الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 29th November,2004 العدد : 85

الأثنين 17 ,شوال 1425

قراءة في رواية(سفينة وأميرة الظلال) «34»
الرحلة..من رغبة (اللذّة)..إلى قيمة (الاكتشاف)
سهام القحطاني
يقوم كل محكي روائي على ثنائية أساسية لفعالية السرد، وهي الحكاية، أي المادة الحكائية الخامة أو (الحدث أثناء تطوره وعلاقاته الارتباطية) والسرد، أي التغييرات التي يسنّها السارد لإضافتها إلى المادة الحكائية الخامة عبر عناصر المحكي من شخصيات ومنظور سردي وفضاءات مختلفة، لإيجاد تحولات مخصوصة في المادة الخام وتشكيلها بصورة إجرائية تتفق مع مكون رؤية المبدع.
تبدأ رواية سفينة وأميرة الظلال من خلال حكاية الإطار (مقابلة سهل لأميرة الظلال، ومعرفة طلباتها) وما يتفرع من هذه الحكاية من حكايات تضمنية تسير من خلالها حركة السرد، وما يتخلل حكايات التضمين من حكايات خارج السياق، نستطيع أن نوضحها كالآتي:
حكاية الإطار حكايات التضمين حكاية خارج السياق
دخول سهل مدينة غريبة ومقابلته لأميرة الظلال، ومعرفة ماذا تريد قرية الدخان، سفينة وهوى وهلباجة سفينة وعمه وأمه وسلمى الحلم مسجد كأني أكلت، الفتاة سارة الحياة السعداء كنز من رماد القرد والأسد، سوق العقول، سوق المتاهة، مسجد كأني أكلت أما مجرى الأحداث فهو يسير كالآتي:
البداية: مدينة أميرة الظلال.
النهاية العودة لمدينة أميرة الظلال
ويتضح من التقسيم لمجريات أحداث الرواية أن البناء السردي هنا يقوم على الشكل الدائري المغلق، إذ يؤول المحكي في حكاية الإطار إلى النقطة التي انتهت فيها الرواية، لتعطي سهل فرصة أخرى للبحث عن مدينة العلم وفق المفاهيم التي اكتشفها من خلال رحلته للبحث عن ما تريده أميرة الظلال.
ويعتمد السرد في هذه الرواية على (التداخل السرد التراكمي للأحداث): أي تركيب حكاية واحدة من عدة طبقات أو تراكم الأحداث الاعتمادية فيما بينها، مثل حكاية ما تريده أميرة الظلال، حكاية سفينة مع هوى ثم مع سلمى وحكاية سفينة مع هلباجة وأم الرمال وباقي حكاية الرواية.
إن مثل هذا التداخل السردي يعني فيما يعنيه تقسيم الحكاية الواحدة إلى مجموعة من الأحداث الصغيرة المكتفية بذاتها ولكل منها معنى ودلالة لكنها لا يمكن أن تصوغ المعنى العام للحكاية إلا عن طريق علاقاتهم الترابطية، حيث تتداخل الحكاية الأولى مع الثانية ويظل هذا التداخل حتى تكتمل الحكاية، أي أن الحدث يركب على ما قبله من حدث، ويستطرد لما بعده من حدث وهو ما يكون لنا في نهاية الأمر الارتباط العنقودي، أي توزيع الأحداث على مجاميع ترتبط كلها في مركز واحد لتحقيق (طلبات أميرة الظلال).
ويتداخل السرد التضميني، أي تضمين حكاية أو أكثر فوق جدارية حكايات التضمنين، مثل حكاية مسجد كأني أكلت، وحكاية وسوق العقول والفتاة اللطيفة سهى، وهذا النوع يحقق غالبا دلالات اجتماعية وأغراض أخلاقية تقدم للقارئ، كحقيقة مكمن الجمال داخل النفس
الإنسانية كما في حكاية الفتاة سهى، حقيقة العقل الإنسانية وقيمة ومتى يتحول إلى أزمة جهل عند صاحبه ومتى يتنازل عنه، كما في حكاية سوق العقول، وضرورة التقوى والعمل الصالح وبر المرء بوعده والزهد في الدنيا من أجل الآخرة، كما نجد في حكاية مسجد كأني أكلت.
كما أن حكايات خارج السياق تربط حكايات التضمين بهدف توجيهي، إلا أنها لا تسهم في وظيفة تطور الحركة السردية إنما تنوع الحكاية وتشكل الأسلوب، والفارق بينهما، إن تداخل السرد التضميني لا يتجاوز جدارية حكايات التضمين، أي حكايات خارج السياق، في حين أن التداخل السردي التراكمي يشمل حكاية الإطار، وحكايات التضمين وحكايات خارج السياق. وكلاهما ينتجان عبر المشهد السردي.
ومن أجل ذلك يلاحظ القارئ، طغيان تقنية (التفتيت) أي (زحزحة التطابق بين النظام التتابعي للأحداث الموصوفة وبين نظام تواليها في الرواية (تودوروف إذ لا يتم تقديم ذلك الحكاية على أشكال متتابعة، بل من خلال تقسيم هذا الحكاية إلى أجزاء يتم توزيعها وفق عنوانات، ففي أول حكاية تضمنية نجد أن الروائية، في سرد قصة سفينة وهوى، تفتت لنا أجزاء القصة ضمن عنوانات كالآتي: (البئر السحري، كهف الزمان، هلباجة، مداد من دخان، زخرف حامل الزاد، رسائل من هوى) وكل عنوان منها يحمل دلالة خاصة للمتن المحكي، والأمر ذاته في قصة سهل مع قصور من ماء فالتقسيم تم وفق التفتيت الآتي: (قصور الماء، بحر السعير، السعداء، حارس البحر).
إن تقنية التفتيت أو ما يسميها (فرانك كرمود): (الوفرة في تداخل المغازي المتعددة) أتاحت للكاتبة فرصة تقطيع المنظر الواحد إلى مشاهد، كما مكنتها من التركيز على المشاهد التي تمثل مركز الثقل في المنظر، لكي توجد نوعا من التناغم مع عناصر المعينة لحركة المنظر، ففي الجزء الأول من حكاية التضمين (البئر السحري) يبدأ
(عند الغروب عند عودة المزارعين إلى بيوتهم، وتأمل سهل هذا المقطع وهم يغنون) هذه اللقطة من مشهد عودة الفلاحين ومراقبة سهل لهم عند عودتهم مشحونة بدلالات، اليأس الذي أصابت سهل بعدما تأكد أنه ضل الطريق، كما تشحن بدلالة استمرار الحياة رغم كل شيء، إضافة إلى دلالة أهمية العمل) وتتولى اللقطات منتقلة من زاوية القرية الأضيق، إلى ساحة البيت التي تتسع تتدريجيا ثم تضيق لتحيط بالبئر والمرأة الواقفة أمامه، وأنت لو تخيلت حركية هذا المشهد السردي تجد توازنا بين فترات الصمت وفترات البوح.. تنقلك عبر مساحة تتسع ثم تضيق ثم تتسع ثم تضيق.. فمن اتساع تأمل القرية ومفرداتها، إلى قاع البئر،، ثم يبدأ الاتساع عند اكتشاف الكهف داخل البئر، وهكذا يبدأ التوتر الذي لا يصل لمستوى الأزمة في التخفيف من مركزيته حتى ينتهي إلى الحل، كل ذلك ضمن لقطات حينا تتسارع فلا تتمكن من تأمل زاويتها الحادة وحينا تبطئ لتتيح لك تأمل الحالة التي تعرضها لك.. وبذات التقطيع تلاحظه في قصة (قصور الماء، وفتاة الأحلام، وأم الرمال)، وتقنية التفتيت أيضا تعتمد على فنية (المشهد) هو الفصل الواحد يتوحد غالبا في الزمان والمكان، وقد يتكون من لقطة واحدة أو مجموعة من اللقطات (مثلما نجد في، مشهد الحلم، القرد والأسد، سوق المتاهة، سوق العقول) فكل قصة هنا تمثل فصلا، مقسما إلى مجموع من اللقطات المنظورة من زوايا متعددة، وهذا ما يسبب في إطالة بعض المشاهد والاستطراد، لتفقد أثرها في الإضافة، إن التركيز على تقنية السرد جعل الكاتبة تركز على (الخطاب الخارجي) للسرد وتجمعه بالعرض.
وتتناسل تقنية الوصف من صلب التفتيت، فالوصف (الخلاق الذي ينزع إلى ابتعاث معنى) كما يقول جان ريكاردو يقوم الوصف عادة بتبطئة حركة السرد ويعين على التركيز على
مشاهد يقصد إليها المبدع قصدا مباشرا، والنموذج أن يتمازج الوصف والسرد ليسهما معا في حركة السرد، لكننا نلاحظ حينا أن الوصف غلب على السرد وخاصة في حكايات خارج السياق، وحينا السرد غلب على الوصف فيما كان المشهد يتطلب الوصف، كما نجد في حكاية كاتب النسيان، والبئر السحري، أما الوقفات التأملية والتي خصتها الكاتبة بشخصية (سهل) فكثيرا ما كانت زيادة على جدار السرد، لم تسهم في حركته، إنما أسهمت في بطئ الحركة واستطراد الحكاية، ولعل الكاتبة قصدت بالوقفات التأملية التي خصتها لسهل، لأفعال اكتشاف البطل لكوامن ذاته، وربط تواجده بماهيات الأشياء التي أحاطت به وتعرض لها، كما أن الوصف كان غالبا للأشياء والأمكنة وليس للأشخاص، باستثناء بعض ملامح سفينة، ليحقق دهشة التخيل عند المتلقي، ويوسع إدراكه التأمل، وهذه خاصية عادة ما تتمثل في أدب الأطفال، إذ أن تنمية الخيال خاصية أساسية لأدب الطفل، لأن الرسم فوق المساحة البيضاء الذي يمتلكها الطفل والتي لم تمتلئ بسكنى المخلوقات، تيسر له تمثيل ذلك الخيال فوق مساحاته البيضاء، فتصبح أزمة التردد عنده أقل من الناضجين.
كما يتم تنضيد السرد المحكي في هذه الرواية على فعاليتين سرديتين، هي (التتابع) الذي يقصد به المحافظة على سير الأحداث والشخصيات والزمن إلى الأمام، بدءا من حكاية مدينة الدخان وحتى الوصول مرة أخرى إلى مدينة أميرة الظلال، ومن خلال ذلك التتابع الذي لم يسر بصورة خطية، كانت تبرز لنا تقنية سردية أخرى وهي (التناوب)، أي ذكر حكاية ثم تعليقه والانتقال إلى حكاية أخرى، ثم العودة إلى الحكاية المعلقة، مثل قصة سفينة مع سلمى وعمه، وقصة مسخ الملك جبل والملكة سحابة، وقصة سفينة مع هوى التي كانت تارة تتابع وتارة تخضع للتناوب، وقصة سهل مع مدينة العلم. ونتيجة تقنية التناوب يظهر
لدينا فاعلية (التواتر) أي تكرار ما حدث أكثر من مرة، كما نجد قصة مسخ الملك جبل والملكة سهل، وقصة سفينة وهوى، وقصة سفينة وسلمى، وهذا ما سبب الاستطراد والتكرار في كثير من المشاهد التي كان بإمكان الرواية أن تختصرها.
تقنية الخلاصة، ويقصد بها سرد أحداث ووقائع قد وقعت في الماضي، واختزالها أثناء الحكي، دون توضيح التفاصيل، مثلما نجد في قصة مسخ الملك جبل والملكة سحابة وقصة سهل مع عمه وسلمى وابن عمه، وهذا بدوره زاد دائرة الغموض حول بعض النهايات المختصرة لتوضيحات غائبة، لكن المقصد ليس التوضيح بل النهاية، فالنهاية هي مغزى الاكتشاف كما قد تذهب الرواية، لكن حسبما أرى لو تأملنا الأمر، سنجد أن النهاية ليست العبرة، بل الطرائق، لأن نهايات الأمور لا تتجاوز ما بين (السعادة، والشقاء، النجاح والفشل).
كثيرا ما تقف عند بعض النهايات المجتزأة في هذا النص من حكايات سابقة أو مسكوت عنها، تبني فوقها تحصيلا (ما) عليك حينها أن حفر تحت ذلك التحصيل لتخمن أصل الحكاية المسكوت عنها، أو المقطوع أصلها أو المحذوفة، إن تقنية (القطع والحذف) التي تقع القارئ في حيرة التساؤل عن أصول الأشياء (كيف، ولماذا) مثل: كيف ضاع خاتم أم سهل، وما سبب الحريق الذي أصاب الرسالة التي وجدها سهل في كتاب النسيان. وما سبب كره هلباجة لأختها هوى، وكيف ماتت هوى، ولماذا قررت ترك السفينة، ولعل هذا الأمر قد يؤكد ما ذهبت إليه سابقا، أن الرواية تهتم بالنهايات كونها أصل تأمل الجذر التكوين لماهية الأشياء، وإن اختلف كثير منا على هذا المبدأ، وتقوم تقنية الخلاصة والقطع والحذف بدور حيوي في سرعة الزمن داخل النص. أما الاسترجاع أو السرد الاستذكاريين أي استعادة أو استدعاء أحداث سابقة، كونها أفعال ماضوية، فهو يسهم أيضا في سرعة الزمن الداخلي للنص، كما نجد ذلك في استدعاء ماضي سهل وكيف ضاع من أهله ليلة العيد، واستدعاء، حالة اللقاء الأول بين سفينة وهوى وسفينة وسلمى، واستدعاء ماضي سفينة مع عمه.
ومع أن الخلاصة والاسترجاع والقطع والحذف، مظاهر تسهم في سرعة الزمن داخل الرواية، إلا أننا نلاحظ، أن بطئ الزمن كان الغالب على نص الروائي، بسبب طغيان تقنيتي (الاستراحة) الحاصلة نتيجة الوصف المركز للأشياء والأمكنة، وصف الفتاة سهى، قصور من ماء، مداد الدخان، بيوت قرية دخان، مسجد كأني أكلت. وتقنية المشهد عبر خطاب الأقوال، كما نجد في حكاية (القرد والأسد) ومشهد (حلم سهل) و(وسهل وسارة الروح) وسوق المتاهة وسوق العقول و(حادي الأرواح).
وهكذا يتضح لنا أم مظاهر السرد في هذا النص:
التناوب والتتابع الخلاصة الاسترجاع التفتيت التواتر المشهد الاستراحة القطع والحذف
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved