الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th December,2003 العدد : 41

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

كلها كتابة
منصور الجهني
ماجدوى التفكير الذي لايقود الى الابداع؟ او يتمخض عن نتائج عملية يمكن تلمس آثارها على ارض الواقع؟
كتابات كثيرة، ومنظرون اكثر، على امتداد سنوات طويلة من تاريخ ثقافتنا العربية، قرن حافل بالصخب والضجيج وهدير المطابع، وبيانات المؤتمرات والمهرجانات الفكرية والثقافية وتحت كل اللافتات الاخرى، ثم ماذا بعد؟
ما الذي ادى اليه كل ذلك التراكم الهائل من هذه الكتابات التي تسمى فكرية، والتي تناولت واقعنا العربي منذ بدايات القرن الماضي وربما قبل ذلك، حتى هذه اللحظة؟
هل تجاوزت هذه الكتابات او بعضها على الاقل اطارها النظري، واستطاعت التفاعل مع معطيات الواقع، وحياة الناس، من خلال تقديم حلول عملية وواقعية لكثير من المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية؟
لن اتحدث هنا عن مايسمى ابراجا عاجية، حسب المقولة التقليدية لوصف حال او المكان الذي يعيش فيه الفلاسفة منفصلين عن الحقيقة وعن المعاناة، ولكن بدلا من ذلك يمكن التحدث عن منابر بكافة الالوان، ظل فلاسفتنا مجازا يتحدثون او ينظرون من ورائها ويطلقون الشعارات التي هي بدورها تتلون وفقا للون المنبر او القاعة او الحزب.. الخ، واقتصرت علاقتهم مع الواقع، او مايسمى بالشارع، على صناعة الشعارات، وتحويل طرقات المدن واجوائها الى لافتات، ربما كانت تتناغم بصخبها وفراغ مضامينها مع ايقاعات اخرى تملأ نهارات وليالي كثير من المدن، مغيبة وراءها الكثير من الحقائق والمواضيع والقضايا التي تتطلب عملا جادا ومنظما لمواجهتها.
لم يشكل الواقع بكل تناقضاته وتعقيداته مرجعية اساسية في كثير من تلك الكتابات، وان كانت معظمها تدعي ذلك، بل كانت وماتزال تستند في الغالب الى مرجعيات ايديولوجية وفكرية وعاطفية يتم اسقاطها بأثر رجعي على قضايا الواقع لتحقيق مكاسب وانتصارات في الصراعات الدائرة بين تياراتها المختلفة وغالبا على حساب الحقائق وفي ظل غياب قراءة حقيقية للواقع، فانه لايمكن الركون الى ما تتوصل اليه معظم تلك الكتابات من نتائج، وما تصيغه من رؤى وتصورات للمستقبل، وما تضعه من حلول لكثير من المشكلات التي مازالت تتراكم كما ونوعا، كلما ازداد اجترارها من قبل هؤلاء.
ولو استبعدنا مثل هذه الكتابات غير المتجردة من الهوى، والمطبوعة على خلفيات غير بيضاء، فان مايتبقى من كتابات موضوعية، ومن فلاسفة مهمومين بالحقيقة، وبحث مستقبل الأمة، ضمن سياق ثقافتنا المعاصرة قد لايتجاوز اصابع اليد.
لقد تبخرت كثير من الشعارات والاوهام وبقي القليل مما ينفع الناس، فرغم مضي اكثر من قرن على بعض الكتابات الفكرية، ومرور عشرات السنين على بعضها الآخر، الا ان كثيرا منها لايزال يشكل مرجعا هاما لدراسة واقعنا الحالي، ويحمل افكارا يمكن تفعيلها والاستفادة منها لمعالجة الكثير من المشكلات الحالية، وكأن شيئاً لم يتغير منذ ذلك الوقت!
مازلنا نجد مثلا فكر مالك بن نبي وساطع الحصري ولن اعود اكثر للوراء اكثر ملامسة لمواضع الخلل في واقعنا الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الراهن، ليس لان التاريخ يكرر نفسه كما يقول كثيرون، ولكن ربما لاننا نحن نكرر انفسنا وتجاربنا واخطاءنا وخطاباتنا و.. ، بمعزل عن حركة التاريخ، وتحولات الزمن، وربما اقتصر دورنا غالبا على حالة التلقي، وانحصر تفاعلنا على ردات الفعل، واتخاذ المواقف قبولا او رفضا.. .لما يتم انتاجه هناك من افكار، وما تفرزه بيئات بعيدة ومختلفة من مدارس وتيارات، بعيدا عن روح المبادرة، وعن معطيات الواقع، وتجاوزا لخصوصية الثقافة، وتمايز الهوية، وحتى ثراء المرجعيات.
ربما كان دور المثقف ينتهي عند انتاج الافكار، وصياغة المقترحات والحلول، وفق رؤية استشرافية.. الخ، لكن كل ذلك سيكون عديم الجدوى، في ظل غياب علاقة تكاملية بين الكثير من فعاليات المجتمع، وخاصة العلاقة بين المثقف والسلطة، فقد ظلت هذه العلاقة في الغالب تصادمية، فاما ان يكون المثقف تابعا للسلطة والا فهو ضدها على طريقة بوش وفي الحالين فان مايتم انتاجه من خطاب سيكون اما موال يزيف الحقائق ويروح للوهم، او معارض من الخارج، يضخم العيوب ويتجاهل الايجابيات، وبينهما تغيب الحقائق، ويغيب الفكر المنهجي بكل اشكاله، ويغيب حتى الفكر التأملي الذي يرى البعض انه من سمات وربما عيوب الفكر العربي، واعتقد ذلك ربما كان في وقت سابق من تاريخ حضارتنا، بينما في هذه المرحلة قد لا يكون هناك حتى فكر تأملي، بل غالبا هو فكر انفعالي عاطفي، بحيث تحولت الكتابات الفكرية في معظمها الى شكل من اشكال التعبير عن الذات من خلال انتماءاتها واهوائها، واصبح العديد ممن يسمون مفكرين، يمارسون الكتابة الابداعية بالتوازي مع كتاباتهم الفكرية، وكأن كلاهما مكمل للآخر، رغم ما يعرف من تناقض بين الخطابين الفكري العقلاني والابداعي الانفعالي، لكن ربما مع استبدال الواقع باللغة تصبح كلها كتابة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved