Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
فضاءات
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 

صدى الإبداع
الرواية وتحولات المجتمع في المملكة (3)
د. سلطان سعد القحطاني

 

 

تعتبر رواية التوأمان، التي أشرنا إليها أول رواية تظهر في المملكة، ليست من حيث القيمة الفنية، لكن من حيث القيمة التاريخية، وإن اختلف معنا بعض الباحثين، من حيث مسمى المملكة، واعتبروا رواية (الانتقام الطبعي) لمؤلفها محمد نور جوهرجي، هي الرواية الأولى التي يمكن أن يؤرخ للرواية بها في المملكة(6)، وبصرف النظر عن فنية الروايتين من عدمها،أوافق الدكتور عبد العزيز السبيل على أن (رواية الانتقام الطبيعي!!، أو الطبعي) أكثر نضجاً، لكن أختلف معه في أن الاثنتين لا تمثلان رواية بالمعنى المتعارف عليه في عالم الفن الروائي، لكن يشفع لكل منهما أنه بداية، لكن لا ننسى أن الفضل للمتقدم، فقد سبقت رواية التوأمان، الانتقام الطبيعي بخمس سنوات، إذن نحن نؤرخ للبدايات، وليس للفن؛وعندما نصل إلى عام1947، تظهر رواية بعنوان(فكرة) لأحمد السباعي، لا تختلف عن الأولى من الناحية الوعظية، فعندما يرى الأنصاري، في روايته السابقة أن التوأم رشيد قد أفاد أمته، لأنه درس العلوم العربية والدينية، وأن أخاه فريد قد خسر أمته وخسرته لأنه درس في المعاهد الأجنبية،فإنه يضع فكرة مسبقة الصنع في ذهنه، وهذا الجانب من الرواية يسمى(الرواية النقلية) وهي أقرب أن تكون إلى الإخبارية، فالحدث سابق على البناء، أي(رواية ما قبل الحدث) لذلك ليس فيها فنية، ومثله السباعي يضع تصوراته نحو العروبة والتمسك بها، ولن يجدها هذا إلا عند البادية، ويدعو إلى لم شمل الأمة الإسلامية في اللغة والعلم، وفي النهاية سيجتمعون في موسم الحج الأكبر، فهو مؤتمر عظيم للأمة العربية الإسلامية(7)، وبعد ذلك بأقل من عام يصدر محمد علي مغربي روايته(البعث)، تناقش أحوال المسلمين، وتخلفهم عن الآخرين، ويلمح إلى الكثير من الأسباب والدواعي التي جعلتهم يصلون إلى هذا المستوى المتردي، في الطب والعلم، وحتى خدمة أنفسهم؛ وعلى أي حال، هذه المرحلة مرحلة وعظ وإرشاد تتطلبها المرحلة،وليست مجال فن يعنى به، وليس كتابها بأصحاب مواهب فنية عالية، أنهم علماء في الغالب، ومفكرون، وجدوا العالم العربي من حولهم(مصر والشام) في تقدم، فأرادوا لبلادهم أن تكون مثله؛ وعلى أي حال هذه مرحلة يجب أن تسجل ويعترف بها، ولكل مرحلة بدايات، وهذه مهدت الطريق أمام الكتاب والباحثين لإبداء الرأي وتطوير هذا الفن العالمي، أما ما صدر حولها من نقد جائر فليس هذا مجاله، وقد أشرت إلى شيء منه فيما سبق، فلم يراع أحد الظروف التاريخية ولا الاجتماعية، وقد قاسوها على الفن الراقي في بلاد قطعت مسافات بعيدة في هذه التجربة، وكانت بداياتهم بهذه الطريقة.

لم يكرر كتاب المرحلة الأولى تجربتهم مع القصة، أو ما كانوا يسمونه رواية، مهما طالت أو قصرت، أو توفرت فيها شروط الرواية أو لم تتوفر، ومن الصعب جداً أن نحكم نقدياً على إنتاج واحد، أو تجربة واحدة، ففي ذلك الوقت كل نص يسمى رواية، وقد عاود الأنصاري السرد بقصة- تعتبر قصيرة إلى حد ما- لكن النقد سماها رواية وهي لم تتعد العمود الواحد في جريدة صوت الحجاز؛ ولعل نشاط النقد في هذا العقد نشاطاً يعتبر الأول من نوعه في المملكة، وظهور أسماء نقدية جادة تصدت للنثر والشعر،كانت سبباً في تراجع هؤلاء الكتاب عن مشاريعهم السردية وتقييد حرياتهم الفكرية،إضافة إلى نضج تجربة الكتاب العرب في المهجر والبلاد المجاورة، وانصراف الأدباء والنقاد إلى أعمالهم ومقارنتها بإنتاج الكاتب السعودي في ذلك الوقت، كما اشتدت المعارك القلمية بين النقاد والكتاب،واهتمت الصحف الأدبية بالنقد، وكان من بين النقاد المميزين المحتذين بنقاد المدارس العربية المصرية عد د لا بأس به، مثل: إبراهيم هاشم فلالي(9)، وحسين سرحان، وعبد الكريم الجهيمان، وعبد العزيز القويفلي، وصالح أحمد العثيمين، وأحمد محمد جمال، وعبد الرحمن الخضيري، وعبد الله عريف، وأحمد عبد الغفور عطار، ومحمد حسن عواد، والأخير اهتم برواية الأنصاري وقصته القصيرة(مرهم التناسي) وأسرف في نقدها، مما جعله يتعدى نقد العمل إلى شخص الكاتب، كما اشتد النقاش بين أحمد السباعي وأحمد عبد الغفور عطار، مما جعل الوسط الأدبي يتدخل لإيقاف العطار عن تجاوزاته، لكنه لم يسكت- كعادته-، بل ذهب إلى القاهرة وأصدر صحيفة من عدد واحد اسماها (البيان)سنة 1951م، وزعها بعد عودته على مناصريه ضد السباعي؛ وهذه المرحلة التي تشبه استراحة المحارب، ولا سيما ونحن بعد توقف الحرب العالمية الثانية، كانت فترة مراجعة واسترجاع، وكان النقد فيها يسلك واحداً من طريقين، أو الاثنين معاً: إما مراجعة ما صدر من إبداع (قصة أو ديوان شعر)، أو تحيز لفئة ضد الأخرى، فيما سمي فيما بعد(المعارك النقدية) استنتجنا منها مدرستين نقديتين: مدرسة المدينة المنورة، بريادة عبد القدوس الأنصاري، ومدرسة مكة المكرمة، بريادة محمد حسن عواد؛ وقد يكون توقف هذه المرحلة عن إنتاج الرواية، والقصة، يعود إلى شراسة النقد الذي قوبل به هذا الإنتاج في بداياته، كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل(10)،ولعل هذه المرحلة كانت مرحلة تحضير لما سيأتي من نصوص روائية بعدها، وقد التفت النقد إليها بجدية أكثر، ولم تعد حديث النساء والصبيان، فالبلاد تستقبل العائدين من البعثات إلى مصر وبيروت، يحملون أفكاراً حديثة لم تعهدها الرواية العربية النقلية، ذات النتائج الجاهزة، والسبب قبل المسبب، فعاد حامد دمنهوري ليقول مقولته في هذا الفن الوعظي ليقلبه إلى فن روائي على أسس الرواية الحقيقية الحديثة؛ فأصدر روايته (ثمن التضحية) 1959،كأول عمل روائي فني، وإن كان الدمنهوري قد تأثر بكتاب مصر في تلك المرحلة، من عمر الرواية، إلا أنه استطاع في عمله هذا أن يوجد فناً روائياً حديثاً، وحاول الدمنهوري تكرار التجربة في روايته الثانية(ومرت الأيام)1963، وكانت عملاً ضعيفاً، كنا سنقبله منه لو كان العمل الأول، فالدمنهوري بدأ من الأعلى ولم يبدأ من الأسفل إلى الأعلى، كتدرج طبيعي، وفي مثل هذه الحالات يسهل السقوط، وتدور الشكوك حول صاحب العمل، فأعتقد أن حب الشهرة بجانب النقد العاطفي كانا السبب في حرق الرجل مبكراً؛ أما الروائي الثاني في هذه المرحلة، فكان إبراهيم الناصر، الذي بدأ بعكس الدمنهوري في عملين متباعدين، سنكمل الحديث عن في الحلقة القادمة.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة