Culture Magazine Monday  29/01/2007 G Issue 184
نصوص
الأثنين 10 ,محرم 1428   العدد  184
 
معتوه الشقراء
صلاح القرشي

 

 

يا له من عمر مديد وضائع، تجاوزت الستمائة عام لكنني ما زلت أحمقا، لا يتوقف الحكماء عن السخرية بي، حتى سماني أحدهم بمعتوه الشقراء.

وها هي حفيدة الشقراء السابعة تدخل إلى عنفوان أنوثتها الشهي وأنا ما زلت أتابعها أماً عن أم.

جدتها الأولى الشقراء الفارعة، كم هو مميز كونها شقراء في صحراء يتسم أغلب سكانها بلونهم القمحي وشعرهم البني.

ما أن وقعت عيناي عليها حتى صرخت برحمة جدي كبير الحكماء.

عشقتها، وفشلت في الوصول إليها، كانت محاطة بدائرة تقذف بي بعيداً عنها. لكنني اكتفيت بالبقاء قربها، بالنظر إليها، بالعيش عبداً تحت قدميها، تزوجت، وأنجبت، وكانت فتاتها الصغرى شقراء مثلها. وها هي حفيدتها السابعة، كأنها هي قد عادت للحياة.. وما زالت الدائرة تقذف بي بعيداً كلما اقتربت إلا أنني الآن أملك أن أشم أنفاسها.

لا بأس أن يسميني الحكماء معتوه الشقراء، فلو شعروا بهذه الرجفة التي تنتابني كلما اقتربت منها، كلما وقفت أمام مرآتها وهي تمشط شعرها الأشقر لما لاموني على هذا العشق الممتد مئات السنين.

- لم تعد مراهقاً، ومن العيب أن يتحدث الجميع عن خنوعك المعيب لإنسية حولتك عبداً لأحفادها.

هكذا خاطبني القوم بصوت واحد..

وكرروا:

-تذكر أنك حفيد شيخ الحكماء، وما تفعله يشوه سيرته ويهدم مجده الأزلي

وكرروا:

- لم يعد ما تفعله مجرد نزوة، وإنما تحولت إلى مطية لهذه السلالة الآدمية.

لن تنال سوى سخرية قومك وستنطفئ جمرتك وتتحول إلى حكاية تشغل سمر القوم ومنادماتهم.

- كثرت علي ضغوطهم، وأحسست أمامهم بالمهانة والفشل، ولأول مرة أحسد الإنس على قدرتهم على البكاء.

سبع نساء تبدأ أولهم في صحراء وبئر وتنتهي سابعتهن في فيلا ومسبح وحديقة مزروعة بالياسمين.

جوع وشبع وأحزان وأفراح وطفولة وكهولة وحياة وموت، لا ألوم الذين يصفونني بالحمق لكنه قدري، وقد جربت الهروب نحو أراض تنصهر وبحور تتلاطم لكنني لا أمكث إلا وأعود وأقترب متحملاً تلك الدائرة التي تقذفني بعيداً، لأشم أنفاسها، وأردد أشعاري التي سيخلدها ديوان الجن عاجلاً أو آجلاً.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة