Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
فضاءات
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 
قصاصات من ذاكرة حصة «10»
(الوظيفة )
أميرة القحطاني

 

 

تقول صديقتي حصة:

آلمتني كلمات احمد شعرت بأنه يتهمني بشيء ما لم يجرئ على قوله .. أيعقل هذا ؟! كيف استطاع رميي بتلك الكلمات التي جاءت كالرصاص الذي اخترق كرامتي( بلا رحمة ولا هوادة . هل أنا فاسدة ؟ هل أنا ظالمة ؟ هل أصبحت أنا فعلا كالمديرين الفاسدين الذين يتحدث عنهم الناس ؟ لالا لا يعقل فأنا لا اسرق ولا ارتشي و..... لكنني اظلم الموظفين والظلم أكثر فتكا من السرقة أو الرشوة ! وهل ظلمت أنا أحدا ؟ أنا أطبق القانون على من يخالف هذا القانون ربما كنت قاسية بعض الشيء لكن هذا لا يعني بأنني ظالمة أو لا احمل ضميرا أنا أتألم كثيرا عندما أتسبب في نقل أو فصل أو معاقبة موظف أو...... اعلم أنني توظفت بطريقة خاطئه لكنني كنت مضطرة لذلك فمن ذا الذي سيجد وظيفة بدون واسطة ؟ نعم ربما يجدها لكن متى ؟ بعد خمس سنوات ؟ عشر سنوات ؟ خمسة عشر سنة ؟ لا لن انتظر كل هذا الوقت ولست أنا من خلق تلك الواسطات أو ابتكرها هم المديرون من شرعوها وهم من طبقوها. كما ان اختياري لرئاسة قسم التوظيف جاءت من المدير لم اطلبها أنا و.....

لم انم تلك الليلة ولم أكن انوي النوم كنت أعيش صراعا مع نفسي كنت أحاول تبرير تصرفاتي في الدائرة دون جدوى كنت أحاول معرفة تحولي من إنسانه مسالمة مطيعة تعيش بهدوء وسط عائلتها المحافظة إلى إنسانه متسلطة تحمل بيدها كرباجا اسودا لا تتردد في استخدامه وصدقوني كثيرا ما تساءلت عن سبب هذا التحول لكن وللأسف لم أكن أجد له جوابا منطقيا .. فهناك يوجد الحسد وتوجد النميمة وهناك تنبت الرغبة في النمو على حساب الآخرين وهناك يصبح الإنسان كالشجرة الشوكية التي تتسلق الكراسي وتغرس أشواكها في كل من يعترض طريقها زملاء كانوا أم أصدقاء جو العمل جوا ملوثا يلوث كل من يتنفسه لا احد هناك طيب أو كريم أو متسامح كلنا في هذا الجو تماسيح وأفاعي واسماك قرش تثيرها الدماء كلنا عدائيين كلنا بلا استثناء ! .

- صباح الخير احمد

- يبدو عليك الغضب

- إلى ماذا كنت ترمي في آخر جملة قلتها لي أمس ؟

- وماذا فهمتي منها ؟

- الذي قصدته

- لم أقصد إلا الخير

- هل تشكك في ......

- معاذ الله كنت أقول لك بان الناس سوف تتحدث بما لا يرضيك ولا يرضي مديرك وبما إننا نعيش في مجتمع متخلف ستحملين أنت وحدك وزر هذه المحاباة

- لم افهم

- الموظفين والموظفات في الدائرة كلهم يتحدثون عن سبب محاباة مدير لموظفة جديدة وهو المدير الذي عرف عنة الحزم القسوة مع جميع الموظفين نساء كانوا أم رجال .

- إذا أنت تتهمني

- أنا انقل إليك ما يقال وأنصحك بتغيير الإدارة لاحظي ان القيل والقال ينتقل إلى خارج الدائرة أحيانا والبلد صغيره فكرى في الذي سيحدث في حال وصلت هذه الأقاويل إلى عائلتك.

أشعل احمد في داخلي فتيل الخوف: ماذا لو وصلت الشائعات إلى ...... ؟ هل سيصدقون بان كل هذه المحاباة دون ثمن ؟! لماذا لم يخطر لي هذا على بال ؟ كيف غاب عني ان الناس ربما ستتهمني في شرفي ؟ وكيف غاب عني ان الشائعات تسري سريان النار في الهشيم خصوصا إذا كانت تتعلق بالشرف و...

- الناس تتحدث يا أبا محمد وأنا خائفة على سمعتي وأتمنى منك مساعدتي في حل هذه المشكلة

- الإنسان الذي يثق بنفسه لا يخاف

- الموضوع ليس موضوع ثقة الموضوع موضوع سمعة

- من أين سمعتي هذه الشوشرة

وبحسن نية قلت له بان احمد اخبرني ذلك ونصحني بالانتقال إلى إدارة أخرى حفاظا على سمعتي و....... ولم أتخيل للحظة بأنني سوف أتسبب لأحمد بكارثة وظيفية كما لم أتخيل بان هذه الحادثة سوف تقودني إلى طريق مختلف والى مكان مختلف .

هكذا بكل بساطة تم نقل احمد إلى منطقة نائية بحجة التوسع في العمل . الكل تعامل مع هذا النقل على أنة أمر طبيعي يحدث بين فترة وأخرى لعدد من الموظفين حتى احمد لم يشك في الأمر أنا وحدي من كان يعرف سبب هذا النقل التعسفي ووحدي من قرر التحرك في الاتجاه المعاكس لمديري والوقوف في وجه الفساد الإداري بكل أشكاله . صحيح ان أمر توظيفي بواسطة ظل يضايقني ويشعرني بأنني لست أهلا لتنظيف هذه الدائرة إلا إنني حملت هذا اللواء وبدأت إعلان الحرب على الفاسدين ولكن دون ضجة وقد كان سلاحي الوحيد هو (الشيخ) ولم يكن أمر الوصول إلية يشغل بالي بل شغله ( ماذا سأحمل إليه ) ؟! .

بدأت من هنا بعمل أرشيف خاص لمخالفات المديرين احتفظت به في المنزل كما عمدت إلى خلق صداقات مع السكرتيرات للوصول إلى ما خفيّ عن مدرائهن وقد نجحت في هذا إلى حد كبير . وقد ساعدتني ترقية المدير العام ونقله إلى دائرة أخرى على التحرر من عقدة الذنب خصوصا وان مدير الدائرة الجديد كان أكثر فسادا من سابقه . أحس مديري بأن هناك أمرا ما يحدث حاول معرفته وبشتى الطرق لكنة فشل وقد ظلت علاقتي به كما كانت على الأقل ظاهريا صحيح إنني كنت أتربص به لكنني لم أكن لأسيء له فهو على كل حال كان صاحب جميل.

أخذ مني جمع الأدلة والإثباتات أكثر من سنتين كنت أعمل بشكل متواصل لم أفكر في الإجازة خلال هذه المرحلة وضعت كل طاقتي في هذه القضية وعندما اكتملت أوراقي كتبت هذه الرسالة ووجهتها إلى حاكم المدينة:

صاحب السمو ..

من منطلق حرص سموكم على هذه البلد ومستقبلها المهني واهتمام سموكم بالموارد البشرية وتنميتها ومحاربتكم للفساد الإداري الذي اخذ يستشري في الدوائر الحكومية وخصوصا دائرتنا وجدت وبدافع وطني إطلاع سموكم على الآتي:

يبلغ عدد موظفي هذه الدائرة ما يقارب العشرة ألاف موظف تتم إدارتهم من قبل مديرين فاسدين يسّيرون هذه الدائرة ومواردها المادية والبشرية على حسب مصالحهم الشخصية وبالرغم من تردي رواتب الموظفين نجد ان بعض المدراء قد تصل رواتبهم مع العلاوات إلى ال ( 150 ) ألف درهم وأكثر حيث يتم التحايل على زيادة العلاوات من خلال التلاعب مع مدير الموارد البشرية في إضافة زيادات غير قانونية تتحول مع الوقت إلى الراتب الأساسي مثل علاوات المواصلات وطبيعة العمل والأبناء والسفر وغيرة وغيرة كما ان الفساد الأخلاقي قد بلغ ذروته لدينا فكل مدير فاسد لدية سكرتيرة أو موظفة فاسدة ( أخلاقيا ) تتحول وخلال فترة زمنية وجيزة إلى مديره ولك يا صاحب السمو ان تتصور كيف لامرأة ساقطة لم تتمكن من الحفاظ على شرفها ان تحافظ على مصالح هذه المدينة وعلى مصالح الناس.

إلى جانب الاختلاسات التي تصل إلى ملايين الدراهم من خلال استقدام خبراء أجانب فاشلين ومنحهم امتيازات لا تمنح لوزراء والعمل معهم على نهب الدوائر الحكومية ثم وبعد ان تنتهي احتفالية النهب يخرجون إلينا بقرار إنهاء عقد الخبير بسبب فشل المشروع وبعد فترة يستقدمون غيره ويبدؤون بعملية النهب وهكذا. أيضا هناك قبول الرشاي المبطنة بمسى ( الإكراميات ) وهذه أيضا تصل إلى الملايين وأحيانا تكون تسهيلات تجارية بميزانيات ضخمة . وهناك التلاعب في عمليات التوظيف فكل مدير لدية قروب يقوم بوظيفة بغض النظر عن المؤهلات وعن الأقدمية وعن التوطين وغالبا ما يكون هذا القروب مليء بفتيات جميلات مواطنات ووافدات وبعض الأقرباء أو الأصدقاء من الرجال. وأود التنويه إلى نقطة مهمة جداً وهي عدم محاكمة المدير الفاسد عندما تثبت عليه تهمة ما من خلال وظيفته سواء كانت اختلاس أو رشوة أو قضية أخلاقية حيث يتم نقلة إلى إدارة أخرى وكأن هذا النقل هو العقاب الرادع لهذا المدير واسمح لي يا صاحب السمو بان اختم رسالتي هذه بمشكلة يعاني منها الموظف الصغير والموظف الضعيف وهي ( سرقة المشاريع التطويرية ) فكما هو معروف لسموكم بان تقديم المشاريع التطويرية الناجحة من قبل الموظفين بمستوياتهم تؤدي إلى ترقيتهم وتحسين وضعهم الوظيفي بل تجعلهم من القيادات الشابة في دوائرهم ومؤسساتهم التي يعملون بها والمشكلة هنا ان هذه المشاريع الناجحة لابد ان تمر أولا على المدير المباشر للموظف لتمريرها إلى الإدارة العليا لكن وللأسف هذا المدير ودون خجل يقوم برفع هذه المشاريع باسمة ويحصل هو على التكريم والترفيع وتتوالى سرقات المشاريع إلى ان يصبح مديرا تنفيذيا قياديا . المشكلة الأخرى التي تنطوي تحت هذا البند هي مشكلة الموظف الوافد سواء كان عربيا أم آسيويا حيث يقوم بتقديم الأفكار التطويرية والعمل عليها لتسجل في النهاية باسم مدير الإدارة البليد الغبي حين ينسبها إلى نفسه فيكبر هو رغم عدم أهليته ويظل الموظف الذكي المعطاء قابعا ( تحت ) . وقد أرفقت لسموكم مع هذه الرسالة ملفات تثبت كل ما ذكر أعلاه متمنية من سموكم الكريم القضاء على هذه الآفة السامة ( آفة الفساد الإداري ) .

حفظكم الله وأدامكم ذخرا لهذه المدينة .

المرفق: ثلاثة آلاف ورقة تتعلق بالفساد الإداري تحمل تواقيع المديرين وأختام الدائرة .

حصه حمد آل ياس ..يتبع

- دبي amerahj@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة