Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
فضاءات
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 

بعض من عرفت! «5»
عبد الفتاح أبو مدين

 

 

ويتحدث الباعطب عن انتقال الأستاذ الرفاعي من مديرية التعليم إلى المجال العسكري موظفاً مدنياً في شرطة العاصمة، ليعمل في شؤون التحرير، كما كان العواد وضياء وغيرهما.. ويشطح الباعطب في تعبيراته غير المقيدة فيقول في (ص69): (وربما كانت طموحات الشباب في تلك الفترة هي التي قادته إلى ذلك المجال - حتى يجمع بين السيف والقلم)، والكاتب يخمن ثم يكتب بلا كوابح تحد من شطحه غير المقبول، لأنه غير منطقي.. والوظيفة المدنية لا دخل لها في - السيف - وحتى الطالب في المدرسة كما كان العقاد قد كتب في مدرسته الابتدائية في أسوان، تعبيراً في موضوع حدده المعلم في (المقارنة بين الحرب والسلم)، واختار العقاد - الحرب -، وكان يومها الإمام محمد عبده يزور المدرسة، واطلع على كراس العقاد، ثم حاوره في اختياره للحرب، وأجاب العقاد، لأنها محك لشجاعة الرجال ونحو ذلك، وسجل الإمام في كراس الطالب هذه الجملة من فراسته التي تحققت: (ما أجدر هذا أن يكون كاتباً بعُد.. ) وكنت أوثر أن يتئد الباعطب في سرحه التعبيري ليحترمه القارئ، ذلك أن الجموح في الكتابة يقود إلى العثار، والأمثال التي ضربها الكاتب جاءت على أسماء رجال أبطال في عصرهم لأنهم خلقوا لما أتوا به، مثل: عبد الله بن رواحة والحجاج بن يوسف الثقفي وأبو مسلم الخرساني وأبو فراس الحمداني ومحمود سامي البارودي، ونسي الكاتب أن لكل زمان دولة ورجال، وكنت أقدر أن مسيرتي مع ما كتب الباعطب سوف تصل إلى نمط متوازن في الحديث والكتابة، غير أني لم أر مما تتوقت إليه في تعبيراته المنسابة بلا تحفظ يحفظ له تقدير من يقرءوه، حينما يكون منطقياً فالعمل الإداري في إحدى فروع الأمن العام وظيفة مدنية ممارسة وأداء، وليس لها علاقة بالشكل العسكري الذي عماده دراسة تخصصية ذات أهداف محددة وأداء كذلك.. ولو مضيت مع الكاتب إلى النهاية فسوف أغضبه، لأنه يكتب بعاطفته ولا يكتب بوحي عقله، فالكتابة التزام بأعرافها وسبلها ومؤدياتها فإذا خرجت عنها أصبحت عبثاً من العبث الذي لا جدوى منه.، وأقول له من منطق الواقع، إن السيف والقلم قلما يلتقيان في يد واحدة، مع تأكيدي لمكانة صديقي الرفاعي وشخصيته الجادة والقادرة والمتواضعة، وليس في كل ذلك تناقض ولا إنكار، فكلها قدرات يهبها الله لمن يشاء من خلقه.. ولعلي عند هذا الحد، أتوقف مع الجزء الأول من كتابيه، لأقف عابراً مع الجزء الآخر، وليس - الثاني - لأنه تعبير خاطئ، ذلك أنه يعني أن هناك ثالثاً ورابعاً إلخ، ومثل هذا التعبير، كما نقول: ربيع الأول وربيع الآخر، وجمادى الأولى وجمادى الآخرة.

عبدالعزيز الرفاعي

إن الجزء الآخر الذي ألفه الأستاذ أحمد سالم باعطب، كان عنوانه: (أديباً شاعراً وناثراً).. وبتقليب صفحاته، وجدت فيه المراثي التي قيلت في الفقيد شعراً ونثراً لفريق من محبي وأصدقاء الرفاعي، في القسم الأول، ثم حديث أو أحاديث المؤلف بدءاً بعنوان: (عبد العزيز الرفاعي ناثراً)، وهو القسم الثاني، والقسم الثالث: (آثاره الأدبية النثرية)، والقسم الرابع: (عبد العزيز الرفاعي شاعراً).. ولا حاجة بي إلى الوقوف على تلك الأقسام الأربعة التي عنى بها المؤلف في الحديث عن وصف الرفاعي بما عنى به.. وقبل ذلك كلمات الرثاء التي أفضل بها تلك الكوكبة الوفية المحبة.. ولعل الدارسين يعنون إذا شاءوا بتلك الآثار الباقية، وهي خليقة بدارس وفي نابه، ليس له أرب، إلا الدرس المتقن لتلك الآثار المتعددة الجامعة.. وقبل أن أفرغ إلى تلك الوقفات المركزة التي حفل بها العدد الخاص من مجلة - الأدب الإسلامي -، أريد أن أقول كلمة عن شعر الأستاذ الرفاعي الذي كان ينشره في جريدة البلاد السعودية وهو زاخر بذلك التعبير الرقيق العف، غير أن صاحبه في آخر أيامه أخرج منه نبذاً وجدادات وترك الباقي، ولعل مرد ذلك أمران، أولاهما أن صديقه الكاتب الإسلامي الأستاذ أحمد محمد جمال، قد أعرض عن الشعر الذي قاله في صباه بعد توجهه إلى الدرس الإسلامي.. تجاهل ما قال شعراً لأن توجهه اللاحق رأى ألاّ يكون لصاحبه صلة بشعر غزل وما يحفل بعامة. والأستاذ الرفاعي لعله رضي بموقف صفيه، فجنح، يجاريه إلى حد كبير، وإن أبقى على بعض شعره الذي أصدره في أيامه الأخيرة من حياته بعنوان: (ظلال ولا أغصان)، ولعل له فلسفة في هذه التسمية حيث أعرض عن الأغصان وبهائها وورودها اليانعة وبهائها وشذاها، وتفيأ ظلالاً ليست من ذات الأغصان وأوراقها، اخترع ظلالاً مورقة أخرى، لا أقول زهور صناعية وإنما ذهب إلى ظل الظل البعيد عن تلك الأغصان التي كانت في الصبا.. أبقى على القليل من شعره وترك الباقي للتاريخ لأنه لم يمحه أو يدفنه خلاصاً منه، وإنما ترفع عن نشره لقناعة وصل إليها في أخريات أيامه..

وقرأت في العدد الذي احتفى بالفقيد وهو عدد خاص رقمه (54) الصادر بتاريخ جمادى الأولى 1428هـ، نيسان 2007، قرأت كلمة الدكتور عائض الردادي، تحت عنوان: (الأعمال الشعرية الكاملة لعبد العزيز الرفاعي، وسميت - ظلال وأغصان)، وأوجه الشكر والتقدير لأخي الدكتور الردادي على فضله واهتمامه بجمع وترتيب الديوان كاملاً.. وهو كل ما قاله الرفاعي ما نشر منه وما لم ينشر.. ولعلي أتوجه برجاء إلى معالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني، وهو الذي أبدى اهتماماً مشكوراً للنهوض بالأندية الأدبية في البلاد لتكون منارات معرفية لا تضيء مساحات الكيان الكبير وحده، وإنما تمتد إشعاعاتها إلى الوطن العربي، بل ما بعده ووراءه.. وأذكر أنني قلت لمعاليه خلال أيامي الأخيرة في النادي، إن لهذه الكيانات احتياجاتها من الدعم المالي المجزي والصلاحيات ثم حاسبونا إذا قصرنا، ومازال هذا رأيي وسيظل -بإذن الله-، وأؤكد أن التقصير في الإنفاق على المعرفة لن يكون لها عائد وقيمة ونهوض؛ ولا أجد أي تفسير منطقي بالشح في الإنفاق على ما يرقى بالأمة والوطن ونرى ونسمع ونقرأ وندرك، أن في أي أمة على الأرض لا تكون إلا عبر المعارف، ولا تتحقق المعارف إلا بالإنفاق السخي، ثم محاسبة القائمين عليها في تلك الإطارات من خلال الاختيار المحقق، بعيداً عن العشوائية والاختيارات الخاطئة في كيان راق؛ وهذه الكيانات تتطلب الأديب الحق والمثقف العامل الجاد المخلص المهموم بالحراك الثقافي الذي يجري في دمه؛ وذا الحس الفاعل فيما يشارك فيه.. لا يكشف عواره، لأنه واجهة مضيئة، فإذا خفت ضوؤها يكشف ما فيها وما وراءها ومعها.

وأشرع في الوقوف على ما جمع واشتمل عليه العدد الخاص من إصدار - الأدب الإسلامي - الخاص بعبد العزيز الرفاعي، مجدداً الشكر والعرفان لإدارة وتحرير هذا الإصدار، بهذه اللفتة الغالية نحو أديب جدير بالاحتفال والتقدير حياً وميتاً، رحمه الله.

عبدالعزيز الرفاعي

هذا هو العنوان الذي وُضع على غلاف مجلة الأدب الإسلامي، في عددها الذي خصصته للفقيد الفاضل - عبد العزيز بن أحمد الرفاعي - رحمه الله.. وقد جاء في الافتتاحية التي كتبها نائب رئيس تحريرها قوله: (لقد كان الأستاذ الرفاعي صوتاً مميزاً يسمعه السامع فيعرف فيه نغماً يحبه، ويرتاح إليه من الصدق والنفس الرضية التي هي أبداً سمة الكبار في كل زمان ومكان، وكان له أثره الثقافي من خلال كتبه المتعددة التي سلط هذا العدد الضوء على أهمها وأبرزها، ومن خلال مقالاته التي زادت على مائة وخمسين مقالاً في مختلف مناحي الحياة الأدبية والاجتماعية.. أما في المجال الإنساني فهو الأديب الإنسان الذي أحبه كل من عرفه، وعرف بكسب الجميع بسعة صدره وحلمه وبالغ لطفه حتى جعل منزله مثابة للأدباء الذين يفدون على الرياض.. لقد مضى الأستاذ عبد العزيز الرفاعي إلى ربه تاركاً عبقاً زكياً من الذكر الحسن (والذكر للإنسان عمر ثان)، ومن ثناء كل من شاهده وعايشه (أنتم شهداء الله في الأرض).. وتحت عنوان (حياة الرفاعي) نقرأ أنه دخل مدرسة الصفا التحضيرية بمكة المكرمة وعمره عشر سنوات، ثم انتقل إلى المدرسة العزيزية، وكان والده يرغب أن يكون طبيباً، غير أن الظروف العائلية أكرهته على اختصار مراحل الدراسة، فدخل المعهد العلمي بمكة عام1348هـ، ثم اتجه إلى الدراسة الأدبية والتراثية، وتخرج في عام 1361هـ، ثم شرع يثقف نفسه عبر المطالعة بمجهوده الشخصي، ومن خلال حضور حلقات الدروس المختلفة في الحرم المكي الشريف، وتعرف في مكة على الأخوين العزيزين صالح وأحمد محمد جمال، اللذين كوّنا فيما بعد مكتبة الثقافة في مكة المكرمة.

وكتب الدكتور عبد القدوس أبو صالح، تحت عنوان: (عبد العزيز الرفاعي كما عرفته)، فأثنى على نبل وأخلاق الرفاعي -رحمه الله- بعد أن أشار إلى تعرفه عليه، وقد وصفه بالأديب العصامي وندوته الخميسية، وأنا أردد مع أولئك الذين أفضلوا فتحدثوا عن أخلاق الرفاعي قول القائل: (نفس عصام اسودّت عصاماً).. وقال الدكتور أبو صالح: (ومن ذلك أنه يقبل على الجليس من جلسائه بكل مشاعره، حتى يظن كل منهم أنه وحده الأثير والمفضل لديه على أصحابه جميعاً).. وقال الدكتور عبد القدوس: (ومن ذلك أني غضبت أشد الغضب عندما تعرّض أحد الأصدقاء الفضلاء إلى أحد كتبي، وكان قاسياً في نقده، بعيداً عن الموضوعية في كثير من مآخذه، ولما علم الرفاعي بعزمي على الرد، انتحى بي في جانب من ندوته بعد انصراف الجميع ليقول لي: (علمت بعزمك على الرد على من تعرض لك، ولكني أرجوك أن تترفع عن الصغائر).. (وتشهد الحادثة التالية المشهورة على أن الأستاذ الرفاعي لم ينصحنِ إلا بما يؤمن به، ولم يحب لي إلا ما يحب لنفسه، ويذكر في تاريخ هذا الرجل العظيم حقاً، ذلك أن موقفه ذاك لا يسع أن يقفه إلا أمثال الرفاعي، ممن آتاهم الله خصلة الترفع والتعفف والقدرة على ضبط النفس). يتبع

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة