Culture Magazine Monday  29/01/2007 G Issue 184
فضاءات
الأثنين 10 ,محرم 1428   العدد  184
 

سمو المعنى
عبد الكريم العفنان

 

 

يقول ميخائيل نعيمة: (إن النفس هي موضوع الأدب والجميل جميل على كل جيل، وفي كل صقع، لأن النفس هي منذ الأزل وستبقى إلى الأبد) كذلك كان تركي علي الربيعو جميلا بخصوصيته التي ميزها نسيجه البدوي الأصيل ومفردته الغنية وثقافته الموسوعية التي عكستها مناقشته الجريئة لأفكار محمد عابد الجابري وإدوارد سعيد وهشام شرابي وعلي حرب وآخرون، ورغم نزعته النقدية والبحثية المكتملة وتنطعه للمشاريع الكبرى في ميدان الثقافة العربية منذ عصر النهضة وحتى ساعة رحيله لم يزعم أبو محمد أنه صاحب مشروع تفكيكي رغم رياديته في هذا المجال ولم يعلن خصومة فكرية مع أحد وترك للباحثين الحكم على نتاجه. رحل الربيعو عن عمر ناهز الـ54 عاما تاركا عدة مؤلفات منها أزمة الخطاب العربي التقدمي، الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة، العنف والمقدس والجنس، خيارات المثقف، من الطين إلى الحجر، الإسلام والغرب: بين الحاضر والمستقبل، المحكمة والإرهاب، الحركات الإسلامية في منظور الخطاب العربي المعاصر وكتابه الإشكالي: الصوفي يهزم الفيلسوف وآخر كتبه سيصدر عن دار رياض الريس قريبا، وأثناء زيارتي الأخيرة له أخبرني أنه أهدى هذا الإصدار للروائي والشاعر السعودي الدكتور غازي القصيبي الذي لم يلتقيه إلا في شقة الحرية التي قدم عنها دراسة مطولة مشاركة منه في الملف الذي تعده الثقافية عن القصيبي.

كان أبو محمد شديد الاعتداد بجذوره البدوية التي انحدر منها(قبيلة طي)ودائما كان يرد على ممازحيه ببداوته من أصدقائه الظرفاء في العاصمة بأنه أكثر تقدما منهم مفسرا لهم مصدر (المدينة ) التي جاءت على ذمة الراحل من دين أو قرض وبالتالي فإن مدينتهم قائمة على البعد الاقتصادي في حين أن قريته البعيدة قائمة على ما هو أسمى وأنبل من الذي عرفته المدينة على التعاضدوالتآخي بين الناس. ولعل ابرز ما ميز مشاكسات الراحل الفكرية والسياسية الردود التي يتبادلها مع أصدقائه وخصومه من أكراد سورية والعراق انطلاقا من موقفه القومي الذي عرف به,لكنه في النهاية استطاع أن ينتزع منهم الحسرة على رحيله والترحم عليه والاعتراف بشهامة الخصم القومي والفكري. لقد أستطاع أبو محمد بمرونته وعفويته أن يكسب النخبة والجمهور وكما رثاه المثقفون بكاه أهل مدينته الأحب على قلبه (القامشلي) ولست أبالغ إذا قلت أن قرى ريفه الجميل نسجت كفنه من دمعتيها.

عرف عنه في الوسط الثقافي سعة إطلاعه وتنوع قراءاته التي مكنته من التواصل مع الرواد في سن مبكرة من عمره وهو ما وفر له رصيدا من الأصدقاء على أمتداد الوطن العربي بل وخارجه، كانوا سندا حقيقيا له في المرض الذي أصابه في الوقت الذي غابت فيه المؤسسات الثقافية السورية الرسمية عن تقديم الدعم لأكثر الرموز السورية نشاطا في وسائل الإعلام العربية..وما حز في نفوس الكثيرين من أصدقاء الراحل عدم التفات المؤسسات الرسمية السورية لما ألم به من مرض لم يمهله طويلا في الوقت الذي تمول فيه ذات المؤسسات أغنية وطنية لمغني شعبي نال إعجاب القائمين على الإذاعة والتلفزيون في سورية يدعى علي الديك على ذمة صحيفة لبنانية صديقة لسورية! وهو ما يؤكد أن الأمور تسير إلى الوراء في ظل القائمين على الثقافة؟ ويا حسرة على حال المفكرين الفقراء الذين لا يملكون موهبة الخطابات الرنانة التي لا تطرب القائمين على الثقافة؟ لذا نقول شكرا لكل من وقف إلى جانب (ابن البلد) لاسيما المفكر اللبناني الدكتور رضوان السيد مستشار رئيس الحكومةاللبنانية فؤاد السنيورة أوحكومة السفير فيلتمان في لبنان!(كما يسميها البعض)والشكر موصولا أصدقاءه في السعودية والخليج وجريدة الغد الأردنية والى كل الأصدقاء الذين لا نعرفهم وقدموا له العون. ولن نوجه الشكر إلى وزارة الثقافة السورية أو اتحاد الكتاب العرب لأنهم علموا بمرض تركي الربيعو واعتبروه خارج الخارطة الثقافية السورية مع أن الأخير لم يكن معارضا كما انه لم يكن من أهل السلطة ويمثل التيار المعتدل في خطابه السياسي والثقافي ومن المشهود لهم بالوطنية وفقا لمقاييس السلطة والمعارضة السورية والتي نادرا ما تلتقي على مقياس واحد؟ ويبقى أن نسأل المعنيين عن التكريم في سورية: هل سيكرم تركي الربيعو بعد رحيله؟ وهل التكريم منَة أو واجب؟ أو يصح القول موتوا لنكرمكم؟


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة