الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th November,2004 العدد : 85

الأثنين 17 ,شوال 1425

اللافتة
محمد العطوي
عندما تدخل صومعة سعد البواردي الفكرية تؤخذ بسلاسة أسلوبه وتدفق تنقلاته بين أرجاء العمل الإبداعي الذي يتناوله ولذلك ربما اختار ان يصدر صفحته بكلمة (استراحة).
هو ناقد مسالم يعبر النهر من شاطئه الى شاطئه ولا يثير فيه تلك الزوابع او التموجات العنيفة الغاضبة ذلك لأنه لا يعمد الى المناطق الضحلة او الفقيرة فيعيبها ويبرز مساوئها بل هو يمر مرور الكرام يلقي التحية على هذه القصيدة او تلك ومن خلال هذه التحية نستشف قصده ان كان موافقاً أو معجباً أو معارضاً او مصححاً. حتى عندما يمر بخطأ لغوي او عروضي او اسلوبي فلا نراه يجزم في الحكم او الرأي او يطلب التغيير او التعديل بل نراه يقدم دعوة للمبدع بقوله: ارى ذلك او هذا أنسب في رأيي.. وهكذا.
هل لي أن ألقبه باللافتة؟
أجل.. فكم من شاعر وقاص لم نتعرف اليه إلا من خلال صومعة البواردي؟ وكم من مبدع ناشئ لم يشر اليه احد إلا البواردي؟ إن من كتب عنهم من المبدعين الشباب غير المعروفين أكثر بكثير من المعروفين او لنقل انه أكثر النقاد تناولا لمنتجنا الثقافي المحلي بعيداً عن الواسطة والمعرفة، فهو لافتة وطنية كبيرة لمثقفي الوطن جميعاً.
أغلب كتاب الصفحات الثابتة يتناولون مواضيع معروفة ويعلقون على نصوص لأدباء معروفين (مشهورين) ويستشهدون بين طيات مقالاتهم بمقاطع وأقوال لأدباء غربيين إيحاء منهم بثقافتهم الواسعة واطلاعهم البعيد ولو سأل أحدهم عن المشهد الثقافي، حركته ومؤشراته وتفاعلاته لما أفاد في ذلك بشيء.
لكن كاتبا كالبواردي ينضو عن كاهله هذه البردة الخادعة المضللة (بردة التعلق بالآخر والسعي وراءه والتنويه به في كل صغيرة وكبيرة حتى تترسخ القناعة بأن ليس ما لدينا ما يعتد به محلياً). سعد البواردي يرتدي بردة الوطنية ويقول هذه بضاعتنا بما لها وما عليها دون رتوش او مكياج ويراهن على (وصولها) في آخر المطاف.
إن ما ينقص مبدعينا هو الالتفات اليهم قليلا والاشارة الى نتاجهم الفكري بتواضع، تماماً كما يفعل هذا العابد في صومعته فإشارة واحدة تحت لافتة الصومعة توازي صدور ديوان وتوزيع ألف نسخة منه تبقى حبيسة (مستودعات) الأندية الأدبية بمجرد خروجها من المطبعة.
كيف نريد لإبداعنا ان يصل الى المرافئ البعيدة ونحن نتجاهله في الداخل؟ كيف نؤثر في الآخر ونحن لم نتأثر بما نبدع؟ كيف نريد نتاجنا ان يتجاوز الافاق ويعبر النوافذ ونحن نوصد ابوابنا في وجهه بل ونحكم إغلاق بابه عليه؟
اسئلة حيرى وآهات حري أن نجد إجابات شافية لها في داخلنا إذا سكن الضجيج وعادت الدلاء من رحلتها فاغرة ظمأى. نحن أمام كاتب كريم، أديب بكل ما تعنيه الكلمة، يمارس الغوص في بحر الابداع بكل دراية وحنكة من اقصى معطيات الوطن الى اقصاه لا ينشد التسلق على اكتاف المعروفين بقدر ما ينشد الحضور البهي لمن ليس لهم حظ في شهرة يقدم إبداعهم بكل شفافية بعيدا عن سلطة المعرفة وسطوة الواسطة، وحتى عندما يتناول بالنقد إبداعاً معيناً فإنه يقدم رأيه بأسلوب رقيق موضحا منهجه في النقد والتعامل مع المنتج من خلال تلمس مواضع السمو وإبرازها، ملمحا الى مواضع الضعف باشارات لطيفة.
يقول: أتمنى لكل شاعر ولكل ناثر ان يرأف قليلا بمداركنا، ان يعطي لها ما تنزع منه معلومة مفيدة تثريه وتدغدغ حواسه وترضي ميوله بل وفضوله.. الفكر مخاطبة العقل، الفكر حين يستعصي على العقل يحتاج الى قارئة فنجان! أرأيتم كيف يحمل البواردي همومنا جميعا, كتابا وقراء؟ أليس الإبداع من حق القارئ تماماً مثلما هو حق لصاحبه؟ لمن يطبع المبدع أليس ليتلقاه القارئ ويشاركه متعة التذوق؟ من هنا كانت دعوة البواردي لاحترام المدارك.
يحق لمجلتنا ان تحتفي بسعد بل يحق له أن نحتفي به كلنا على قدر تميزه عطاء ونقاء وشفافية يقل نظيرها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved