الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th September,2003 العدد : 30

الأثنين 3 ,شعبان 1424

من طرائف الترجمة
صالح بن محمد المطيري
كيف لنا أن نتصور منزلة الترجمة في عالم اليوم؟
لقد أضحت الترجمة اليوم جزءا من الوجبة المعلوماتية والاخبارية اليومية التي يتلقاها المشاهد أو المستمع أو القارئ. إذ أن وسائل الاعلام في ظل التبادل المعرفي والثقافي الذي نعيشه تتكئ على الترجمة في نقل وتبادل خبرات الاخرين ومعارفهم وما لديهم من أخبار ومعلومات وبيانات. لذا تشكل المواد المترجمة نسبة كبيرة من بين ما تطرحه وسائل الاعلام من برامج وأخبار. وهي أي الترجمة، شأنها شأن أي مهنة متخصصة أخرى، لها ضوابط ومقاييس واعتبارات لا بد ان يراعيها المترجم اثناء عمله لكي يحظى بقبول المتلقي واستحسانه. ومن اهم الاعتبارات التي ينبغي للمترجم ان يضعها نصب عينيه هي تلك التي تتعلق بنظام اللغة المنقول إليها، وكلمة «نظام اللغة» تشمل أشياء كثيرة ليس هذا محل سردها لكن لعل من ابرزها النحو، وتآلف الكلمات في ذهن المتلقي، بمعنى ألا يأتي المترجم بكلمات تؤدي إلى تنافر معنوي في ذهن المتلقي ابن اللغة المنقول إليها، فلا بد أن تكون التراكيب مقبولة معنويا ومنطقيا حسب نظام اللغة المنقول إليها، ولعل هذه الناحية مما يقع فيها الخطأ كثيرا، ويتولد عنها مخرجات غير مقبولة ليس معنويا فحسب بل ومنطقيا ايضا، وسأضرب لذلك أمثلة قد يجد فيها القراء بعض الطرافة:
حكاية الثقب الذي أعيا المترجمين:
في برنامج مترجم عن الحياة في العروض الشمالية المتجمدة كان المذيع المترجم يتحدث عن البيات الشتوي للدب القطبي، يقول: وعندما يأتي الشتاء يبحث الدب عن (ثقب) لينام فيه خلال هذا الفصل....!! هكذا (ثقب لينام فيه)، ولك أخي القارئ ان تقضي العجب من هذا الثقب الذي يمكنه أن يؤوي دبا بكامله! فالثقب في العربية لا يمكنه أن يتسع لدب، ولا حتى لقط! ولنا ان نتذكر الآية الكريمة {ولايدخلون بجنة حتى يلج بجمل في سم بخاط} يعني ثقب الإبرة، كناية عن الاستحالة.
ونفس الخطأ يتكرر عندما يسأل المذيع الصياد في المنطقة القطبية عن كيفية نومه في رحلات القنص، فاشار الرجل إلى حفرة قريبة فقال المذيع متسائلاً: انت تنام في هذا الثقب؟ وسرى الخطأ ايضا إلى قصة قصيرة قرأتها مترجمة عن تولوستوي نشرت في إحدى المجلات، وذُكر فيها سجين يخطط للهرب فحفر حفرة تحت جدار الزنزانة، يقول المترجم: حفر السجين (ثقبا) ليهرب منه، وهذا بالنسبة للمتلقي العربي تركيب معقد معنويا، لان الثقب في العربية لا يمكن ان يمر من خلاله انسان، حتى لو تحول إلى هلام أو حتى إلى أثير، اللهم الا ان يكون ثقب الأوزون، وهو مترجم على أية حال! المهم أنه كان ينبغي استعاضة هذة الترجمة بكلمة (حفرة، أو جُحر، أو وجار (في حالة نوم الدب مثلا)) بدلا من (ثقب) هذه، لان هذه الكلمات تتآلف معنويا مع الفاعل في تلك الجمل.
الآلة محطمة:
ومثال آخر في فيلم تسجيلي مترجم عن الجرائم، إذ يدخل اللصان إلى محل تجاري كبير يحتوي على (مكينة) صراف نقود تابعة لاحد البنوك، فقال اللصان لصاحب المحل وقد تظاهرا بزي موظفي صيانة جاءا إلى الآلة فوضعاها على عربة وقالا: «إن الآلة (محطمة) وينبغي إصلاحها!»، هكذا، وهذه ترجمة فيها تعقيد معنوي أيضا بالنسبة للمتلقي العربي، لماذا؟ لأن الآلة ما دامت (محطمة) فما الفائدة المرجوة من اصلاحها؟ بل كيف يمكن تصور اصلاحها وصيانتها وهي قد تحولت إلى حطام بناء على نص الجملة؟ هذا مع ملاحظة ان الآلة تبدو للمشاهد من دون اي آثار تحطيمية، إذن فالوجه الصحيح ان تترجم (متعطلة) أو (معطوبة) أو نحو ذلك بدلا من (محطمة) هذه الناتجة عن الترجمة الحرفية.
أخيراً.. الجعل يتحول إلى نحلة
وهذه طبعا ليست بالنكتة، وإنما ما شاهدته في أحد البرامج المترجمة، حيث كان يتكلم عن مجموعة من الحشرات البرية، وجاء دور الجعل ضمنها فقال المترجم: (نحل الفضلات هذا يجمع الفضلات ويكومها ليضع فيها البيض)، فقضيت العجب من هذه الترجمة الشوهاء، إذا كيف للجعل أن يدرج في عداد النحل؟ وشتان ما بين النحل الذي يجمع العسل والجعل الذي يجمع الفضلات! وهل يعقل أن المترجم كان يقرأ الترجمة بعيدا عن المشهد؟ طبعا مستحيل. وأغلب الظن أن العلة كانت في ترجمته السيئة لاسم هذه الحشرة في اللغة الأصلية للبرنامج، أو لاسم الرتبة أو الفصيلة التي تنتمي إليها، أو ربما التبس عليه اسمها باسم النحلة.
أخيرا وليس آخراً:
وهذه هي ثالثة الاثافي، فما تعني هذه العبارة لدى القارئ أو المستمع العربي؟؟ ببساطة لا شيء، نعم لا شي للأسف. لماذا يا ترى، أليست كلمات عربية وحروفاً فصيحة؟ نعم هي كذلك، ولكن التركيب ليس بعربي، والذي ترجمه من اللغات الأجنبية نقله بصورة حرفية بحيث أصبح يردده العربي كالببغاء من دون أن يعني له شيئا. وللتدليل على ذلك أسأل أحدهم أن يشرح لك معناه، ليقول لك إما أنه لا يفهمه، أو أن يقول: الاخير هو الآخر و(ليس) زائدة لا محل لها من الاعراب، وذلك لكي يفلت من التعقيد المعنوي أو المنطقي الذي سيقع فيه بسبب ترادف الكلمتين في العربية، خاصة إذا علمنا أن (الآخر) هي كلمة مقابلة للأول كما في الآية: {هٍوّ الأّوَّلٍ $ّالآخٌرٍ $ّالظَّاهٌرٍ $ّالًبّاطٌنٍ}، والأخير تعني كذلك عكس الأول كما في قول الشاعر:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لكن هذا التركيب الأجنبي يعني في الأصل المنقول عنه: الأخير في الذكر ولكن ليس بالأقل أهمية، فاعلمه يا رعاك الله. لذا يمكن ترجمته بأسلوب يفهمه المتلقي العربي هكذا، أو بأي كلمات أخرى تؤدي المعنى. هذا مع ملاحظة أن هذا التعبير الأجنبي في لغته الاصلية قد بلي من كثرة الاستخدام حتى فقد دلالته.


يتبع

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved