Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
أوراق
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 
أضداد
سارة عبدالله الزنيدي

 

 

(إذا مات رجل من شِدَّة الجوع فهذا لا يرجع إلى شيء سوى أن رجلاً آخر قد مات في اللحظة نفسها من فرط الشبع)

قالها (محمد عفيفي) ذات كلام!

لم تكن الأضداد شيئاً غريباً بل على العكس شيء متدارج اعتدنا عليه منذ خلقنا، ولكن حينما يكون العكس صحيحاً قد نقع هنا في الخطيئة!

دائماً ما نستغرب حدوث الشيء نفسه حتى أحياناً قد نتمتم في أنفسنا (ياه ما أعجب الموقف!)، الفوضى العارمة والخراب المدمر التي تشهدها الشوارع العراقية تجعل المرء يقف حائراً مندهشاً من أمرها، كيف لخراب مثل هذا أن يحل بأرصفة مليئة بالبشر؟! والغريب في الأمر أن هذه الشوارع تشبه الى حد يفقدك التركيز بشوارع السودان، ربما أنت تمشي في شوارع فلسطين أم لعلك زلقت بتشققات شوارع (سوريا)..

أجمل شيء قام به المقاول (الأمريكي) هو أنه وحد الشوارع العربية وجعل خرابها متشابهاً الى حد كبير!!

أصبح الولوج إلى الشوارع العربية يعني شيئين، أما جندي يكتشف طريقة جديدة للموت، أو كاتب أعور لا يدون سوى الخراب وأمنيات الفقراء وهم يبحثون عن رغيف خبز أحمر!

إنه حزن جديد له طريقته المبتكرة التي تنقلنا عبر القنوات العربية بوسيلة إعلام جديدة تمد أسلاكها بقشر الموز حيث الانزلاق أسهل وأكثر أماناً حيث لا راقبة تكنولوجية أجنبية!!!

فتنقلنا هذه الانزلاقة من مقبرة إلى أخرى..

أي مسوغات وأسلحة جعلت المواطن العربي يفقد مصداقية رموزه ورسوماته الأولى حيث كان يعبر عن حالته النفسية بشخابيط جدارية وكلماتٍ عقائدية ويشغل تفكيره بترتيب شعائره الدينية كي تخلد روحه لأمانٍ مزيف بعيد عن أصوات المدافع ورقصات المجنّدين والأنغام التي تصدرها أصوات صرير أحذية المحتلين!!

لم يعد الصراع مع الطبيعة ولا كيفية تسخيرها ولا الاستفادة منها ولا توقع ما سيكون في المستقبل.

إنّ طرح الوحوش وقتل الجاموس وترويض الخيول البرية وإرسال الصقور للمجهول لم تكن سوى حضارات بالية لم يتبقَ منها سوى رقصة (الديك)!!!

أصبح المواطن العربي يكتفي بالتهام حبوب الأسبرين باستمرار ليكافح الصداع ويدخن السجائر ليصاب بالصداع!!

كم يحمل هذا المسكين من أضداد في كيس مشترواته اليومية، بل هذه الأضداد ملتصقة به حتى في مخدة نومه.

لم يكن هذا المواطن مهادناً ولم يكن معارضاً ولم يكن صامتاً ولا متكلماً، ولكنه استقرّ على حالة هذيان مخلوطة بحزنٍ أبديّ.

لقد كتب الماغوط (يتملكني الخوف من التأييد ومن المعارضة، الخوف من الاشتراكية ومن الرأسمالية، من الرفض ومن الاعتدال، من النجاح ومن الفشل، من قدوم الليل ومن قدوم النهار).

أصبحنا جميعنا هذا (الرجل)!

رحل محمد الماغوط عن هذه الحياة غير آسف وبقينا نحن نقرأ جداريات الحياة بتحفظ قاتل!

- عنيزة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة