Culture Magazine Monday  29/01/2007 G Issue 184
نصوص
الأثنين 10 ,محرم 1428   العدد  184
 
العباس معافا في (أوشِكُ أن أعود)
في قصص (العباس) وعي يستميل الذائقة والعقل

 

 
*مطالعات -عبدالحفيظ الشمري:

(العباس محمد معافا) مبدع قصصي، شق طريقه السردي وسط كمّ لا بأس به من الأصوات الإبداعية الشابة، حيث وضع لتجربته القصصية إطاراً فنياً خاصاً تمثل في رسم الواقع الحياتي بشكل بانورامي مقتضب، لنراه وقد شغل في التقاط تفاصيل الحياة الدقيقة والبسيطة على نحو قصص مجموعته (أوشِك أن أعود) الصادرة عن نادي جازان الأدبي، حيث ظلت فضاءات السرد مكتظة بعدد من الصور الإنسانية المعبرة.

في القصص - كما أسلفنا - رؤية وعي تستميل القارئ، وتستدرجه نحو مضان الحكاية المتوجة برؤى النقد، أو قراءة الواقع على نحو استنطاقي واضح، يحقق معادلة (المتعة والفائدة).. تلك المتعة التي تأتي عادة من لغة متميزة تقتضيها حالة التلقي في سياق السرد الذي يأتي عادة محملاً على مفصلات عدة تخرج العمل إلى المتلقي بشكل مناسب، أما الفائدة فإنها تتمحور حول النتيجة الممكنة أو المتوقعة من مثل هذه المعالجات.

في قصة (أوشك أن أعود) التي حملت اسم المجموعة يظهر فيها الراوي البطل عميقاً في مكاشفته للذات التي أثقلتها هواجس الاغتراب والضياع الذي لم يجد له مبرراً عقلياً واعياً، إنما ظل مشدوداً رغم غوايته إلى رغبة الخلوص، إلا أن هذه الرغبة لم تترجم بشكل واضح، لأنه لا يمتلك الجرأة التي يتخطى بها هذا المأزق العقلي المتمثل في ضعفه، وغياب هداه. فالمكاشفة هنا لا تعدو كونها عرضاً عابراً لمآل حياة بطل القصة، إذ لم يكن في السياق حدثاً صادماً يمكن أن يعول القارئ عليه في لحظة التجلي أمام مساقط الضياع التي يحياها (الشاب) حيث لا يملك إلا هذه اللغة الإشارية عن حالته الوجدانية.. تلك التي يوقظ فيه الحنين إلى أن يعود سوياً، ونقياً لكن مثبطات عدة تقف لأحلامه بالمرصاد.

في القصة التالية لقصة (أوشك أن أعود) تأتي فضاءات السرد مفتوحة على حوارية غير معهودة في قصص (العباس معافا)، إذ تخرج قصة (بداخله مجنون) عن إطار سرد القاص لكل حكاية يقدمها للقارئ، فهي التي تعتمد - كما أسلفنا - على الحوار الواعي بين كاتبين عرف كل واحد منهما مرامي الآخر، إلا أنهما وعلى مائدة هذا النص الذي يظهر أنه أصبح البطل ليظلا مختلفين في صياغة إجماع مناسب على حالة النص، ومن بداخله من شخوص حملوا الجنون صفة، والضياع هيئة، والألم هوية، فلم يعد (الراوي) يميز بين شخصية صديقه الذي دعاه لقراءة النص، وبين تلك الشخصية التي حضرت في النص، وقد تجاذبا أطراف الحديث حوله.

فالقاص العباس معافا أخذ على عاتقه مهمة دفع شخوصه نحو حافة الجنون لكي يُخرجوا ما لديهم من كمائن، ودفائن، فقد ظل يعمل على استدراج المفاجأة التي يمكن أن تُكسب النص عناصر إضافية مشوقة.

تغوص المجموعة في أعماق الذات لتنتشل لنا أبرز ما يمكن أن يكون بعداً تنويرياً يكشف المزيد من الصور المعبرة عن حياة الإنسان مع ذاته، لنرى أبطال قصص مجموعة (أوشك أن أعود) وقد حملوا شعاراً واحداً يتمثل في التفكير بصوت مرتفع ليقيسوا حجم الفراغ الذي يخلفه غياب العقل لحظة التهاوي في أخاديد الجنون.

تتمتع قصص المجموعة بالقصر المناسب، لأن كل فكرة يطرحها العباس معافا تأتي في مكانها المحتمل لها، إذ لا يحمل الشخوص الآخرين مهمة الاستنتاج لمآل الأحداث، إنما يظل البطل هو المتحدث الوحيد باسم جميع أحزان البشر ومنغصاتهم، ليخرج الصورة تلو الأخرى بشكل متوامض ينشد فيه الاختصار في السرد، والتكثيف للغة، تخفيفاً على القارئ من مشقة الإطناب والإطالة، ولا سيما حينما نكون أمام شكاية فاجعة تستحق أن نتابع منعرجاتها على نحو قصص العباس معافا.

صوت القاص معافا جاء نقياً، متناغماً مع دندنته السردية.. تلك التي يحمل في مضامينها بعداً فنياً آسراً، سيسجل حضوره الوجداني الجميل في الذات لحظة أن تفرغ من قراءة العمل بشكل كامل.

الإنسان البسيط هو ما شغل القاص، وسد عليه منافذ التفكير حتى لم يعد بين شخوص عمله أي حالة غريبة خارجة عن نمط الحياة المكافحة بدأب عن اللقمة، وهذا شأن برع فيه القاص معافا، لتصبح النصوص على قدر من التناغم الفني المكتمل العناصر.

إشارة:

* أوشك أن أعود) (قصص).

* العباس محمد معافا

* نادي جازان الأدبي (ط 1) 1426هـ.

* تقع المجموعة في نحو (60 صفحة) من القطع المتوسط.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة