Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
نصوص
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 
سمير مرتضى في (هموم دفينة):
في المجموعة استنباط هادئ لقضايا الإنسان
عبدالحفيظ الشمري

 

 

يؤسس القاص سمير مرتضى في تجربته السردية الجديدة مذهب القصة القصيرة جداً، حيث يؤسس في مجموعته (هموم دفينة) هذا المنهج الإنساني المتوامض، ليصوغ من هذه الإضاءات بعداً تجذيرياً لحالة الحكاية البسيطة والمعبرة في ذات الوقت عن لواعج شخوصه في هذا العمل.

قصص المجموعة تستنبط ما هو مؤثر وفاعل في حياة المجتمع، لنلمح انتظام هذه القصص في مفهوم كاريكاتوري معبِّر، فالقصة (مكتبة أبي) فاتحة مناسبة للمجموعة، حيث وظَّف القاص سمير مرتضى حكاية مكتبة الأب بشكل جميل، لنراه وقد لخص التجربة الشاقة للإنسان الكادح من أجل الحياة حتى بعد موته:

(جمعنا أبي أنا وإخوتي وهو على فراش الموت وقال لنا: مكتبتي.. قضيت عمري وأنا أجمع كتبها.. احرصوا عليها. مات أبي.. ووفاءً لوصيته (حرصنا) على بيع مكتبته بثمن باهظ.. رحمك الله يا أبي.. أطعمتنا حياً وميتاً!!).

فالقصة نموذج مناسب لخلاصة التجربة على نحو متوامض، ومكثف يغني عن الشرح، أو الإطالة في الوصف، او الاستدراج للأحداث.

تسير القصص في هذه المجموعة على هذا النحو المكثف حيث تبرز للقارئ رغبة الكاتب في توظيف المواقف الإنسانية البسيطة والمعبرة.

فاعتماد القاص سمير مرتضى على الومضة السردية في بوحه الوجداني يأتي مترجماً لما يمتلكه من رصيد حياتي، وبما تكتنزه المخيلة من تجارب.. حتى أضحت كل قصة من قصص هذه المجموعة ومضة مكثفة تحقق الغرض وتفي بمنجز السرد الذي يفصح حقيقة عن شعور قوي بمشاركة الآخر في صياغة هذه الرسالة المعبرة.

فقصة (براءة) في المجموعة (ص36) تلخص بوضوح مهمة الراوي في سرد غصة الفراق وحب الحياة عند هذا الطفل الذي يعتصره الحزن ويتوق إلى البراءة:

(عندما مشيت خلف جنازة والدي وأنا صغير وجدت صبية الحي يمشون معي، وعند مراسم الدفن اقترب مني أحدهم وهو يحمل الكرة بين يديه.. قال لي: بسرعة.. سيحل الظلام بعد قليل. قلت له: الأمر ليس بيدي.. اذهبوا وسأحاول أن آتيكم مع بداية الشوط الثاني..!!).

فهذه القصة القصيرة جداً نموذج حقيقي لمسيرة المجموعة حيث نرى الكاتب سمير مرتضى وقد دفع شخوص قصصه للبوح بما هو دفين فعلاً من الهموم والمواقف الإنسانية المعبرة على نحو هذه القصة التي تلخص رحلة الإنسان في البحث عن الحياة رغم المشهد الأليم.. بل تثري هذه الومضة السردية مخزون الكاتب من الصور المعبرة على نحو براءة الطفل الذي يفقد أباه إلا أنه يحاول رغم ألم الفقد أن يتشبث بالأمل وبمقارعة الكرة مع رفاقه ولو بيسير من الوقت المتبقي من نهار راحل بأهم إنسان لديه.

قصص (هموم دفينة) تذهب إلى الحوارية أحياناً رغم تكثيف مدلولاتها، إذ لا يتخلى القاص عن أسلوب سرد الحكاية.. حتى أنك لتجد في قصة (تعزية) أسلوباً حوارياً مكتمل التفاصيل رغم أنها لم تتجاوز أربعة أسطر فقط.. فاعتمد القاص (مرتضى) على (قال) و(قلت) بشكل مناسب غير مخل، قدَّم القضية الإنسانية بين الناس برؤية مضغوطة ومكثفة تغني عن الشرح والاستفاضة، وصياغة المبررات للغياب، والقطيعة، والعبث بالمشاعر الإنسانية التي تتهادى كأوراق التوت عن جسد علاقاتنا الموتورة.

لقد برع الكاتب في توظيف هذا اللون من السرد القصير جداً لنراه وقد صاغ لنا أكبر عدد ممكن من القضايا الحياتية بأسلوب شائق ولغة سردية رشيقة، وبمواقف شاعرية نادرة إلا أنها تبحث عن الموقف الأليم في رحيل قمرٍ، أو غياب صديقٍ، أو تلاشي حلمٍ ما، أو فقد لهدى لأن القاص يدفع برواته نحو نبش قبر الذكريات؛ ليخرج لنا الحكاية تلو الأخرى لكنه يتفنن في تقديمها على هيئة عصارة مركزة تغني عن تجرع حكاياتنا الإنسانية المتعاظمة.

***

إشارة:

* هموم دفينة

* سمير مرتضى

* الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007م (دمشق)

* تقع المجموعة في نحو (76 صفحة) من القطع المتوسط

* لوحة الغلاف للفنان الفرنسي وليام بوجرين

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة