبق أن عرفته في العام الماضي بالمجلس العربي للطفولة في القاهرة. وكان قد سبق أن حجز لي سكناً ليس بالبعيد من سكن الوفود الرسمية والتي أصبح فندق (تاج سبأ) مقراً لها.
بمجرد أن وضعت حقيبتي بفندق اليمن السعيد إلا وذهبت مع رفيقي (الزغير) إلى حيث سبقني الأخوان القاص جبير المليحان والشاعر عبد الوهاب الفارس ب(تاج سبأ) عرفت البرنامج واتفقت معهم على أن أصحبهم في جولاتهم الرسمية.. وكانت الجمعة جولة حرة حول صنعاء بجبالها الشاهقة ونصب الجندي المجهول وزيارة لمنزل الدكتور محمد الزغير وفي المساء الزيارة الأولى لمعرض الكتاب والمقام في معرض أكسبو في شارع الستين والمسمى أخيراً بشارع الشهيد الفلسطيني الطفل محمد الدرة.
وفي صباح السبت 15-9-2005م كان حضور أولى فعاليات الفكر والثقافة وهي الاحتفاء بصدور المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز بن صالح المقالح مدير جامعة صنعاء سابقاً ورئيس المركز اليمني للدراسات والبحوث حالياً، إضافة لشغله وظيفة المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية.
لقد كان احتفالاً متواضعاً ومهيباً في نفس الوقت بعيداً عن المظاهر الكاذبة والمبالغات والبهرجة المزيفة، جلس على المنصة المحتفى به الشاعر المقالح ووزير الثقافة والسياحة الأديب خالد الرويشان والأستاذ والأديب العراقي الدكتور حاتم الصكر، حيث قدم للمناسبة الوزير بكلمة موجزة تحدث فيها عن دور الوزارة في الاحتفاء بالرواد وطبع مجموعاتهم الشعرية والقصصية ويأتي في مقدمتهم المقالح، ثم تحدث الدكتور حاتم الصكر واستعرض مسيرة المقالح الأدبية وسيرته العلمية، ثم تحدث المحتفى به بإيجاز، حيث شكر الجهة التي كرمته وشكر الحضور، وشارك البعض بكلمات وقصائد بالمناسبة.
قام بعدها المحتفى به بالتوقيع على مجموعة من أعماله الشعرية الكاملة بثلاثة مجلدات كل مجلد يحتوي على أكثر من 700 صفحة وقد حظيت منه بنسخة من المجموعة متوجة بإهداء جميل قال فيه: (الأخ العزيز الأستاذ محمد القشعمي مع خالص التقدير والمحبة.. عبد العزيز المقالح 17-9-2005م).
حضر هذا اللقاء الصحفية والروائية الأديبة ليلى العثمان من الكويت، وتعرفت عن كثب على هذا اللقاء إلى مجموعة من الأدباء الشباب من جنوب المملكة وهم الشعراء محمد مسير مباركي وعبد الله ثابت وعبد الرحمن موكلي.


يتبع

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved