الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 29th May,2006 العدد : 155

الأثنين 2 ,جمادى الاولى 1427

وأصبح للأسرة.. تاريخ
د. زاهر عبدالرحمن عثمان

منذ سنوات طويلة تحلو العودة لمثلها، وقبيل دخولنا مدرسة طيبة في أول أيامنا هناك كانت شخصيتان في استقبالنا. وكانت بعض الأخبار قد وردت عن ملامح كل منهما مما جعلنا نركن إلى جانب الحذر خاصة وأن شخصية ثالثة قد تعرفنا عليها فور دخولنا بلسعات من عصاها. كانت الشخصية الثالثة مثار استعجاب؛ فمع ابتسامة منيرة تعلو حمرة وجهه كان الأستاذ محمود إسكندراني، رحمه الله، لا يمنع عصاه أن تستقر على مخطئ، واكتشفنا بعد فترة أنه رغم ملامح من قسوة كان براً رحيماً ينظر لكل الطلبة أبناء. وعندما غادرنا المدرسة كانت ابتسامته وبريق النور في عينيه أكثر ما افتقدنا.
* كانت الشخصية الأولى الأستاذ أحمد بشناق، مدير المدرسة، وكان أنيق الهندام حسن التعامل لم نسمعه يرفع صوتاً إلا حينما يأمر المتأخرين منا بالتكبير والدخول في الصلاة. بقينا معه عامين وفي السنة الأخيرة افتقدنا صمته. أما الشخصية الثانية فهي الأستاذ محمد العيد الخطراوي الذي كان على كل لسان. كانت القسوة أبرز ملامحه وكنا إن نجونا من عصاه فلا ننجو من تعليقاته الساخرة الأشد إيلاماً. جاء أحد الزملاء يوماً وحدثنا أنه رأى الأستاذ الخطراوي وسمعه يضحك، وكانت تلك مبالغة لم نستطع تصديقها إذ إننا لا نصدق أنه يبتسم.
كان نائباً للمدير وكان من باب تقديره للمدير يقوم بما أحسب أنه أكثر من المطلوب منه.
وذات يوم أحمده حصل ما لم يكن في الحسبان، فقد تغيب مدرس اللغة العربية وجاءنا النذير بأن الأستاذ الخطراوي سيحل محله. ودخل وأخبرنا بأنه سيمتحن قدراتنا في اللغة العربية وسأل وشرح وأجاب.. وعند انتهاء الحصة كنا قد تعلمنا الكثير. كانت تلك نافذة على الأستاذ الكريم الذي أسفت وزملائي أن لم يكن لنا المزيد من معينه.
* دارت الأيام وكانت تصل الأخبار عن الدكتور الخطراوي والمواقع التي انتقل إليها و.. و.. إلا أن ما كان يشدني إلى أخباره قبل الشعر ما عمل عليه من إصدارات تعنى بشخصيات المدينة المنورة، وبملامح من تاريخ تلك الأرض الطيبة، خاصة الأدبي. وأحسب أن أسرة الوادي المبارك كان مصطلحاً معروفاً بالعموم وإن كانت تفاصيله غير معروفة إلا لمن كان من الأسرة أقرب. ومع مرور الزمن وغياب بعض الشخصيات ذات العلاقة المباشرة بالأسرة أصبح وضع كتاب يؤرخ لها واجباً انتظر الكثير أن ينبري له أحد الباحثين ممن مروا بالأسرة أو واديها. ولم يتحقق ذلك إلا بعد حين. وأجد أن من حظ الأسرة التي يعد تاريخها مرحلة مهمة من تاريخ الأدب في المملكة، أن يكون من يؤرخ لمسيرتها الأستاذ الدكتور محمد العيد الخطراوي؛ فهو أحد أركانها والأقرب إلى العديد من مؤسسيها ومن كان لهم عليها شيء من فضل ولمن كان لها عليهم عميم فضل. وأحمد الله أن تمكن الأستاذ، وهو البقية الأقدر، على إنجاز كتابه مستمداً العون من الله على ما تطلبه ذلك العمل من جهد مضاعف.
* كان الأولى أن يقوم نادي المدينة المنورة الأدبي بنشر الكتاب لأنه تاريخ له يجعله أعمق امتداداً من غيره. ولكن حرص الدكتور الخطراوي كان أكبر فعمل على إنجازه الذي واجهته صدفة مباركة قيضت له رعاية كريمة من مكتبة الملك عبدالعزيز العامة التي تعرف للمؤلف قدره وعرفت للكتاب مقداره. وأجد أن المؤلف قد بذل بمنتهى الإخلاص والأمانة جهداً في مرحلة عمرية يحلو عندها الإخلاص. وقد تجاوز عن الكثير مما علق بالنفس حيال بعض من كان همهم لتكون الأمانة المهنية هي المسيّر. وكانت هنالك بعض الملاحظات التي أثيرت مثل وجود (في الميزان) جزء من العنوان. وأجد أنها ضرورية لأن الكتاب يتجاوز مجرد التراجم الموجزة إلى استعراض الوضع الأدبي بالمدينة المنورة قبل الأسرة وبعدها، كما يتحدث عن إنجازات الأسرة وتوجيهاتها الفنية وأثرها. وقد وثق المؤلف لكل من له علاقة بالأسرة ممن تتصل كتاباتهم بالجوانب الأدبية أو الفنية كما تحدث عن الجيل السابق للأسرة كمقدمة عن الوضع الأدبي قبلها.
* لعل الملاحظة التي تبدو للبعض هي كثرة النماذج التي أوردت لبعض من تحدث عنهم الكتاب، وقد أوضح المؤلف في مقدمة كتابه ضرورة ذلك لنجاح الدراسة. أما وضعها بدل الإشارة إليها فمما أتفق معه عليه؛ ذلك أن فيها إحالات مباشرة تسهل على القارئ غير الباحث متابعة الكتاب. ولعل حيادية الكاتب تبدو في أنه لم يكن انتقائياً لكثير من المواد ذات العلاقة ببعض الأدباء الذين ترك لهم اختيار ما يرونه نموذجاً مناسبا. وهنا لا بد من التأكيد على أن المؤلف وإن حقق بعض أحلامه وصحبه بهذا المؤلف فإنه قد فتح الباب واسعاً لمن أراد خدمة تاريخ المدينة المنورة الأدبي من خلال التعليق والإضافة على ما كتب، أو من خلال الكتابة عن بعض من أشار إليهم من أدباء ذكر أن كلا منهم يستأهل دراسة خاصة. وللختام أقول إن ذلك يستدعي حباً للمدينة وأهلها كالذي يحمله محمد عيد الخطراوي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved