الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 29th May,2006 العدد : 155

الأثنين 2 ,جمادى الاولى 1427

زمن رديء آخر!!
أمل زاهد
تأتي مجموعة الكاتب حمد العيسى القصصية الأولى (أسبوع رديء آخر) جريئة، صاخبة، ساخنة، ومتدفقة، يختلط فيها الهم العربي مع الهم السعودي مع الهم الإنساني في توليفة جميلة مفعمة بسخرية لاذعة تقطر مرارة وأسى، تحفر وتنقب حتى تصل بالقارئ إلى أعماق ذلك الوجع الكامن، وحيث مخابئه الدفينة، توحي إيقاعات الجمل السريعة، الحادة، والساخرة للقارئ، أن الكاتب يريد أن يطلق طلقات نارية مصوبة إلى عمق مشكلات أرقت الإنسان العربي عامة والسعودي خاصة، بل تصل بعض القصص إلى تخوم المعاناة الإنسانية بمفهومها الشامل الذي يضعنا وجها لوجه أمام حقيقة أن الإنسان هو الإنسان في أي مكان تواجد ومن تحت أي عباءة ثقافية خرج.
كما يوجه الكاتب من خلال قصصه رشقات نبال إلى خاصرة النفاق والفساد والوصولية والازدواجية والأقنعة والزيف والرياء والتدين الشكلاني الكاذب، فينفجر ما في ذلك الجسد من أمراض وعاهات مفرزا قيحه ومبرزا سرطانه. ويتجه الكاتب أيضا إلى حيث المسكوت عنه فيعمد إلى ستائره فيكشفها وإلى معالمه فيظهرها في جرأة متميزة تسمي الأسماء بأسمائها الحقيقية دون محاولة للمواربة أو الترميز أو الايحاء. وربما كانت هذه الجرأة التي أراد الكاتب بها فضح المسكوت عنه هي دافعه لانتهاج الأسلوب السردي التقريري في كثير من قصص المجموعة، والذي قد يؤخذ عليها. وهو يتطرق من خلال قصصه أيضا إلى الكثير من القضايا الإشكالية والظواهر السيسولوجية والاجتماعية السائدة في المجتمع السعودي، كنظرة الشاب السعودي للفتاة السعودية والتي يشوبها الغموض وسوء الفهم، وهرب الشباب إلى أماكن يتم له فيها إشباع متعه الجسدية، وظاهرة الإيمان بالسحرة والدجالين والتكسب من الرقيات الشرعية على حساب المريض والذي يعاني عادة من مرض نفسي أو عصابي، ولبس مسوح الدين لإخفاء الفساد، وأسلمة بعض الاسثمارات حتى ينجذب الإنسان البسيط لها ثم يتم عبرها استنزاف جيوبه حتى آخر ريال فيها، وانتخابات المجالس البلدية الجديدة على المجتمع السعودي والمخيمات التي لا ينتمي ما يدور فيها بصلة إلى المجلس البلدي!! وإشكاليات أخرى متعددة لا يمكن حصرها في هذه المساحة المخصصة لهذا المقال.
والقصص التي يصل مجموعها إلى الستة عشر والمتفاوتة طولا وقصرا تحكي معاناة جيل، جيل تجرع الهزائم وازدرد الخيبات واتخم بالمصائب، وشاهد أمام عينيه انهيارالاحلام وتهشيم الأماني العربية، وراح يفتش عن الهوية الضائعة بين أنقاض الخرائب المتوالية. وفي محاولاته الدؤوبة تلك للبحث عن ذاته والنتقيب عن كيانه الضائع، تاه منه الطريق وتسربت من بين يديه ذاته وفقد القدرة على الرؤية الثاقبة، وإذا به يلجأ إلى كل ما يلمح فيه بارقة أمل تعيده إلى مجده التليد وعزه السامق. ففي قصة عزيزي ماهر والتي تأتي بشكل رسالة يبعثها البطل إلى زميل دراسته في كلية البترول والمعادن ويستعيد خلالها ذكرياته في ذلك المعقل التعليمي يقول البطل: (هل تذكر كيف تلقفنا الطلبة الملتزمون في ( الأورينتشن) وهل تذكر كيف كان الصراع شديدا بين جماعات الإخوان والسلف والتبليغ على جذب الطلبة الجدد؟ تخرجنا من ثانوية الدمام الشاملة مسلمين عاديين.. نصلي ونصوم ونحب الحياة والبلوت والموسيقى وكرة القدم كنت أعشق طلال مداح، وأنت تموت في فيروز.. ثم فجأة أصبحنا سلفيين ملتزمين أو وهابيين.. لا فرق الآن يا عزيزي.. أعفينا اللحى، وقصرنا الثياب إلى ما فوق الكعبين، وبدأنا نؤدي الصلوات الخمس في المسجد ونصوم الاثنين والخميس، وننكر الكثير من الأمور على أهالينا في منازلنا، ونجتمع مع الشباب كل ثلاثاء للدرس، وأتلفنا أشرطة الأغاني، ومنعنا أنفسنا من مشاهدة التلفزيون، وصار لعب البلوت من خوارم المرؤة.. ثم يواصل الكاتب الذكريات التي تستعرض حقائق وتناقضات عايشها على ما يبدو الكاتب نفسه والمتخرج من كلية البترول والمعادن.
لم يعتمد الكاتب على الرمز أو التكثيف إلا في بعض القصص التي جاءت فيها لمحات متقدة من الخيال ومن الأفكار المبتكرة مثل قصة (الجلد السميك دوت كوم). والتي تبدأ برسالة إلكترونية موجهة للكاتب من رئيسة الجمعية العربية للجلد السميك توضح فيها السمات الواجب توافرها في أعضاء الجمعية. وسرعان ما يكتشف القارئ أن هذه السمات والملامح أضحت هي المهيمنة على كثير من الشخوص الذين يتعامل معهم في حياته اليومية، ففي عالم لم يعد يعترف إلا بالبرجماتية والنفعية الخالصة والرغبات الجامحة في العبِّ من المظهرية والوجاهة، والرغبة الآسرة في الاستحواذ على السلطة لابد أن يتوارى الضمير وتحتجب الأخلاق وتنتهك القيم ويتم تقويض بنيان المثل والمبادئ، ليعتلي أصحاب الجلد السميك أعناق أصحاب الجلد الناعم فلم يعد هناك مكان لهم في عالم أضحى البقاء فيه للأقوى والاستمرار فيه لمن يعرف من أين تؤكل الكتف. يأتي في المادة الحادية عشرة ما يأتي:
(لا مجال لأي من الهرطقات المثالية، التي مصدرها الزائدة الروحية الخبيثة المعروفة بالضمير، مثل: التواضع، الصراحة، الرحمة، المرؤة، العدل، الإخلاص، حسن الظن، الوفاء، التضحية، الصدق، عدم الحسد، الفضيلة ، الأمانة، الشهامة، الكرم، والحب بكل أنواعه. وهنا لا بد أن يتساءل القارئ هل هناك مكان لأصحاب الجلود الناعمة في زمن احتجب فيه الحب!! في زمن رديء آخر!!
تأتي القصة الأخيرة في المجموعة والتي أخذ الكتاب عنوانها (أسبوع رديء آخر) لتدخل في ردهات وأروقة شركة أرامكو والتي يبدو أيضا أنها محاولة للمكاشفة وتسليط الضوء - فالكاتب أحد المنضوين تحت مظلة هذه الشركة كما هو واضح من النبذة الموجودة عنه في آخر الكتاب - على ما حدث ويحدث، ما كانت الشركة وما صارت إليه وكيف سادت الشعاراتية والمبادرات التطويرية بصورة فوضوية. تأتي المكاشفة صارخة وعنيفة وصريحة، توضح معاناة الإنسان في عالم صار فيه مجرد ترس في آلة ضخمة تنصهر فيها ذاتيته وفرديته ليدخل في عبودية من نوع جديد، عبودية تنصهر فيها روحه وتتدمر قدرته على الإنجاز ويضطر لتقديم التنازلات وإلى الرضا بمقاييس جديدة نظرا لطوباوية المقاييس وعدم قدرته على الالتزام بها. وينهي الكاتب قصته بمرارة لاذعة قائلا: خرجت لأمارس رياضة المشي حول مسجد العيد كعادتي بعد أن نزعت الساعة من معصمي حتى لا أعلم كم بقي من الوقت على بداية أسبوع رديء آخر!!


Aaz868@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved