Culture Magazine Monday  29/01/2007 G Issue 184
نصوص
الأثنين 10 ,محرم 1428   العدد  184
 
قلب يشيخ
مشعل العبدلي

 

 

(القلب مرشد جيد، لكنه يشيخ)

كل يوم تفتتح (صباح) الموظف المسن بابتسامة، تكتب في دفتر يوميات ذي لون زاهٍ، وعلى نفس الطاولة المتهرئة في ركن صالة البريد، كلمات لا تتجاوز دقيقتين بقلم أحمر دائماً. تقطع الورقة من الدفتر وتمهرها بتوقيع وقبلة، قبل أن تطويها في أحد المغلفات التي تخرجها من حقيبتها السوداء.

تقوم بكل هذا كل صباح غير آبهة بنظرات موظفي البريد، ولا العمال الذين يصطفون لإرسال رسائلهم. يبدو لكل من يشاهدها أن العنوان مكتوب سلفاً على المغلفات، لكن لا أحد يقول إن ما تكتبه في ورقة اليوميات كل صباح مكتوب سلفاً. تدفع أجرة الرسالة المسجلة ولا تهتم بالإيصال الذي يكتبه الموظف كل يوم بتفانٍ ولا تأخذه. مرت ثلاثة أشهر وعشرة أيام، يعرفها جيداً كل موظفي الدائرة منذ أن حلّ المدير الجديد، لكن لا أحد يفهم لم بدأت تكتب رسائلها مع وصوله، نفسه المدير الذي يتمنى رحيله كل الموظفين. كما أنه لا أحد منهم يتمنى غياب تلك الجميلة حتى لو شحب وجهها تماماً بين ابتسامة الدخول وطباعة القبلة وأثناء كتابتها الكلمات التي لا أحد يعرفها.

وحده الموظف الشاب كشف السرّ ذات خيانة بعد أن غادرت وهي تسأل عن الموظف المسن الذي اعتادته! قالوا لها: لقد تقاعد..! ولم تعد تكتب أو تبتسم في الأيام الثلاثة التي تلت غيابه! وبعد أيام لم تعد تأتي! وسمع كل الموظفين المتطفلين من الموظف الذي فُصل فيما بعد أنها ترسل كلمات ملتهبة! لكن لا أحد يدري لمن؟ سوى أن اسمه غائب وبريده خطأ ورسائلها لا تصل ولا تعود. غابت الجميلة والمدير الجديد لا زال يلقي الأوامر والشتائم.

بعد شهر نشرت الجريدة إعلاناً من امرأة تقول إنها لم تعد تعرف كيف تكتب ولا تبتسم، وإنها عجزت أن تصل للغائب، يوم شاخ القلب، الذي كان وحده يعرف كيف يصل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة