الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th March,2004 العدد : 52

الأثنين 8 ,صفر 1425

شخصية المثقف في الرواية السعودية
أحمد بن عبدالعزيز المهوس
دأبت أغلب الروايات السعودية في العقد الأخير المنصرم والمنفرط تركز على أهمية المثقف الذي يظهر فيها من خلال ابطالها او من خلال الشخصيات الرئيسة او الثانوية، وتأخذ على عاتقها ابراز هذا المثقف الذي يحمل على كاهله لحظة التنوير على لسانه وما يريده الروائي أن يكون، على أن لتسلسل الأحداث كثير أهمية في بلورة هذه الشخصية التي لابد أن توحي بفكر عميق يسير بالأحداث وفق ما تمليه الثقافة التي يحملها، ومهم هو معرفة ماهية المثقف، بمعنى من هو المثقف في العمل الروائي. لقد ذهب معظم النقاد إلى أن من يجيد القراءة والكتابة يطلق عليه مثقفا، ولا يستوجب أن يكون ضالعاً في الثقافة، او يمتاز على الشخوص الأخرى بشهادات علمية او خلاف ذلك.
وعندما نغوص في العمق حتى نقرع قاعته نجد أن لهذا المثقف خصوصية تميزه عن غيره، ذلك أن الرواية ماهي الا عما يجيش في صدر كاتبها، فبقدر ثقافة الكاتب تأتي الشخصية وفقما يتصوره في احداثه وما يصبه فيها، على انه لا يليق به أن ينزع من الدراما التي تعتلج داخل الاحداث ثقافة بدأ في بنائها على نحو ما بناها كاتب الرواية، فإن هو فعل ذلك اصبحت الرواية تسير في ركب السيرة الذاتية التي تجمعت في ذهن الكاتب.
ولا ريب أن لهذه الشخصية اهمية فائقة في سير ما هو مستجد من الاحداث التي جاءت من منشأ الروائي او كانت دخيلة عليه كالعولمة والقطب الواحد او الغربنة، يحاكي بها الروائي شخصياته المثقفة على اسس من المنهجية التي تفتقر إلى التلويح بما تحمله كل شخصية من شخوصه، وهو بذلك قد اوعز إلى القارئ ان شخصيته هذه لا تلبث أن تبعث الفكر والعلم اللائق بكل شخصية، ويغلب على الروائي والحالة هذه أن يكرس جهده وثقافته المتراكمة ليودعها حوارات شخوصه التي يجب عليه أن تكون متناسقة إلى حد بعيد مع ما يقوم به من أحداث، بل على كل ما يسير عليه في أتون موقعه في الرواية، فالمثقف السياسي له حواراته السياسية، والمثقف الاقتصادي كذلك، وهكذا.
وخذ مثلاً رواية «دفء الليالي الشاتية» للدكتور عبدالله العريني، نجد أن المثقف فيها يبرز بحلة من المقدرة على صياغة الاحداث وفقما يجب أن يكون، بل على وفق ما يجب أن يسير بها كاتبها، مما يخدم الكاتب في جميع جوانب عمل روايته هذه، حيث دأب «عبدالمحسن» على مواصلة الاحداث يمر بها على عدة عقد، يتبعها لحظات من التنوير، وهذه اللحظات كفيلة بأن يجعلها تنبع من جراء عملية تثقيفية استطاع بموجبها أن يتعامل مع المستجدات التي طرأت على زوجه وابنته، بل على ما دار في محل سكناه في البلاد الغربية، مما خول الكاتب لإنهاء الرواية بما يشي بمفهوم متوقع لنهايتها من قبل العمل الروائي المتسلسل بصحبة لحظة التنوير الختامية.
والروائيون السعوديون في أغلب اعمالهم الروائية يجنحون إلى تعليق الأحداث على تحركات شخوصهم المثقفة، من هنا جاء المثقف في معظم الأعمال الروائية يرفل بحلة البطولة، او بحلة الموجه لسيرورة الموجة العارمة الدراما الايدلوجية، مبعدين جانب الشخوص التي لا هم لها سوى مساندة الاحداث المتتابعة في عملهم الروائي، وليس في شيء أن يعطى غير المثقف زمام مهمة تفاقم الأحداث، اللهم إلا إذا كان العمل الروائي مبنياً على أبطال وشخوص هي بحد ذاتها لا تصلح إلا أن تكون امية ليس باستطاعتها فك الخط إن جاز التعبير.
على أن كثيراً من الروائيين يقدرون لمثقفيهم تجشمهم عناء الهجرة والرحيل من مكان الاحداث التي تسير فيها الرواية الى أمكنة مختلفة، وهم بذلك يرون أن لحظة التنوير لاي عقدة كانت داخل العمل الروائي لا تأتي الا من خلال الترحال والبعد عن مكمن البيئة الخاصة بالرواية، وهم بذلك يفقدون في الرواية تداعيات تسلسل الاحداث التي يفترض أن تكون داخل مسرح نقطة الانطلاق، ولا يضير هذا العمل الروائي أن كان هناك ما يدعو لاستساغة تفاقم النتوءات الناشئة عن عدم الترحال بالشخوص، ذهاباً بنفس الروائي إلى أن الثقافة لا تتأتى الا من خلال الترحال والعودة بعد حين.
ومهما يكن من شيء وأمر، فإن شخصية المثقف لا تزال تنير العمل الروائي اياً كان هذا العمل بلا منازع او مدافع او مشاكس، والروائي فعلاً يفتقر الى هذه الشخصية المثقفة التي يحملها نواة كل لحظة من لحظات الانفراج او لحظة التنوير، وان لم يكن لهذه الشخصية كثير اثر لهذه اللحظات فإن الاحداث يغلب ان تقوم عليها للسير قدما في تهيئة توقع السلوكيات الناتجة من بعض الشخوص ولو كان دون ذلك خرط القتاد.
بقي أن المثقف في العمل الروائي لابد أن يكون مؤهلاً لما يراد منه، فلا يسند له ما لا يليق بحقه وبهيئته التي يجيء عليها في العمل، ويقيناً أن تلبس هذه الشخصية ما يتوافق معها في أداء عملها، ومن نافلة القول إن في هذه الشخصية مراتع خصبة يجب على الروائي ان يلم بها، بل يجب عليه أن يأخذ من شخصيته المثقفة مقدرتها على بروز معالم وسمات روايته التي تهدف إلى عرض محتواها بصورة فاعلة ومقننة.
إن في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للروائي السوداني الطيب صالح وغيرها، كثير فائدة من محاولة الاستفادة من شخصية مصطفى سعيد المثقف الذي تدور حوله احداث الرواية، وكيف أنه استطاع ان يرحل من مكان الاحداث وبيئتها إلى ما يراه زيادة في تثقيفها، رغم ما يجيء من الجنس على بعض شخوص الرواية، ولعل تقدم سن هذه الشخوص لعذر قد يلتمس له فيما يجيء به.


khlid017@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved