Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
قراءات
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 

(قصيدة وشاعر) «1»
الشعرية في قصيدة (حصاد) لعيد الحجيلي
أسماء أبو بكر

 

 

تتمثل بواعث الشعرية في قصيدة (حصاد) من ديوان (قامة تتلعثم) من خلال البنية المعمارية الخارجية والبنية الداخلية للنص الشعري، وهاتان البنيتان موكولتان بتكييف المعنى، وإفرازه، وهو ما يتم عبر بنية تعتيمية، كما يتولد ذلك من خلال تخالفيه النسق أو النظام القار في الخلفة القرآنية والثقافية للمتلقي والمنوط به تنظيم العلاقات وتناسقها بين البنية الداخلية والخارجية، والنص الشعري يفرز بنية التعتيم التي ينفصل فيها الظاهر - وقتياً - عن الباطن، وهو تعتيم جمالي ثرّ يوحي ولا يفصح، يثير الخيال والشعور، ويجعل البنية المعمارية مؤسسة لجماليتها، عبر ما تفرزه الصورة من علاقات إيحائية، يطرحها المبدع في خطابات نصية غامضة بعيدة عن المنطقية، وذلك بفضل ما يكتنزه الخطاب الشعري من طاقات خلاقة تفرزها بنية الرموز يقول الشاعر وفي قصيدة (حصاد).

كلما نضجت فكرة

في عذوق السهر

وجد الثلج مسترخياً

في سرير الحروف (ص63)

التشكيل اللغوي هنا يفرز دلالته الغامضة، والتي تثير ذهن المتلقي وتحرك خياله ووجدانه، وهي غموضية تصنع حيثياتها الجاذبة، والتي لا يملك المتلقي عنها فكاكاً، بل يظل متلبساً بأحوالها، ساعياً نحو ارتياد آفاقها، واستكشاف مكوناتها، ومن ثم يتمتع غموضها بالجاذبية واستقطاب الذات الإنسانية لفك شفرات النص، واستكشاف إمكاناته الإبداعية والدلالية، وبذا يؤدي الغموض إلى تعدد الأبعاد الدلالية للنص الشعري.

ويتولد الغموض في النص السابق، نتيجة التشكيل اللغوي الذي يتمدد، ويفرز العلاقات بين الأبنية السياقية، التي لا تستسلم لنظام عقلي موضوعي، وإنما لتهويمات من المعاني تخضع خضوعاً كلياً للانفعالات الوجدانية القائمة في حركة اللاوعي، وهذه الانفعالات مضطربة وغير منظمة، ومن ثم انعكست على التشكيل اللغوي فأضفت عليه قدراً من اللامنطقية في صياغة المحكي الشعري، وبذا تصبح البنية المعمارية فارزة لدلالتها المموهة، فالفكرة التي يجسمها الخطاب الشعري، فكرة ذهنية لا تخضع لمنطق محدد، وإنما تتسامى على النمطي، وتتجاوز الأبعاد الاعتيادية التي ترتادها اللغة، فمن العسير أن

يتكيف المتلقي العادي مع هذا الخطاب بسلاسة، إذ كيف يتصور (نضوج الفكرة في عذوق السهر) في السطرين الشعريين:

كلما نضجت فكرة

في عذوق السهر

فالملامح الفكرية غير

محددة، كما يتولد الغموض أيضاً من التكوين الكلي للمشهد الشعري، إذ يتشكل النص -كلية- من جملة واحدة وهي جملة شرطية طويلة تتكون من أربع جمل أو أربعة أسطر شعرية لكنها مقيدة بأداة شرط يستهل بها المشهد الشعري (كلما) وفعل شرط (نضجت) وجواب شرط (وجد) ومرفقات لغوية يستكمل بها الخطاب الشعري تمدده التشكيلي والدلالي، وتشكل هذه الجملة الطويلة صورة شعرية، وهي صورة -في كليتها- مضطربة التصور، إذ كيف للذهن أن يشكل البعد التخيلي للثلج الذي يسترخي في سرير الحروف:

وجد الثلج مسترخياً

في سرير

الحروف

لذا فالصورة تتشكل عبر بعد شعري تعسفي، وهي منافية لإفصاحها، مناقضة لمستواها الوجودي، مرادفة للتعتيم والتعمية الشعرية، ومن ثم يتحول النصر الشعري إلى رموز ذات دلالات مستعصية في قراءتها الاعتيادية، وبذا تتحقق إثارة المتلقي الذي يصاب بقدر من التعمية حين تقف خبرته الخاصة معزولة عن التفاعل مع النسيج الفني للخطاب الشعري.

إذن ما الذي يجعلنا نستعذب هذه الكتابة؟ لابد أن هناك سراً ما...؟!

إذ يمكن أن تتحقق حالة العذوبة على مستويين: مستوى التشكيل الخارجي ومستوى التشكيل الداخلي، ويكمن ذلك في كون هذا الخطاب الشعري يتميز بمستويين جماليين: الأول كونه معبراً والثاني كونه مثيراً، كما يتم نظمه ضمن مستويين تشكيليين:

- المدينة المنورة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة