الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th September,2003 العدد : 30

الأثنين 3 ,شعبان 1424

الحل هو النشر المشترك
كتب الجامعات والجهات الرسمية لا جدوى منها مادامت لا تصل للقراء
علي محمد العمير

هناك الكثير جداً من الجامعات والكليات العديدة في بلادنا، وهناك مراكز أبحاث، ومكتبات عامة ضخمة، متعددة، وأندية أدبية في مختلف أنحاء المملكة.. فضلاً عن جهات رسمية كثيرة.. تقوم جميعها بنشر كتب عديدة.. بل كثيرة للغاية.. أكثر، وأهم مما قد يخطر على بال القارئ.
ومن حيث اهتمامي بما يصدر من كتب في بلادنا.. فقد اجتمعت عندي بيانات لا حصر لها، تشمل تقريبا كل ما صدر عن هذه الجهات الرسمية منذ تأسيسها إلى الآن.. أي على مدى سنوات طويلة جداً.
ولست أدري ربما لشدة ذهولي كيف فكرت في حصر كل ما عندي من بيانات أو قوائم مطبوعات هذه الجهات العديدة، وترتيبها حسب موضوعاتها، وجهاتها، وحتى مقاساتها، وعدد صفحاتها، وتواريخ صدورها، وجهاتها الخ.
فلما جاءني من يساعدني بما طلبته منه بهذا الصدد، فوجئت مفاجأة مذهلة من ضخامة البيان، وكثرة أوراقه التي شكلت بعد تجليدها كتابا تقريبا من حجم «الفلوسكاب»!! فذهلت من ذلك حقاً!! ولكني قلت في نفسي ان هذا البيان لا شك يشمل الغث والسمين بطبيعة الحال.
* * *
فقمت مرة أخرى بالتأشير في البيان على الكتب القيمة، الثمينة، المهمة للغاية.. وطلبت طبعها في بيان آخر.. فلما جاءني، ذهلت مرة أخرى من كثرته البالغة، وكثرة أوراقه مما جعله يشكل مجلدا آخر، وان كان اصغر من سابقه إلى حد ما.. فزاد عجبي جدا، حيث من المؤسف.. بل من المؤلم للغاية ان هذه الثروة الضخمة من الكتب القيمة فعلاً.. بل بعضها بالغ الأهمية والروعة، ولا يمكن ان تصل لجمهرة العلماء، والأدباء، ورجال الثقافة والفكر، وغيرهم من سائر طلاب المعرفة.
وجميعهم اطلاقا في أمسّ الحاجة إلى هذه الكتب الراقية، ولا يمكنهم الحصول عليها حيث لا تهدى، ولا تعرض للبيع، وان كنت أعرف ان قلة من الجامعات مثلاً تعرض بعض كتبها للبيع، ولكن في «دكاكين» داخل أسوار الجامعات فحسب.
وحتى هذا الإجراء الساذج، يعتبر كعدمه تماما حيث كيف يستطيع الراغب في اقتناء هذه الكتب، أو بعضها ان يأتي من «تبوك» أو من «جازان» أو من أية منطقة نائية، أو حتى غير نائية لمجرد شراء كتب في الرياض، أو جدة، أو الأحساء، أو أية مدينة توجد بها جامعة.
وفضلاً عن ذلك ليست كل جامعة لديها «دكاناً» لبيع كتب.. بل قلة قليلة منها فحسب!!
ودعك من المراكز، والمكتبات العامة، والأندية وغيرها، وغيرها، حيث توجد فيها الاستحالة ذاتها في الحصول على كتبها.
* * *
وكمجرد مثال.. دعوني فضلاً أضرب لكم المثل بنفسي سواء من ناحية شدة حرصي على الكتب المفيدة لي، أو من ناحية الصعوبة البالغة في الحصول على ما أريده من هذه الكتب.
وإنما ضربت المثل بنفسي لكوني أحصل فعلاً على بعض ما أريده سواء عن طريق الاهداء من بعض الجهات، أو باستخدام سعة علاقاتي لأحصل على بعض الكتب من جهاتها فترسل لي فعلا.
وكنت أظن ان عندي نسبة كبيرة منها، ولكن عندما اطلعت على البيان الضخم الذي أشرت إليه في مطلع مقالي هذا، فوجئت بحقيقة أرعبتني، وهي انني رغم كثرة ما عندي نسبيا وجدت ان الذي ينقصني من أهم الكتب التي اهتم بها، أكثر بما لا يقاس مما هو عندي منها رغم الكثرة!!
وقد أشرت آنفاً إلى اني اتلقى هدايا الكتب من عدد من الجهات إلا انني لا أتلقى أدنى اهداء من معظم الجهات.
ويعلم الله سبحانه وتعالى انني اتلقى الكثير جدا من هدايا الكتب القيمة، والمجلات الراقية بما فيها مجلات ودوريات أكاديمية نفيسة من عدد غير قليل من جهات حكومية، وحتى غير حكومية من بلدان عربية، وغير عربية، وهي مستمرة دون انقطاع.
وذلك علم الله أيضاً دون أدنى طلب من قبلي.. بل حتى دون أدنى علاقة من أي نوع بيني وبين هذه الجهات.
* * *
ولست أشك من جهة أخرى ان جامعاتنا، أو غيرها من الجهات الرسمية التي أشرت إليها آنفا.. تهدي الكثير جدا من كتبها، ومجلاتها إلى عدد من الناس خارج المملكة، ربما لا شك ان معظمهم لا يستحقها، ولا هو أهل لها.. بل ربما لا يفيد منها اطلاقاً!!
فأما هدايا الداخل فهي للمحسوبين، أو ذوي القرابة، أو الصداقة الشخصية.. أو ربما بعض اصحاب المناصب، ومن إليهم!!
وذلك بالطبع لعدم وجود لوائح، أو تحديدات قواعد الاهداء للمستحقين فعلاً، وهم الغالبية العظمى التي ليست في الحسبان.
والأدهى، والأطم ان «الأندية الأدبية» بخاصة لا تهدي كتبها للأدباء في مناطقها.. فضلا عن غيرها!!
ولا أقصد بالطبع ان الأندية لا تهدي أحدا.. بل تهدي، وتهدي، وتهدي، ولكن حسب هوى الرؤساء، وأمزجتهم، وقراباتهم، وصداقاتهم بصرف النظر عن الصفة الأدبية لكل، أو بعض المهدى لهم.
* * *
على سبيل المثال أعرف شخصياً والله العظيم ان أحد كبار أدبائنا، ومشاهيرهم لم تشفع له عضويته في أحد الأندية.. بل لم تشفع له عضوية سابقة في مجلس إدارة النادي نفسه، ولا شفعت له أولوياته الأدبية في منطقته على الأقل.
كل ذلك لم يشفع له قط في اهدائه مجرد «نشرة» عن النادي الذي ينتسب إليه بعدة صفات!! فكيف بغيره؟!
وهذا كله كما أسلفت مجرد مثال ليس إلا، ولكنه يدل دلالة عميقة على ما يجري في الأندية الأدبية، سواء من ناحية اهداء مطبوعاتها، أو من ناحية نوعية العلاقات، أو التواصل!!
ويمكننا القياس على ذلك بالنسبة لجهات رسمية أهم كثيرا من «أكشاك» الأندية الأدبية التي لا جدوى من معظمها ان لم يكن كلها!!
وهذا كله، ونحن جميعا نعلم ان الكتب الصادرة عن الأندية الأدبية، لا تطبع اصلا لغير اعتبارات خاصة جدا، وان كان يصادف أحياناً مجرد مصادفة صدور بعض الكتب نصف الجيدة أما ما عدا المصادفات فكلنا نعرفه حق المعرفة!!
ولابد ان القارئ الكريم قد لاحظ عدم اشارتي إلى مدى الجدّية، أو عدمها في مطبوعات الجهات الأخرى غير الأندية فأقول:
إن الجهات الأخرى لديها الكثير من اللوائح، والقواعد، والأنظمة الشدية الصرامة، والتي لابد من تطبيقها بحذافيرها قبل طبع أي كتاب!!
أما الأندية الأدبية فالبركة كل البركة في الرؤساء فحسب!!
* * *
ولكن دعونا من هذا الاستطراد الذي استوجبته ضرورة استثناء الأندية بخاصة من بين الجهات الرسمية التي ذكرناها، وهي جامعات ضخمة، وجهات عديدة ليس منها الأندية، أو جمعيات الثقافة بشتى فروعها في أدنى شيء فقط!!
النشر المشترك
وما ذكرناه إلى الآن يتعلق بمسألة هدايا هذه الكتب للمهتمين، أو للمختصين، أو كبار المثقفين ولا شك ان هذه الجهات الكبرى التي ذكرناها عدا الأندية الأدبية والجمعيات لا تسمح أنظمتها، أو ضوابطها بجعل مطبوعاتها منشورة على المستوى العام.
وبذلك يفقد رجال الثقافة، وسائر المهتمين أضخم ثروة أدبية، وفكرية، وعلمية متمثلة في عشرات بل ربما مئات الكتب النافعة، المفيدة، الرشيدة.
ولكن هذه الجهات الرسمية لا يكفيها عذرا كونها لا تستطيع، أو ليس من مهمتها اصلا تعميم كتبها وعدم كفاية عذرها هذا.. يأتي من كونها تعلم تماما عن وسيلة شبه عالمية.. تأخذ بها الكثير من الجامعات العالمية، أو ما يماثلها.
تلك هي ما يسمى ب«النشر المشترك» حيث تتفق مثل هذه الجهات مع دور نشر أهلية مؤهلة تماما لطباعة أكبر كميات من كتب تلك الهيئات، وطرحها في الأسواق بكثافة لتكون في متناول الجميع.
ويتم ذلك وفقا لاتفاقات قانونية، تشمل الناحية الأدبية، أو المعنوية.. بل تشمل أيضاً شروط النشر، ونوعيته إلى غير ذلك مما تشترطه مثل هذه الجهات مما يحقق مصلحتها.. ثم يحقق أيضاً رسالتها العلمية على نطاق أوسع، وأنفع!!
ومثل ذلك يوجد عندنا في العالم العربي نفسه، وان كانت نسبة وجوده مازالت دون المفروض، أو المأمول على الأقل!!
* * *
ونحن هنا لدينا العشرات من دور النشر الأهلية من بينها غير قليل من ذوات الإمكانات الضخمة جداً.
بل اعلم بوجود «دار نشر واحدة فحسب» تستطيع ان تطبع بأعلى مواصفات اضعافا مما تطبعه جميع هذه الجهات بكاملها سواء كانت جامعات، أو هيئات رسمية، أو شبه رسمية.
ولا يوجد أدنى سبب، أو مانع لدى هذه الجهات يمكنه ان يحول بينها، وبين وسيلة «النشر المشترك» بل مصلحتها في ذلك من الدرجة الأولى، سواء من الناحية المادية، أو المعنوية بصفة خاصة وهي معنوية متمثلة في أساسيات أهدافها العلمية، وأدناها توسيع نطاق العلم، والمعارف، وشتى أنواع الثقافة.
لا شيء قط حسب يقيني يمنع هذه الهيئات من اتخاذ وسيلة «النشر المشترك» لتعميم الفائدة من مطبوعاتها الراقية.
* * *
وحسب يقيني ايضا هناك نخبة من كبريات دور النشر عندنا تتمنى بل تتلهف على مثل ذلك، وليست على استعداد فحسب!!
وإذن فالمسألة دون شك مسألة غفلة، أو اهمال، أو عدم مبالاة أصلاً من قبل هذه الجهات رغم معرفتها الأكيدة بكون ذلك، أو نحوه يفسح لها مجالا واسعا لتحقيق الرسالة العلمية، أو الثقافية، أو ما إلى ذلك مما هو مناط بأعناقها.
ولابد هنا من الإشارة بالمقابل إلى أصحاب كبريات دور النشر في بلادنا إلى ان من واجبهم المادي، والمعنوي.. ان يسعوا بأنفسهم إلى هذه الجهات، والتفاوض معها حول «النشر المشترك» بدلاً من نشر الكتب التي لا فائدة منها، ولا خير فيها!!
* * *
وأشير هنا بالمناسبة إلى ان الصديق الزميل العزيز الأستاذ «محمد القشعمي» أوسع مني، وممن هو أعلى مني خبرة دقيقة، واسعة الثقافة في هذا المجال بالذات، وفي غيره مما يتعلق بشؤون، وشجون الكتب وما يتصل بتأليفها، وصناعة طبعها، ومتاعب نشرها، وتوزيعها إلى غير ذلك.
فهلا اتحفنا كما هو واجبه بكتابة متوسعة في هذا المجال.. أو في غيره من جوانب عالم الكتب التي يحيط بالكثير منها؟!


ص.ب: 8952 جدة 21492
فاكس: 6208571
alomaeer@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved