الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th December,2003 العدد : 41

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

أعراف
محمد جبر الحربي
As a Matter of Fact

في الحقيقة.. أن الواقع أمر من المر.
فبين محاولات ومناورات، وضغوط، وحروب بيّنة وخفيّة لفرض سلام غير عادل، ولا يمكن أن يكون عادلاً، وبين محاولات ومناورات للتشبث بالسلطة، أو لفرض خيار الأمر الواقع، وذلك شأن فلسطيني داخلي.
تمر سنون الجمر على عشرات الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين بطيئة ثقيلة حارقة.. لا ضوء في آخر النفق.. لا أطباء.. لا محاكم.. لا شهود.. ولا بيانات تنفي أو تثبت وجودهم، ولا سبل للتحقق من أنهم أحياء أم أموات، إلا عبر صرخات أمهاتهم وأخواتهم وأقاربهم هناك في السجن الأكبر تحت نظر العالم وسمعه.
فهم هناك في غيابات، وعتمات، ورطوبة، وعفن، وأمراض، ووسائل تعذيب وقهر وإذلال، وإبادة.
مع جلادين مجرمين من أرذل المفسدين في الأرض.
هم هناك حيث لا يصل ضمير العالم إن ظلّ للعالم ضمير، وهم هناك حيث لا أمم متحدة، ولا منظمات انسانية، أو مدنية..
هم هناك حيث لا حضارةغربية.. ولا ديموقراطية.. ولا حقوق انسان أو حيوان..
هم هناك حيث لا عنان، لا مفوضية أوروبية، ولا سولانا، ولا عمرو موسى.
لا جامعة عربية، ولا رابطة اسلامية..
هم هناك خلف القضبان، وتحت القضبان.
أما من هم خارج القضبان فهم في نفس الوضع عدا ان مساحة السجن والزنازين أكبر.
شعب محاصر.. دولة مزعومة محاصرة..
حصار لا تفرضه الدبابات والطائرات الاسرائيلية فحسب بل هو حصار الجوع والمرض والذل والنسيان.
هو حصار المحاولات المستميتة من رجال مخابرات اسرائيليين وأمريكيين ومن كل جنس لإرغامهم على التفريط بالأمل الوحيد المتبقي لهم..
فبعد هدم دورهم على رؤوسهم، وتجريف ما تبقى من زيتونهم جاء الدور على ما تبقى من ارادتهم، جاء الدور على انتزاع ايمانهم، ومقاومتهم، وعنادهم..
وبينما يحدث كل ذلك أمامنا، وبينما أصبحت مشاهدة عشرات الجثث للشهداء، للشيوخ والأطفال والنساء، خبز أعيننا اليومي عبر ومضات اخبارية تمر على استحياء عبر وسائل اتصالنا.
ترى النُخب الثقافية المتسيده هذه الأيام لسبب أو لآخر أن هذه المواضيع المتصلة بقضيتنا الكبرى ليست بذات أهمية..
سيقول قائل إننا لم نرها تصرح بعدم أهمية ذلك، وسنقول: ربما لم تصرح، ولكن أفعالها أقبح من كل التصاريح.
لأنها سادرة في غي الكلام الهلام.
وسادرة فيما لا يغني ولا يسمنُ.
وسادرة في تجزئة المجزأ وتصنيف المصنف.
وسادرة في التغريب والتمويه.
وسادرة في اقتراح فروع للفروع، وردم للأصول، ومحو للهويات.
هي سادرة في نفخ الذات، وكتابة الاخوانيات، وتتفيه كل ما هو قيمة، واعطاء قيمة لكل ما هو فتات ورفات ورماد.
حتى غدت كل قضية عادلة، مائلة في أعينهم، وعلى ألسنتهم المعوجّة بال«واو» وال«هاو» وال«As a matter of fact» والحقيقة أن لا حقيقة نرجوها منهم، من أهل السبات.
وأن علينا أن نفكر جدّياً في عرضهم على أطباء لنعرف سر هذا التغير في ألوان أعينهم وجلودهم فما عهدناهم من قبل بهذه الشقرة أو الحمرة، ولا هذه الزرقة في العيون.
ولم تكن لديهم هذه اللكنة، ولا هذا الاعوجاج في اللسان.
ولربما نصحونا باستبدالهم.
صحيح أنهم كانوا يلحنون ويخطئون، وكانوا يضحكون ولا يبكون إلا أنهم كانوا يتمتعون بشوارب سود، وأيدٍ مخشوشنة، وثياب مهملة..
ويُذكر أنه لم يُسمع أحدهم قائلاً في تلك الأوقات:
هذا سؤال جيد:
.That is a good question
أو .As a matter of fact
بل كانوا مثلنا يقولون في الواقع، وفي الحقيقة، ولكن ذلك كان قبل تطبيق سياسة الأمر الواقع.
قبل أن يوافقوا ب«يا» الانجليزية، لنقول آآآه بملء صدورنا العربية المؤمنة.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved