Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
قراءات
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 

الرواية السعودية.. قراءة نقدية
د. زهير محمد كتبي

 

 

ما الذي جرى في نص الرواية السعودية، حتى أصابها فقر في الولاء للدين، وفقر في القيم، وفقر في المبادئ، وفقر في الأخلاق، وفقر في المثل، وفقر في الفكر المجتمعي.

لقد انهار الكثير من نظام الخصائص والمرتكزات والأدوات التي أرساها كتاب الرواية السعودية الكبار، تحت ضربات معاول كتابة بعض الروايات السعودية في المرحلة الحالية. لقد اتخذت في مقالي هذا نماذج من بعض الروايات السعودية الحديثة.

يؤسفني أن أقول إن نص هذه الروايات وغيرها اعتمد على.. (استبلاه الناس). و.. (احتقار معارفهم وأخلاقهم وقيمهم).. مع .. (الاستخفاف بعقولهم)..

وأصبح نص هذه الروايات السعودية مسكوناً.. (بهاجس الجنس).. و..(مراكز الشهوة).. في الإنسان يجعلني أقول من البداية أن هذه النصوص السعودية لم تكن صاحبة رسالة، حتى نضفي عليها الشرعية الأدبية والثقافية. لا قيمة للأفكار فيما أرى أمامي من نصوص. بل إن جميعها تمكن كتابها من تجنيدها في.. (مشروع الجنس).. فقط، ولا قيمة للفكر الديني أو السياسي أو الاجتماعي. فلا يستطيع مثقف مثلي منحها دلالتها الثقافية والمعرفية. وتلك الدلالات هي التي تضفي عليها الأهمية التاريخية. فأزعم أن قارئ مثل هذه الروايات يلقي بها ضمن سلة المهملات، ولا يحرص أن تكون ضمن قائمة كتبه، بعد الانتهاء من قراءتها، فالتأثير مؤقت وزائل.

هذا.. (الهوس الجنسي).. في نص الرواية السعودية حالياً استبد بأشياء كثيرة وأبعد أخرى، وذلك بسبب سيطرة.. (النزعة الجنسية).. لدى بعض المؤلفين ربما لقناعة أولئك المؤلفين لمثل هذه الروايات الجنسية أو الشهوانية، إنها تحقق لهم.. (التحشيد الجماهيري).. و..(التجيش الثقافي).. إنهم يريدون صناعة الجمهور عبر أداة الجنس.

إن نص هذه الروايات وغيرها لا تقدم إدراكاً ثقافياً ولا معلوماتياً. بل إنها تنتج للشباب مواقف وخيالات جنسية واسعة، بل هي تنتجها في لغة إثارية وربما حركية.

لذلك فإن مثل هذه النصوص تغذي الشهوة، ولا تنضج العقل. وهذا النوع من .. (النصوص الشهوانية).. لا يعمل على أي بناء منهجي أو ثقافي في وعي متلقيها. لأن النص الشهواني عادة لا يخاطب العقل، بل يخاطب مراكز الشهوة وهو يفعل ذلك لعلة في النفس، وربما قد تكون.. (عقدة نفسية).. مترسبة من الصغر، ففعلت فعلها في الكبر.

في حين أن نص بعض الروايات السعودية لكتاب سعوديين كبار مثل روايات الدكتور تركي الحمد، وسمو الأمير الدكتور سيف الإسلام بن سعود والدكتور غازي القصيبي وغيرهم، عملت نصوصها على استنهاض حاسة التأمل والنقد لدى المتلقي، يضاف لذلك استفادة المتلقي من المعلومات السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي ترد برواياتهم.

ونص مثل هؤلاء الكتاب الكبار أدى إلى تضخم حضور.. الكاتب الروائي.. في الثقافة العربية بعكس الروايات الجنسية فهي تعمل.. (ضمور).. وزن النص الروائي السعودي في الثقافة العربية بسبب هشاشة علاقتها بجوانب فكرية وثقافية كثيرة.

إن كُتَّاب هذه الروايات الجنسية وغيرهم تحولوا بفعل نصهم الروائي من كتاب إلى مسوقين للجنس، وكأنهم يبحثون عن دور خلاصي من همومهم وأوجاعهم الشخصية.

إن ما يقوم به بعض هؤلاء الكتاب إنما يعني أن فعلهم هو.. (اغتصاب ثقافي حاد).. للثقافة العربية السعودية. بسبب فعل الشهوة للأفكار الدينية والاجتماعية، حتى أصبحت كتبهم أو رواياتهم وكأنها.. (معمل إيديولوجي لصناعة الفكر الجنسي).. وهذا ما يجعل مثقفاً مثلي يقول إنهم دعاة للإباحة الجنسية الثقافية أكثر من كونهم كُتاب رواية.

خاصة أن بعضهم - وأعني كتاب الروايات - لم يربط نفسه بوثاق أخلاقي وديني، فاستخدم المفردات الجنسية بصورة مباشرة. ولم تضمحل طاقة الكاتب، لا بل أن بعضهم - والعياذ بالله - شحن أكثر المفردات إثارة للشباب لتحريك غرائزهم الجنسية. ويظن بعض أولئك الكتاب أنه في قدرته الثقافية والكتابية صنع الأعاجيب في ذات القارئ.

أزعم أنني أعرف جيداً وبكل تأكيد أن هذا النوع من الكتاب الروائيين سيكون له في كل مرحلة جمهوره من القراء رجالاً ونساءً وربما مراهقين وغلماناً، وإن ذلك القارئ يصغي إليه ويعجب به. ولكن أقول لأولئك الكتاب: ماذا بعد كل هذا التفسخ والانحلال في النص والمعنى؟.

ماذا سوف يفعل نصكم الكتابي الذي يجافي القيم والأخلاق الدينية والاجتماعية؟.

هل الانتصار في قاموسكم الجنسي أن تعملوا على إفساد مفردات شبابنا، وإثارة نزعاتهم الضيقة، وتحريك شهواتهم الفائرة أصلاً والمشتعلة بما يحيطون به من محركات لمزيد من الشهوات.

إنني أشعر - هكذا أعتقد - أن في منهجكم الكتابي هذا يسعى بعضكم إلى أفق يهدف إلى توظيفات أخرى، بعضها تتعلق بكم ككتاب، وبعضها يرتبط بالقارئ. ولكن دعوني أقول لكم: كما تجدون إعجاباً بنصوصكم الجنسية، فإن هناك ثمة قدراً هائلاً من المحتقرين لتلك النصوص الهابطة التي تخدش الحياء الإنساني في بعضها. وكما أن نصوصكم تتعرض للقدح والذم في نفسيات الكثير الذين لا يستطيعون التعبير عن غضبهم منكم، وذلك لمنع كتاباتهم من النشر من قبل بعض القائمين في الصحافة المحلية ممن هم على شاكلتكم ومنهجكم.

إن نص الرواية السعودية في بعض تلك الروايات يخاطب نوازع .. (البحث والقلق الجنسي).. في نفس الكاتب وبعض القراء، ولكن ذلك النص لا يصغي إلى أي نداء يقع في نطاق الأخلاق والقيم والمثل الدينية والاجتماعية.

والمؤسف أنه لم يستطع تكوين الأجوبة على الكثير من الأسئلة المجتمعية ومطالبها.

وربما هذا ما يجعلني أزعم أنه لن يكون في حوزة النص الروائي الفاضح والفاحش بعد الآن، ما يستطيع أن يقدمه للمجتمع السعودي، فقد أصبح يفقد بريقه حتى في الذات الشبابية، لأن خيال الكتاب أصبح بشكل واحد، وهدف واحد، وأسلوب واحد، ومنهج واحد، ونهاية واحدة، ومفردات موحدة، بل إنها مقلدة بعضهم البعض، يضاف لذلك ما وجده بعض الكتاب الروائيين من هجوم ومقاومة في بعض المؤسسات الثقافية أثناء ممارسة الإلقاء بها، ونشرت الصحافة المحلية الكثير من تلك الفعاليات الهجومية ضدهم.

هل يريد أولئك الكتاب تزوير الوعي السعودي؟

هل يريد أولئك الكتاب أن يقولوا للعالم كله أن الشعب السعودي كله يعاني من أزمات وعقد جنسية؟

وقعت هزات اجتماعية عنيقة ضربت عمق عاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية، بسبب ما كتب من نصوص إباحية وفاحشة وفاضحة في تلك الروايات، الخالية حتى من أدوات كتابة الرواية. والخالية من .. (الحياء).. و.. (الخجل).. فبعض تلك الروايات كأنها قصص فردية وشخصية أراد كاتبها أن ينشرها على العلن. ثم يدعي أنه كاتب روائي.

أريد أن أقول: إن ما كتب ويكتب في مثل هذه الروايات وغيرها لا يمكن أن يمثل المجتمع السعودي، بأي حال من الأحوال. صحيح نحن لسنا من الملائكة، ولا الملائكة منا.

ولكن تصوير المجتمع بمثل هذه الصور الروائية الفاحشة والخليعة، لا يمكن أن يُقبل، وفيه تعدٍ وتجاوز على قيم ومبادئ وأخلاق وثوابت، وتقاليد وأعراف المجتمع السعودي المحترم والمحافظ. أتمنى إعادة النظر من قبل بعض الكتاب الروائيين في نصوصهم ومفرداتهم وأفكارهم حفاظاً على صورتنا في المستقبل البعيد. فأخشى ما أخشى أن التاريخ يلعن ويكذب من يجرؤ على قيمه وأخلاقه ومثله وعاداته الإسلامية الفاضلة.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض وساعة العرض، وأثناء العرض.

- مكة المكرمة faranbakka@yahoo.co.uk


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة