الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th September,2003 العدد : 30

الأثنين 3 ,شعبان 1424

ظهور الوباء
علي العمري *

يظل الوباء حين يحتل الجسد ويجمِّع أعضاءه على الضيم أهون، وباء يفتك بالجماعات ناشراً الرعب ومفتتاً الحصون، فتنعدم المقاومة وتتضرَّع القدرة إلى صوب لا مرئي مما يجتاح الأوادم والحرث والنَّسل. الوباء لمّا يقصف الناس بأسلحته الغامضة فيُؤرَّخُ به لأزمنة الموت مثلما يؤرخ بالحرب والرهيب من الكوارث والملمات هذا النوع من الوباء رغم فداحته وتعوذ الكائنات منه صباح مساء يظل أهون من وباء في العمق أعنف وأثقل وطأة، ولا يكون من اليسير تبينه ولا رؤيته عيانا كلما غاصت فيه بأهلها الحياة.
لكن ما هذا الوباء؟ ما كنهه؟ ومن أين يجيء؟ ولماذا؟
ربما يصح لو قيل هو وباء المعنى، تركةُ المجاز، وربما لا!
وربما يجوز أن يكون تأثير الفكرة لما تكون فاسدة فتنتشر مثل رائحة في الهواء.
وباء يترك الجسد صحيحاً وينخر الروح، يتمكن من المخابىء فيتجوف الانسان ويفرغ. وباء يشيع ولا يعرف، بل ربما كان محل حفاوة دون معرفة لضروراته المسمومة، فهو العدو الذي يقتلع المعرفة فلا تلوح له في أفق لأنه المغلق الذي يجهز على الفريسة حية ويتركها تركض، اذ من مهامه الموت للروح على ان يظل للجسد البقاء فارغا من الحياة.
تحته الناس يتكاثرون في واحد ذاهبين في عصاب جماعي الى مناطق الوهم ومخابىء الخوف والقهر. تصبح القيمة أكواما من البدهيات المعلبة، كما تزدهر في ظلاله البلاهة ومعاصرة الهش وأكثر وسائل الأمان فتكا، وتصبح كل عزلة ضرباً من السلوان المؤقت وتأجيلاً مؤلماً لحتمية الانتحار.
هذا الوباء في احتمال يقارب الصواب ذو شبكة معقدة وشبه مستحيلة في تجذرها الشيطاني في أصقاع التاريخ مثلما في رحم مستقبل غامض، في اللاوعي كما في النسيج المحجوب للجماعات. صعب أن يسير في المكبوت وما تتركه عنوة الألسن أو تتوهم حماقة الأذهان السيطرة عليه، لأنه كلما دام واتسع غلّق في حصانة فولاذية الآفاق واشعل الناس بأمراضهم الخبيثة، ومن اوكاره المحتملة والغامضة الفكر كأحد المنابع لظواهر الحياة والأحياء.
وربما يبدأ عندما تولد الفكرة مع مقاومة لميلادها ثم يكمن داخل الفكرة ذاتها ولو انتصرت وشاعت وحركت الجماعات والاممُ فيها الوجود يكمن لينتظر أوان فسادها، حتى اذا صارت الفكرة السائدة والموغلة وانفقدت لحمتها بتاريخ كان يمدها بالقوة وصارت الشعار، الرطانة، الخالية والخاوية تصبح مثل ثمرة تيبس ثم تسقط في مستنقع هائل يتلاطم بأفكار فاسدة لا تحصى، هناك يتحقق الظرف كاملا لظهور الوباء.


alialamri8@hotmail.com*

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved