Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
فضاءات
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 
يسألونك عن الأندية الأدبية
سهام القحطاني

 

 

هل انتهى زمن الأندية الأدبية؟

هل حان الوقت لتفكيك الأندية الأدبية والبحث عن بدائل؟

ما مدى قدرة وإمكانية الأندية الأدبية لمواكبة عصر العولمة؟

هل نستطيع أن نعلن بضمير موضوعي أن الأندية الأدبية لدينا فاشلة؟

ولماذا فشلت في تحقيق قيمتي الإضافة والتغيير؟

أسئلة تنبع من أزمة خطابنا الثقافي في كليته قبل أي شيء والتنبّه إلى هكذا أمر أحسبه أنه مهم للغاية لأنه يضبط لنا مركز الأشكلة، وإن كان لا يرفع تهمة القصور عن الأندية الأدبية، كما أنها أسئلة قد تقود للاصطدام مع أحلام وطموحات وسلطة البعض، نعم قد يبدو هذا تعريفاً أولياً للأندية الأدبية مجرد (سلطة وأحلام وطموحات) تُوهم بالحركة مع ذلك الضجيج مع أن كل شيء غارق في سكون عميق، إنه طواف حول حجر راسخ لا يحقق قيمة الأثر، لغياب الإنجاز وحاصله، لأن قيمة الشيء تتحقق من خلال أثره، الأثر النابع من الإضافة والتغيير، وبذا نتجاوز الشكل لمصلحة الفعل كونه الاعتراف الرسمي بنظام التغير والتغيير.

لكن ما يحدث هو عكس ذلك وبذا تصبح الأندية الأدبية تكراراً لأخطاء خطابنا الثقافي، بل تكريس لتلك الأخطاء وشرعنّتها ثقافياً،كونها تتمة للخطاب الثقافي الرسمي، والمفترض أن تكون غير ذلك، والغيرية هنا لا تشترط فعل معارضة ومصادمة الخطاب الثقافي الرسمي في أصوله وحيثياته، كما أنها ليست مخولة لتبني الفكر الثوري، لكن المطلوب منها تبني رؤية ثقافية مستقلة عن الخطاب الثقافي الرسمي تحقق من خلالها التوازن الفكري بين نسب التيارات الثقافية المختلفة، ووجود رؤية ثقافية مستقلة تتبناها الأندية الأدبية بعيداً عن أثر الخطاب الثقافي الرسمي، لا يعني خطاباً مقابل خطاب، أو خطاباً ضد خطاب كما قد يظن البعض، لأن تعدد الخطابات يحول المشهد الثقافي إلى (تجارة شنطة ثقافية) تُديرها الأندية الأدبية،كما أنها تفكك وحدة المجتمع، في حين أن تعدد الرؤى المستقلة في الخطاب الواحد تؤدي إلى صراع ثقافي مُثري غير مؤذي في جملته، إذا التزمنا بشروطه وأدبياته.

فالصراع الثقافي الناتج عن تعدد الرؤى الثقافية المستقلة بلا شك هو مرجع إغنائي يسير في خطية أفقية مُلغي أي احتمال لأي سقف، وهو ما يوهم البعض بوجود خطاب مختلف عن الخطاب الرسمي، لكن التجرد من حاجز السقف كإحدى خصائص الرؤية الثقافية المستقلة لا ينفي وجود معايير المنطق والاستقراء وأدبيات الاختلاف من حوار واحترام للرأي الآخر وتوفر روح الخطاب الرسمي، فالصراع مخلوق فكري في نشأته يقودك إلى ما هو صحيح وفق اعتبارات النسبة العليا.

ومتى ما توهمنا أن الرؤية الثقافية المستقلة هي خطاب مستقل عن الخطاب الرسمي اشتعلت الحروب حيناً باسم الدين وحيناً باسم الثقافة لأن المسألة تتحول إلى دفاع وهزيمة أو انتصار، ودخول حسابات الربح والخسارة إلى الفكر الثقافي يحول المشهد الثقافي إلى (تجارة) بما فيها الأندية الأدبية باعتبارها حتى الآن تمثل رسمياً المشهد الثقافي لدينا، وهو ما يلغي مصداقية الأندية الأدبية كوسيط لتبني الرؤى الثقافية المختلفة والتحرك من خلالها، وهو ما لا يحدث، (فسياسة ثقافة القطب الواحد) التي تسير على نهجه الأندية الأدبية ما عدا نادي جدة الثقافي الأدبي - مع أني لست عضواً في النادي - ومن يطلع على سياسة وبرامج النادي وطبيعة الأعمال الأدبية التي تناقش من خلالها سيصل إلى ذات النتيجة، ولعل الذي ساعد نادي جدة الأدبي على التخلص من سياسة ثقافة القطب الواحد بالإضافة إلى البرامج، أن أعضاء مجلس إدارته من تيارات فكرية مختلفة وهو ما ساعد التنوع الفكري للبرامج، والسبب الآخر أنه يمتلك مشروعاً ثقافياً، وليس اشكالاً ثقافية.

أقول إن سياسة ثقافة القطب الواحد التي تسير على نهجه الأندية الأدبية هي التي تدفعها إلى الإقصاء وتطبيق ديكتاتورية سلطة الخطاب الرسمي، وحدوث هذا غير مستغرب قديماً أو حديثاً، فهو أمر ناتج عن سيطرة وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في الخطاب الثقافي الرسمي، وهذه إحدى إشكاليات الأندية الأدبية أنها تنظر بعين غيرها وتسمع بأذنه وتتكلم بلسانه وهو ما يُفقد استقلالية الأندية الأدبية كوسيط ثقافي، ولن تستطيع الأندية الأدبية من تكوين رؤاها المستقلة إلا إذ تخلصت من سيطرة وزارة الثقافة والإعلام التي تفرض عليها سياسة ثقافة القطب الواحد.

وهكذا أمر ليس باليسير لسببين، أولهما أن الوزارة هي التي تتكفل بميزانية الأندية الأدبية لتضمن السيطرة على حركتها، والأمر الثاني أن رؤساء الأندية الأدبية هم من اختيار الوزارة وهم ينتمون إلى التيار المدلل عند وزارة الثقافة والإعلام، أقصد تيار (المحافظين الجدد) بدلاً من (المحافظين القدامى) الرؤساء السابقين للأندية الأدبية، وهكذا نرى أن خيوط اللعبة كلّها ما تزال وستظل في يدّ الوزارة، لتتحكم في حركة واتجاه الخطاب الثقافي ومحاصرة الرؤى ا لثقافية المستقلة.

إن سياسة تعيين رؤساء الأندية من قبل وزارة الثقافة والإعلام، كبرى مشكلات الأندية الأدبية، لسببين، أولهما: أنها فرضت على الأندية تياراً فكرياً معيناً، وهو يعني إقصاء لبقية التيارات، إضافة إلى التمييز الذي مارسته ضد المرأة بحرمانها رسمياً من المشاركة في صناعة القرار الثقافي يعني إقصاء آخر، ومن يتشدّق بالقول ان الأندية الأدبية أبوابها مفتوحة للجميع رجالاً ونساءً ومن مختلف التيارات،كلام فارغ مملوء بكلام فارغ، لأن الإقصاء هو تجريد الآخر من (سلطة) صناعة القرار الثقافي وليس التعايش معه والاستسلام له، والإقصاء مصادرة للرؤية الثقافية المستقلة، كما أنه تدعيم للفئوية والرأسمالية الفكرية التي يسيطر عليها تيار المحافظين الجدد، يعني تكريس لمنهج السلطة في المجتمع، وبذلك تفقد الأندية رسالتها الثقافية التي تكفل حرية الرأي والتعبير للجميع.

والسبب الثاني هو أنك عندما تنشغل بالإطار لا تستطيع اكتشاف عيوب المتن، وبما أنك تهتم أكثر بالإطار فلن تضرك عيوب المتن، وهذا ما حدث مع رؤساء الأندية الأدبية ليصبحوا من معوقات فعل الإنجاز المعتمد على تجديد الرؤى وليس تغير أزيائها، وهو ما يحدث الخلط وأحياناً الوهم بأننا نسير في طريق التجديد والحقيقة أنه ذات الطريق بعد رصفه بالشجر! فتغير الزيّ لا يتبع تغير الرؤية،كما أن استبدال المحافظين القدامى بتعين المحافظين الجدد من رؤساء الأندية تتبع ذات القاعدة (الطريق القديم المرصوف بالشجر)، والتي تؤكد على مبدأ أن تغير الزي لا يحقق لك تجديد الرؤية، ذلك التجديد الذي تفاءل به الجميع بما فيهم رؤساء الأندية، وأصبحنا وأمسينا نقرأ عن مرحلة جديدة تستعد لها الأندية الأدبية، ونعد أيام الإخصاب والحمل والولادة، وكأن التجديد فكرة تقاطعنا بينها، فهناك من كان يظن أنها ولادة أخرى للأندية مع أن ذلك لا يتفق مع السلم الطبيعي للاحياء ولا مجال لنبوءة أو معجزة، وهناك من ظن أنه تطوير لمنهج الأندية وطرائقها، وهناك من أسرف في التفاؤل ومعظم هذه الفئة من النساء، بأن الأندية ستصبح مراكز لتنوير والإصلاح ستعوضنا عن سنوات القمع الثقافي.

لكن الأمور أحسبها سارت مختلفة عن أمنياتنا لنكتشف أنه الطريق القديم، لكن الباب اختلف لونه والأرصفة شُجرت، وهذه السطحية لفكرة تجديد الأندية الأدبية تعود إلى فقدان رؤسائها فكر صناعة المشروع الثقافي الذي تُُجدد من خلاله البنية الفكرية للنادي، ويخلط رؤساء الأندية بين الأفكار والمشاريع الثقافية ظناً أنهما يتساويان، والأمر غير ذلك، فالمشروع الثقافي رؤية وليست فكرة، المشروع الثقافي هيّكلة وليس شكلاً يحتاج إلى تخطيط بعيد المدى له أهداف وغايات تسير في خطية توافقية مع احتياجات وعي المجتمع ولذلك لا بد أن يرتبط المشروع الثقافي الصادر عن النادي بمتطلبات وعي الجمهور حتى يستطيع أن يحقق رسالته كوسيط ثقافي بين فئات المجتمع وحتى يخفف من نخبويته،كما يحتاج ذلك المشروع إلى خبرة تربوية ونفسية لضمان شعبيته كما يحتاج إلى إمكانات متعددة، لكننا نرى صادر الأندية الأدبية عشوائياً وتحصيل حاصل وهو ما يفسر لنا استنساخ وتكرار البرامج، وكأن عقول رؤساء الأندية توقفت قبل أن تبدأ، وهو ناتج طبعي، لغياب صناعة المشروع الثقافي الصادر عن النادي الذي يحتاج إلى مؤهلات فكرية يتمتع بها رئيس النادي، ولو استعرضنا السير الذاتية لرؤساء الأندية الأدبية لوجدنا أنها لا تتضمن أي مشروع ثقافي خاص لصاحبها، فكيف سيكون مؤهلاً فكرياً وتخطيطياً وتنفيذياً لصناعة مشروع ثقافي من خلال النادي الأدبي، واستثني من ذلك الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس نادي جدة الثقافي الأدبي، والدكتور سعد البازعي رئيس نادي الرياض الثقافي الأدبي، فلكليهما مشروعه الثقافي الخاص، ولعل أحدهما يتفوق على الآخر من حيث خبرة الممارسة، وهما بذلك يحملان فكر صناعة المشروع الثقافي وهو أمر يساعد النادي على التمييز في تقديم رسالته الثقافية، بشرطين أولهما إذا تخلصا من سيطرة الخطاب الثقافي الرسمي، والثاني توفر طاقم عمل مؤهل، أو على استعداد لصناعة مشروع ثقافي، أي أن الانفرادية لا تصنع مشروعاً ثقافياً،كما أن الديكتاتورية لا تساعد في تطور الخطاب الثقافي.

-جدة seham_h_a@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة