الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th August,2005 العدد : 120

الأثنين 24 ,رجب 1426

قراءة في كتاب
(الشرق والغرب.. محددات العلاقة ومؤثراتها)

صدر مؤخراً كتاب مهم تحت عنوان (الشرق والغرب.. محددات العلاقة ومؤثراتها) للأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة في 248 صفحة من القطع المتوسط (17x24سم) ، والغلاف من الورق المقوى يحمل صورة للكرة الأرضية وفوق الصورة أربع صور صغيرة تعبر عن علاقات التواصل اليدوي المتبادل بين أشخاص، كمحاولة لإضفاء روح الكتاب ومضمونه بدءاً من الغلاف.
وتأتي أهمية الكتاب من خلال سياق المحتوى الذي جاء على قسمين قسمهما المؤلف، الأول جاء تحت عنوان (المنطلقات) ، بينما القسم الثاني تحت عنوان (محددات العلاقة) ، وقد حدد المؤلف منطلقات خمسة لتأليف الكتاب (الاهتمام، حقائق، المسلمات، التسويغ، الجغرافيا) لكنه وضع أيضاً سبعة عشر محدداً من محددات العلاقات هي (الجهوية، الإرهاب، الحقوق، الحروب، اليهودية، الاستعمار، التنصير، الاستشراق، الاستغراب، الاغتراب، البعثات، التغريب، العلمنة، العولمة، الإعلام، الحوار) .
سعى المنطلق الأول إلى الإجابة عن سبب اهتمام الغير (الآخر) بالإسلام قديماً وحديثاً والتطرق لتطورات حول فهم الدين وانحسار العقائد لدى الغير، وانتشار المسلمين في جميع أنحاء العالم والتعايش مع مختلف المجتمعات، وإمكانية إقامة مساجد تقام فيها الصلوات بعيداً عن البلدان الإسلامية.
وسعى المنطلق الثاني (الحقائق) إلى الاستشهاد ببعض الحقائق مثل ذاكرة المسلمين التي تحتفظ بصورة سلبية حول تعامل الغير معهم، ذلك أن العالم الإسلامي قد تعرض ولا يزال يتعرض لهجمات غير مسوغة من قبل أرباب الديانات الأخرى، وكذلك الاستعمار الذي لبث مددا طويلة في بعض البلدان الإسلامية، والتمييز ضد المسلمين القائم على سوء فهم العالم الإسلامي، مبنياً على استقاء المعلومات من علماء غربيين مستشرقين.
كذلك المنطلق الثالث (المسلمات) الذي ناقش أننا نعيش كمسلمين مع الغير تحت مبدأ الولاء والبراء في الإسلام والغرب يضع عدة مسلمات في تعامله مع العرب المسلمين قائمة على فكرة استشراقية قديمة تتجدد، قامت على تشويه الإسلام، ناتج عن موقف المسلمين في الحروب الصليبية، وعدم سماحهم للحملات بالنجاح على حساب المسلمين.
وكان المنطلق الرابع (التسويغ) يحاول أن يربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومحاولة المستشرقين تعطيل (الجهاد) بمفهوم القتال، لأنه كان ولا يزال الوسيلة التي يخشاها المستعمرون الذين احتلوا بلادا كثيرة، من بينها معظم بلاد المسلمين.
وكان المنطلق الخامس (الجغرافيا) يناقش تنامي المسلمين في دول الغرب وقد ذكر المؤلف أنه يعيش الآن سبعة وخمسون مليوناً وستمائة وخمسون ألف مسلم (75.650.000) وأن هذا الرقم ينقل ثقافته الدينية إلى الأماكن التي يسكنونها ويتفاعلون مع الغرب بما لا يمس عقيدتهم.
سعت المنطلقات الخمسة إلى أن تؤكد على أن الشرق والغرب يظلان لا يستغنيان عن بعضهما في البناء الحضاري، وفي إسعاد البشرية، وهما شريكان في ذلك، وأن أياً منهما يظل بحاجة إلى الآخر، وبذلك يؤكد المؤلف بطلان نظرية الشاعر روديارد كيبلنج في أن الشرق شرق والغرب غرب، فأمكن المسلمون أن يعيشوا في الغرب ويتعايشوا مع أهله مع احتفاظهم الكامل بهويتهم الدينية وتأثيرهم إيجاباً على أهل الغرب، الأمر الذي فرض احترام الغربيين للمسلمين، من هنا يعتبر الدين هو المؤثر الأول. من خلال المنطلقات ومحددات العلاقات التي تناولها الكتاب نجد أن هذه المحددات يمكن أن تشكل الإطار النظري والمعرفي الذي يساعد على الفهم والتفسير والتحليل وربما التوقع بمستقبل تلك العلاقات.
ويعد هذا التحليل واستعراض العلاقات بين الشرق والغرب نجد أنها في مجملها كانت حسب رؤية المؤلف غير عادلة وليست متكافئة، واتسمت بالروح الاستعلائية والعدائية والفوقية وسوء الاستغلال، إلا أن نافذة من الأمل لتجسير هذه الفجوة عبر النوايا الحسنة واستغلالها الأمثل من منطلق حاجة كل طرف إلى الآخر بما لدى كل طرف من موارد وإمكانات على احترام الخصوصيات الدينية والثقافية والفكرية التي تمثل منطلقات لا يمكن التنازل عنها.
إن تجسير هذه الفجوة والكلام للمؤلف بين الشرق الإسلامي، والغرب النصراني اليهودي، يمكن أن يتم عبر آليات أتاحتها معطيات استغلال وسائل المواصلات والاتصال الحديثة للتقارب بين الشعوب والأخذ بمبدأ الحوار بين الحضارات والأديان.
عموماً فقد سعى الكتاب في مجمله إلى محاولة الإسهام في أن كثيراً من الاستشراقيين عملوا على تشويه صورة العرب المسلمين، كذلك أسهم في إيضاح أن الوشائج قوية بين الشرق والغرب، وأن المصالح متبادلة بين الطرفين مع الأخذ في الاعتبار إمكان استغلال تلك العلاقات استغلالاً إيجابياً لصالح رفاهية شعوب الطرفين واحترام قائم بينهما.
وقد جاءت لغة الكتاب راقية، وغلب على المؤلف أسلوب السهل الممتنع، فجاءت الجمل قصيرة سلسلة سهلة الفهم والإدراك.
ومن أهم النقاط التي وقف عليها الكتاب عند تناول حقوق المرأة (فالاختلاف فيها واضح وجلي، وكلا النظامين ينظر للمرأة نظرة مختلفة كذلك في المنطق، ذلك أن النقاش حول هذا الموضوع يأخذ منحى عاطفياً، هجومياً أو دفاعياً، حتى أن أبناء المجتمع المسلم وببناته، في مجملهم وليس كلهم يقفون وقفات حائرة حول هذا الموضع.
ومنهم من تبنى كثيراً من المفهوم الغربي في النظرة إلى المرأة، ويدعون إليه إعلامياً، ويطبقونه في حياتهم، متهمين أصحاب النظرة الإسلامية بالتشدد والتزمت، بل والتطرف في الضغط على المرأة، وغمطها حقها في المشاركة في عمارة الأرض، وبناء المجتمع.
ولا تهدف هذه الوقفة إلى الانسياق في هذا الموضوع الحساس، سوى التوكيد على أنه محدد من محددات العلاقة بين الشرق (المسلمين) والغرب) . أما النقطة الثانية فهي ما قامت به المؤسسات السياسية للجاليات المسلمة المغتربة، وخاضت غمار التأثير السياسي، من خلال قيام مفهوم (الدهلزة) العربية والإسلامية، وأضحى هناك نواب مسلمون..
تأتي أهمية هذا الكتاب بعد استعراض الشكل والمحتوى من أنه يعتبر قراءة تأصيلية عن أهم العلائق المتشابكة بين الشرق والغرب في منهج علمي متدرج من عموميات العلاقات إلى خصوصياتها، ويعتبر بمثابة لبنة غاية في الأهمية كمرجع يعود إليه الباحث النظري لتناول نقاط الوقوف والاستدلال.
وكما قال مؤلف الكتاب في آخر جملة (كان الله في عون الجميع) .


حسين أبو السباع
aboelseba@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved