الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 29th May,2006 العدد : 155

الأثنين 2 ,جمادى الاولى 1427

أعر اف
عبد الله نور (1)
محمد جبر الحربي

لم يكن عبد الله نور، رحمه الله، أول من أضاء لي، ولن يكون الأخير، لكنه باختلافٍ معتمدٍ على قاعدة تراثية، ومعرفة لصيقة بالواقع وكل ما يجد، وذكاء ولماحية وسخرية مريرة، وضحكة مجلجلة بنظرات تقلب أرجاء المكان، وتتفحص الوجوه، وزوايا المكان، كان من أشد من أثروا بي، وجعلوني أعيد حساباتي وقراءاتي. جمع أبو عبد الرحمن مع عمقه التراثي، ولعاً بكل ما هو حديث، مدهش، وخارج عن العادية والرتابة، والجمود. سواء كان عالمياً أم عربياً، أم شعبياً.
وكانت له قدرة غريبة على التأقلم مع الناس.. كل الناس. التقيته أوائل الثمانينات وكان ملازماً للصديقين جار الله الحميد وعبد الله الصيخان، محباً لهما، وظللت أراه كلما خرج من حالاته الشنفريّة، وأقصد هنا اعتزاله الناس، بشكل متقطع عبر السنين، وكان كلما رأيته قد ازداد شباباً وبهاء.. وطولاً. كان عبد الله كريماً محباً حنوناً، يبذل كل ما لديه إذا تيسرت أحواله، مانحاً من معه كلّ ما معه، وكان كالصعاليك الذين أحبهم في تراثنا الشعري، لا يحب الشعر ويحفظه ويكتبه بل يعيشه بكل تفاصيله. وأذكر أنه كان عائداً للتو من رحلة إلى المغرب فهاتفني قائلاً: مرني لدي هدايا لك، ولكن أسرع فقد تنتهي!! فمررت بالفعل عليه في منزله في (الشميسي)، كان جالساً على الأرض والكتب بالعشرات من حوله.. قال لي تفضل اختر منها ما يعجبك.. هي لك!!
كنت أختلف مع أبي عبد الرحمن ولكنها اختلافات محبة لا كراهية، يزول أثرها خلال ساعات، ولكنني ظللت أتفق معه، وأحبه، وأتفهم حياته، وأدبه، وجنونه الخلاق. كنت أجالسه، وأسافر معه وأتلقى منه كتلميذ مندهش معجب بالظاهرة المتجددة التي أمامه، معجب بمعلمه، فزاد التفاتي للتراث، وازداد توازني مع الشعر الحديث. ولذلك ظللت أسعى إليه رغم تقطع السبل بيننا، ظروفي وظروفه: وكان من آخر ما قاله لي في آخر لقاء جمعنا: لقد ظلمناك يا محمد.. ظلمتك فقد كنت ميالاً للصيخان وآخرين.. وضحك وحضنني.. قلت له: بل كنت أباً لنا جميعاً.. لا عليك، وكان ذلك منذ وقت ليس ببعيد بقياس فترات غياب عبد الله. وأذكر أنني عدت إلى المكان الذي كان مقيماً فيه عند الصديق محمد الصالح للاطمئنان عليه، فلم أجده.. ووجدت الصالح الذي أخبرني بمغادرة النور، تحدثنا عنه بجمالٍ وتفضل بإهدائي هذين البيتين خطهما عبد الله نور بخطه الجميل الواضح المميز ولا زلت أحتفظ بهما:
إذا ما الدهرُ جَرَّ على أناسٍ
بكلكلِهِ أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا: أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا

mjharbi@hotmail.com

الرجوع
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved