Culture Magazine Monday  29/10/2007 G Issue 220
سرد
الأثنين 18 ,شوال 1428   العدد  220
 
سلطعون
حامد بن عقيل

 

 

قيل: (هو كائن بحري يعيش منذ هجر البحر في مدينة ساحلية اسمها جدة) ويتغذى على أجساد الفتيات الصغيرات اللواتي فقدن طفولتهن بغتة ولما يصلن حد النضج.

الذي يعرفه هو عن نفسه لا يجدر به قوله للغرباء، حاول مرة أن يقول لرواد حديقة (الأنعام الجميلة) ما يشعر به دون أن يسألهم، فهم ما يتحدث عنه، كان يتسكع أمام الأقفاص المتراصة، وينظر إلى وجوه النساء البريئات من السكينة، وكان يتمتم بصوت واضح: (منذ فقد ظله وهو يسير ليلاً كي لا يفتضح أحد أمره) فكر قليلاً وأضاف: (من يهتم) فصرت امرأة قريبة منه) ستمل وسيكبر قلبك حتى ينفجر وستلفظك مدينة جدة لأنك لا تعرف أي الأحياء يقيك الحزن، وأي العناوين يبعث فيك سؤال المارة عن الجهات.

* حين أراه يخرج امرأته من خزانته الحديدية ويشقها إلى نصفين اعتذر للوسائد التي تخضبت بدماء حارة يتجاهلني، ويعيد نصف امرأة باسمة إلى الخزانة، بينما يجر بأذرعه الطويلة نصفا لآدمية عاطلة عن الحب يسرع بصلبها على باب غرفته، ويأمر الضوء أن يجللها بما يكفي لستر عورة الموت الناشب في بقاياها يتكرر ذلك كثيراً، ومع آخر قطرة ضوء تكون الأنثى قد تبخرت وانطفأ الدم على الوسائد، بينما يغرق هو في بكاء لا يدل على مرارة أو حزن دفين قدر دلالته على وجع لا يفهمه أحد، ثم يقول لنفسه بصوت واضح وشجي: (من يهتم) ليجيبه صوت مجهول يصدر من وراء باب حديدي موصد: رأيتك أول مرة تقف حذاء شاطىء البحر مبلولاً ويائساً، لم تكن آدمياً بما يكفي لجعلك زوجاً لي، أو رفيقاً أهتم بشكل أنامله وهي تعدد الجزر التي لفظته! قلت لك يومها: تعال لنتقاسم نصفي، وحرام عليك أن تثب إلى جدائلي أو أن تغامر باحتلال ما تبقى لي من يأس لأن في ذلك ما يوجع: يوجعني ويوجعك.

* قبل صلاة الظهر حين تغلي جدة كمرجل، وحين لا يكون له داخلها أي وجود أو حقيقة لأنه يخشى أن يلاحظ أحد خلو خطواته من ظل يتبعه، في لحظة ما قبل الأذان، يشعر نسوة كثيرات بأذرعه تمتد إلى أقدامهن فيتقافزن كحجل يشك في ولادة طلقة موفقة تستهدفه كثيرات هن أيهن سيجبرها على التوقف عن السير، أو النزول بأقدام حافية إلى الاسفلت، وأيهن ستنجو من مهارته في القضاء على أوجاع النسوة الحزينات؟

قيل: (ما تبقى لكل فرد في هذه المدينة من حلم) وقيل: (استودع سره لأطفال لا يصدقهم أحد، وهم يقسمون أنهم يشاهدونه كما لا يمكن معرفة جهته التي ينبعث منها، لهذا يرافق الأطفال إلى أماكن نومهم في غرف الصف بحذر يندر أن يخرج نهاراً، لكن أفضل نهاراته حين يصادف طفلاً يحمل حقيبة مدرسية خالية من الكتب، أو أدوات فلاحة العقول المستعصية على أدنى محاولة للفهم يطل برأسه من أحد الثقوب أو الفتحات المهملة، ويجوب الشوارع متذرعاً لامرأته بضرورة البحث عن رفيقة تشاركها خزانته الحديدية، ولأنه لا يسكن مدينة ساحلية يتجاور الطلاب فيها والطالبات على مقاعد اليأس المعرفي، كان لا يجني إلا الخيبة ومع مرور الزمن صار يحب رائحة الحقائب المدرسية الخاوية، ويسافر طويلاً في عرق أي طفل لا يهتم به أحد ولا يصر أبواه على ضرورة أن يحمل في حقيبته ما يدل على أنه ذاهب إلى مدرسة تقيه من الجهل.

* قال بالنسبة إلي أحب أن أجهل المدن والناس وأن أتوقع ما الذي يعنيه لهم كائن بحري لم يعد مبلولاً ويائساً كما كان، كما أن الأشياء التي كانت تدل علي تلاشت كجدائل امرأة منفرة.

* يقول ما يحلو له، لكنه يفعل ما يحبون: أن تكون مخبأ في أوهامنا فلا نراك إلا في رائحة البحر، أو في زجاجات عطر تجعل من نسائنا كائنات مجهولات كالمد.

* إن أكثر الأشياء غرابة هي تلك التي لا تحدث أبداً رغم أن الزمن يهيىء لها أماكن وقوعها وأشكال تلقيها لدى عابري اللحظة المناسبة شرط أن يكون كل واحد منهم حاملاً لقلب مفتوح ومتعطشاً لأماني لا حصر لها ومع عدم حدوث الاشياء يندهش الناس من فعل الزمن ومن فراغ الأمكنة غير المحدود، وكأنه يتناهى في ذات فاعلة مجهولة.

قال: أحب أن يجهل الناس معنى وجودي، وأن تفكر المدن في مستقبلها بدون نسوة حزينات يتقافزن بلا سبب ظاهر إنني أشيع الفرح في ذرات الاسمنت وفي الخزائن المقفلة على آهات حصرية لتائهين لا يعرفون حقيقة ما يتلبسهم بأذرع كثيرة تعتصر الضوء أغيب، وفي عطش الفتيات الصغيرات للكلمات النافرة أجيء كائنا حقيقياً.. أما حين يبدأ القوم بسرد مواعظهم عن الأخلاق وعن الحياة الآخرة فإنني أنصرف إلى سقاية الوسائد، كنت ولا أزال أفكر فيكم جميعاً، فهل هناك من يهتم بأمري.

* قيل: هو كائن نصف قار في الأرجاء يتعثر في أبجدية عالم سفلي غريب فارا من مسلمة إنه ترك للبحر ظله رهينة إلى أن يعود من سفر طويل في مدن الشمع.

بينما يكثر أناس مهتمون بالحكمة من قول ما لا يجدر بحكيم قوله، إذ يشيرون إلى أنه مجرد أوهام متناثرة على شواطىء مدينة يحدق أبناؤها كل مساء في الأمواج ببلاهة ويراقبون مشهداً بليداً يتكرر منذ الأزل، ويأملون بمغامرات حقيقية في بلاد بعيدة!!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة