الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th September,2003 العدد : 30

الأثنين 3 ,شعبان 1424

طروحات عن النهضة المعاقة

* تأليف: عزمي بشارة
* بيروت: رياض الريس، 2003م.
ينطلق عزمي بشارة في طروحاته هذه من الواقع الاجتماعي الملموس باتجاه النهضة والتنوير والعقلانية والتحديث والديمقراطية كما يقدم لكتابه ، كما ينطلق في معالجة موضوع النهضة المعاقة من الواقع العربي «الصغير» ثم يتوسع لينفتح على قضايا المجتمع العربي وقضايا المجتمع والحداثة بشكل عام كقضايا العلم والأخلاق والفردية وغيرها.
وبحسب المؤلف فإن عوائق انطلاق هذه النهضة اجتماعية ناشئة تاريخياً وأن عرضها نقدياً هو مساهمة في تحديها ومواجهتها، ويرفض الكاتب النظر إلى التاريخ باعتباره وحدة متناسقة ذات بداية ورواية جامعة وتقسيمه إلى عصر ذهبي وعصور انحطاط لأن ذلك يؤدي إلى إسباغ وجهة نظر قومية على تاريخ غير قومي، كما أن التعبير الديمقراطي عن الأمة هو التعبير الأقرب عن إرادتها، في حين أن التعبير عن الفرد كمواطن في الأمة وليس كعضو في العشيرة أو القبيلة أو الطائفة هو التعبير الأفضل عنه ولحماية الفكرة القومية ووقايته من التجاء كل عيوب المجتمع العربي يدعو الكاتب إلى «دمقرطة» هذه الفكرة، إذ من السهل أن يحتمي التخلف بالقومية باعتباره أصالة يجب الحفاظ عليها ضد علمية التثاقف واستيراد الأفكار.
وفي قراءة لأفكار وشخصيات كتاب عزمي بشارة، يقول «انطوان شلحت»: يرفض المؤلف اعتبار فكرة التنوير والنهضة في المجتمع العربي وما يتفرع عنها من قضايا مجرّد حرية تعبير عن الرأي، وبالتالي فليست معركة النهضة معركة حرية تعبير بل معركة دفاع عن العقل ضد الخرافة،عن العلم ضد الجهل، عن التجريبية ضد الغيبية، عن النقد العلمي ضد العقائدية، وعن التشكيك والريبية ضد التزمت. أما قضية حرية التعبير فهي قضية ديمقراطية حديثة، قضية ما بعد التنوير.وخلافاً للتنوير والنهضة لا تميز بين الرأي الخاطىء والصواب، بين الخرافة والأسطورة وبين الحجّة العلمية.
وما دام الفكر العقلاني العلمي يقاتل من أجل حقّه في التعبير فلسنا في معركة حرية التعبير، بل ما زلنا نراوح في معركة النهضة والتنوير. وما دام الرأي العلمي او العقلي هو الاستثناء في المؤسسة وفي الجمهور، فهذا يعني أن النهضة ما زالت بحاجة إلى أبطال يدافعون عن صحة الرأي الصحيح،لا عن حقّه في التعبير عن ذاته ولو كانوا لا يتفقون معه.
في أسّ هذا الرفض موقف فكري يتمرّد على ما هو سائد، مألوف، دون مداورة.ومثل هذا الموقف يكون فاعلاً وثاقباً إذا لازمته مزية النقد، وتخصيصاً النقد الذي يتمنطق بسلاحه الأساسي وهو التفريق بين ما يعقل وما لا يعقل،بين ما يقرأ وما لا يقرأص «50».
يسأل المؤلف: في الواقع؟ويجيب: نعم الواقع،فالفكر النهضوي يستمر بافتراض وجوده رغم ما بعد الحداثة«ص17».
من هنا فانه يفتح نيرانه على ظواهر تسهم في حجب البصيرة عن رؤية الواقع بأدوات النقد «مثل ظاهرة المؤامرة،لا على سبيل الحصر».ومثلما أن الثقافة «وكذلك المثقفين» تنشأ ضمن سياق المعرفة،وتغدو أكثر فأكثر غير ممكنة دون علم فإن النقد غير ممكن دون العلم بالشيء. ونضيف أيضاً دون العمل به.أي أن النقد يستحيل من دون أخذ بُعد الممارسة بعين الاعتبار بغرض الفعل في الواقع وتغييره.
وفي المناطق التي يتلامس فيها الفكر بالفعل والفعل بالواقع تقع تناقضات وتتم حلول وسط تمكن من الاستمرار. والمهم هو الحفاظ على الاتجاه وعدم تضييع الهدف«ص1920».
بمثل هذا النقد يمضي بشارة قدماً في نمذجة الظواهر والتقاليد المعيقة للنهضة. ومهما تكن هذه الظواهر والتقاليد فإن ما يسترعي الاهتمام منها هو ما يلي:
العلاقة مع الحداثة: يميز المؤلف داخل مجتمعنا سيرورة انتقال من مرحلة الانفتاح على الحداثة والرغبة في محاكاتها والحوار معها، ومع التاريخ والواقع العربي«إلى»مرحلة الحداثة المشوهة ورد الفعل عليها«،وهو انتقال يردّ إلى درجة كبيرة على وجود فوارق جوهرية بين رعيلين من المثقفين كنماذج بشرية. المهم أن من طبيعة هذا الانتقال قيام مرحلة متوترة مع الحداثة، من مظاهرها، في العمق، التخلي عن قيم التنور «التنور من ظلمة الجهل وقيوده».
يقول بشارة: لقد بات باستطاعة من يبحث عن طريقة للتخلي عن هذه القيم،مقابل الأوضاع الاجتماعية المتوترة العلاقة مع الحداثة،التعلق بحبال هواء ما بعد الحداثة والنسبية الثقافية لتبرير التكيف مع قيم حديثة غير متنورة، غير حداثية، مشوهة، وتقدم وكأنها تقليدية، أو أصلية، ضمن الخصوصية الثقافية أو الدينية أو الوطنية. هكذا تجري في الواقع عملية مركبة مؤلفة من خطوات عديدة تشكل توليفة معادية للحداثة:
* ما يبدو وكأنه نقد الحداثة في الغرب بمصطلحات ما بعد الحداثة يصبح مبرراً للعداء للتحديث في مجتمعات لم تصل الى الحداثة بعد لكي تقفز الى ما بعد الحداثة.
* يتم تعيين تشويهات وردود فعل حديثة متوترة على الحداثة المشوهة كأنها أصالة وتقاليد.
* يتم تجميد هذه الأصالة والتقاليد الموهومة وتثبيتها كثقافتنا وعقليتنا في مواجهة التحديث، كما يتم إسقاطها على التاريخ، «تاريخنا»، بأثر رجعي،أي يتم إنتاج نوع من المباهاة والافتخار بالتخلف المستحدث.
هنا تدخل، بكيفية ما،ثنائية القرية/المدينة، ومنها تشتق ثنائية القرية العربي/ المدينة اليهودية وما تحيل إليه من علاقة الهامش بالمركز التي تؤثر في الطالب الوافد من القرية إلى المدينة لناحيتين في السلوك والتفكير: ناحية كينونته في المدينة وناحية صيرورته عند العودة من جديد إلى القرية.
أما الخلل الناجز فيرجعه المؤلف إلى انعدام حدوث انتقال نوعي من عالم إلى آخر مؤكداً أن الانتقال يحدث عندما يتبنى المثقف قيم الحداثة والتنور ويخضع هذه العلاقة ذاتها، أي علاقة الهامش بالمركز،الى نظرة فاحصة ونقدية.قد يحمل المثقف العلاقة بين الهامش والمركز في داخله عند إقامته الجسدية في المركز،أو قد ينحاز الى احد طرفي العلاقة ثقافياً، لكن التحدي هو التحرر ثقافياً من العلاقة بين الهامش والمركز ليصبح بالامكان التحيز للهامش كحالة تمييز عنصري اضطهادي من دون تبني ثقافة الهامش المشوهة الغاضبة،في ردة فعل على ثقافة المركز الواهمة أنها مدينية.بوعي هذا التشوه يصبح بالامكان تبني قيم التنور كقيم عربية أيضاً من دون محاكاة علاقة المركز بالهامش إعجاباً به كتعبير عن هوية مأزومة.ولا يمكن الانتصار في هذا التحدي من دون وعي وجوده.فوعي وجوده يدفع باتجاه مواجهته وإنتاج ثقافة مضادة.وحدها مواجهة التحدي وحدها،تؤدي الى تعديل طبيعة الإنتاج الثقافي«ص4146».
الغيبية في السياسة:
يخصص المؤلف فصلاً من كتابه لدحض الغيبية في السياسة، باعتبار السياسة الأخطر من بين أوجه النشاط الاجتماعي،لأنها الأعظم تأثيراً على المجتمع ككل، على أساس إقامة فيصل في الثقافة بين عالمين: عالم الروح وعالم الظواهر. ويمدّ دحضه لينسحب على عملية صنع صورة الآخر بغرض تشويهها،حتى لو كان بقصد محسوب عقلياً، يؤدي إلى نشر الغيب في السياسة ويؤدي بالسياسي إلى اتخاذ مواقف غيبية» ص6165».
نقاش المتكلم، هروباً من نقاش الكلام:
هذا النقاش يندرج ضمن التقاليد المعيقة للنهضة، إذ إنه لا يؤدي إلى مراكمة معرفة، ناهيك عن تطوير أي نوع من الحوار والجدل المعرفي.. بل إنه غالباً ما يؤدي إلى إعاقة الانتاج الفكري المعرفي.بيد أن جانباً كبيراً من الأمل بتجاوز معيقات النهضة،بعد عرض الأفكار السالفة وفي موازاتها، يبقى معوّلاً على ترسيخ أقدام الفكرة القومية الديمقراطية، تنطلق الفكرة، أساساً، من الدمج الخلاّق بين المفهومين أو البعدين، القومي والديمقراطي، الذي يجعل إمكان أن تكون القومية ديمقراطية واقعياً إلى حد كبير.
وتعتمد أعمدة هذه الفكرة الرئيسة على الوعي بدلالاتها والوعي بدلالاتها المضادة في واقعات«من واقع» أخرى،على شاكلة:أن الفصل بين المفهومين القومي والديمقراطي يؤدي الى تحول القومية إلى مجرد شوفينية وسياسات هوية خاوية تستر التخلف بالمزاودات الوطنية، وأن غياب الوجهة الديمقراطية التنويرية للفكر القومي يؤدي الى وجهة أخرى أصولية إن كان ذلك في نمط الوعي أو من حيث الإكثار من استثمار الخرافات والأساطير، ورفض التعريفات الجوهرانية المتعالية والمتسامية للقومية باعتبارها جوهراً لا تاريخياً.
والخلاصة أن الفكرة القومية الديمقراطية أساس لنهضة تنطلق من ثقة بالذات ووثوق من الهوية الثقافية«وثوق وليس تعصباً« عند هذا الحدّ يجدر بنا أن نشير إلى توكيد المؤلف على أن جوهر الفكرة الأخلاقية في التنوير هو الحرية، وأساساً الحرية القائمة في العقل العملي.وفي نهاية المطاف فإن الفرد الحر يقف وحده بلا معين أمام الخيارات، فيظل فرداً حراً مسؤولاً عن أفعاله.
وحين نقرأ هذا الكلام لا مهرب من الاستنتاج بأن أشد ما يبهط صاحبه هو الإعاثة بمبادىء الأخلاق.
يقع الكتاب في «277» صفحة من القطع العادي.
لمزيد من التفاصيل والقراءات حول الكتاب
:http://www.balad.org/ display.x?cid=385&sid=966&id=65 21http://www.adabwafan.com/SID 70747F8Dhttp://arabooks.net/ product_info.php?products
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved