Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
أوراق
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 

هل يتمرأى النخيل بغير النخيل؟
غادا فؤاد السمان

 

 

لم أكن ضمن دائرة الضوء التي انبثق شعاعه المهذب فيها، ولم أضف إلى كثافة حضوره المرصع بالقصائد والهواجس والاشتغالات، فجأة أجدني هنا واحدة ممن تداهمهم غصة الفراق بشراسة، (علي آل عمر العسيري)، بدون مقدمات كان طائر الفينيق (عادل آل عمر العسيري) يحوم في سماء الحرف باحثا عن نهوضه الجبار لما بعد الفاجعة، فاجعة الرحيل المبكر، والغروب المقدر الذي لابد منه، بثقة لافتة، وبمثالية نادرة وطدها بإخلاصه ووفائه ونبله وبره خاطبني برسالة مقتضبة، موجزة، دالة: (إنه زميل لحرفك وحرفتك باسم الكلمة له عليك لا حجة لك عدم اللقاء، قولي بلا تردد ما ينبغي أن يُقال). هكذا وردتني الرسالة، ليس بحرفية دقيقة، ولكنها تنبئ بكل المعاني المتشابهة، والمُشافهة، والملحاحة، قطعت أنفاسي لاستقبالها، تأملتها بحذر شديد وبلهفة ضارية.

وفشلت في إعلان عدم الاكتراث، لم أتكبد أي عناء لأعرف العسيري عن كثب وجدارة، وحسب أنه الضلع المكتمل من أضلاع الشاعر (خالد الفيصل) والأقرب إلى نبض إبداعه المتواصل، ودربه الطويل.

خالد الفيصل! وتحملني الذاكرة على متن حدث جميل كان يوما في بيروت، واعتصر تفاصيل الذاكرة واعتصم ببقاياها الراسخة، أتراه كان حليف الفيصل في تلك الزيارة التظاهرة في قصر (الأونيسكو) التي عجت بحضور (الخالد) المكتظ.

بحالات لا تحصى؟ أكان شاهدا على جنوحي في استفزاز الضوء؟ أكان أمينا على سجال الروح الذي لا يُمل؟ وأتابع تصفح المشاهد في ذاكرتي، تستوقفني عبارتي في سجل التشريفات لخالد الفيصل: (صاحب المكرمة الإلهية، ليس إلا.. هل حقا يستوي الذين يملكون والذين يبدعون؟ ليتكم تخترقون المعادلة، مع وافر احترامي بعيدا عن البهارج الدنيوية) وإمعانا مني في مزاحمة الضوء وقتها وضعت اسمي سريعا مع رقم الهاتف، لم يطل ليل تلك الليلة حتى باغتني صوت الفيصل الواثق الوادع الرصين كشهاب وهاج، ولم يكن بوحا ذاك الذي تبادلناه الفيصل وأنا بل ربما كان أكثر، ولم يكن زمنا ذاك الذي اختزلناه الفيصل وأنا بل ربما كان أقل، المهم أنه كان الرجل الذي يمكن أن يرتقيه من كان أميرا بقدره، وكان كبيرا بمنتهى التواضع قلّ أن يكونه كبير مثله، وكان إنسانا بكل ما ترتجيه كلمة الإنسانية من إنسان مثله، هكذا أستطيع أن أجزم من هو علي آل عمر العسيري؟ لأنني عرفتُ وإن بإيجاز مركز من جالسه يوما وتآنست وإن بأنس عابر من آنسه بحضوره الممتلئ جمالا وجدوى على الدوام، وهل يتمرأى النخيل بسواه، وهل يدرك قامة النخيل غير النخيل؟ هكذا أفهم أن يحتفي شاعر كخالد الفيصل هذا الكبير بتواضعه وموضوعيته، بقراءته نص للشاعر علي آل عمر العسيري في مهرجان الجنادرية ذات مناسبة، هكذا تدون العرب أصالتها، هكذا تسجل الكلمة والشعرية والمعاني فحواها، وهكذا

يظل الضوء (ضوءاً) لكل الأزمنة ليمحي العتمة من ثناياها وثنايانا الموحشة بالغياب. فهل غاب العسيري حقا، وقصائده تحتل مكانتها الرفيعة في الأذهان، هل غاب العسيري حقاً، و(عامله) البار يحرص كل الحرص على تخليد الذكر والذكرى؟ لعله سيظل الأكثر حضوراً.. لبياض السيرة والسريرة من كثيرين بيننا. عرفنا غيابهم الحقيقي قبل الغياب، لغياب نبلهم في زحمة الفوقية والادعاء.

- بيروت gaidoushka@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة