الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 29th December,2003 العدد : 41

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1424

مطالعات
محمد العيد الخطراوي في ديوانه الجديد:
«ثرثرة على ضفاف العقيق» ديوان شعري موشَّى بالعشق
عبدالحفيظ الشمري

الأديب الشاعر الدكتور محمد العيد الخطراوي قامة شعرية مديدة أنتج العديد من الأعمال وشدا بالعديد من القصائد على منابر الأدب والإبداع فكان شاعراً مميزاً، وخطيباً مفوهاً، فشعرية محمد الخطراوي تنطلق من ثقافة عميقة، وإرث تراثي كبير يجعله مجيداً ونابهاً، وجزلاً متوجاً بالعطاء الإنساني المتسامي فوق كل المحاولات الرامية إلى التقليل من قيمة الإنسان.
الشاعر في هذا الديوان ينزع إلى استعراض حالة الإنسان في ظل هذه التحولات العنيفة والخطيرة؛ لنراه وقد مد جسور قصائده ليلوح لذلك المد المتعاظم من ألم الإنسان وحزنه.
لا يبتعد الشاعر الخطراوي كثيراً عن هذا المفهوم حيث يوظف العديد من الصور التي تعكس تعلقه بالمكان «العقيق».. ذلك الوادي الذي أصبح له معالمه الواضحة في شعرية القصائد، لنراه وقد استبطن فكرة المكان كملهم؛ بل إنه لم يشأ أن يطرق «المكان» بوصفه حالة تقيم فوقها رحابة التاريخ إنما جعلها عدة صور تؤكد حاجة «الإنسان الشاعر» إلى هذا الاستبطان الدلالي للمكان.
أولى صور عشق المكان لدى الشاعر محمد العيد الخطراوي هي تلك المباهاة الآسرة بمدينته المشرقة بمعاني الحياة، وبما تحمله من قيم قديمة وحديثة تسجل حضورها القوي في ذاكرة الرواية شعراً ومقولات.
مدخل الديوان شعرياً يعكس ربما ما ذهب إليه وما ذكرناه وهو «شعر العشق» لدى «الخطراوي» حيث ساق في قصيدة «رسالة إلى عروة بن الورد» عواطفه النبيلة نحو المكان «يثرب» وما حوته من تاريخ يعد بحق مادة لا تنضب ولا تبلى رغم تقادم عهدها؛ ففي القصيدة بعد تصويري لفضاء العلاقة بين الشاعر وعالمه ممثلاً بما استدرجه من التاريخ العربي الذي سجلته مدينته الزاهية في عينيه دائماً:
«توقف قليلاً أبا الوردِ
وادع جميع الصعاليك حولي
كما كنت تفعل في الأزمات
وفي الغزوات
وأطعمهم بعض عزمك
ثم أعرني حصانك
حط بكفي سيفك
ضع قلبك اليدوي بصدري
الديوان ص19
مقدمة الديوان.. حديث المكان..
الشاعر الدكتور محمد الخطراوي حينما يهجس نثراً يريد أن يصور حالة عشقه للمكان «العقيق» بل يتعداه إلى المكان الأشد حميمية «المدينة».. تلك المقدمة التي يصوغ عنها الشاعر الخطراوي تعريفاً شاملاً لوادي العقيق ولاسيما بعده الجغرافي.. بل أن يعرج بالقارئ على أبعاد هذا الوادي تاريخياً حيث يعدد روائع هذا المكان وجماله منذ الجاهلية مروراً بصدر الإسلام إلى عصرنا الحاضر؛ لنرى الشاعر وقد أخذ على عاتقه الإبانة والاطناب في شرح تفاصيل تلك الجماليات التي ذكرها هو، وذكرها من قبله من الشعراء والأدباء فكانت المقدمة للديوان نافذة ترينا القصائد؛ وما أراد الشاعر قوله لا يخرج عن هذا المفهوم الذي سجله في المقدمة.
مواطن الألم.. روح النقد..
لا يترك الشاعر الخطراوي مفردة الخطاب الإنساني النبيل.. ذلك الذي يعيد وعلى نحو بديع رغبته في غرس تلك الرؤى الحالمة لعلها تحقق غرض القصيدة فهو يضمنها وبطريقة بارعة إضمامات من مقولات خالدة أو مقاطع شعرية سابقة لتأكيد التعاضد التاريخي بين قصيدته والثقافة التي يقترف منها مفردته الشعرية:
ظمئت إليك
إلى كلماتك تغرسني شجراً
في حقولك
تصنعني مطراً
تتلألأ حباته في يديك
ثماراً
وفي شفتيك رحيقاً
الديوان ص51
في رؤية الشاعر محمد العيد الخطراوي انشغال في نقد الواقع؛ لكن هذا النقد لا يأتي صدامياً مكشوفاً إنما يأتي على هيئة عاتبة تصور فداحة المعضلة التي يعيشها الإنسان المسلم العربي الذي سردته العديد من النكبات وأصابته العديد من الكوارث فلم يعد أمام الشاعر إلا أن يشير إليها موضحاً حقيقة هذا المأزق الإنساني والأخلاقي الذي أصبحنا نعيشه الآن، لنراه وقد دلل على ذلك في قصيدة «لقطة مسموعة» حينما صور لنا بشاعة الحرب التي نغص الطرف عنها مكرهين حينما يصف «حالنا» و«مآلنا» الذي يسجل أشد مراحل ترديه وتهاويه.
ويورد الشاعر محمد العيد الخطراوي العديد من القصص الإنسانية المعبرة في سياق إنساني يكشف حجم وقدرات هذا الشاعر الذي أخذ على عاتقه مهمة تقديم شهادته على الواقع الذي بدأ يصبح أشد تهالكاً وتضعضعاً وقسوة.
«ثرثرة على ضفاف العقيق» ديوان يحمل رسالة موحية تتلخص بأن شاعرنا الرائع يود ويرنو إلى إبراز الحقيقة التاريخية في همنا العربي الذي ظل الشعر هو الشاهد الوحيد على مراحل قوته حينما الإنسان، وعلى حالات ضعفه حينما تخور قوى الخير في الإنسان أيضاً..
إذن نحن في ديوان الشاعر الخطراوي أمام معادلة الشعر الذي يقدم شهادته التاريخية منذ المقدمة في أول الديوان إلى تلك القصص التي تتواثب بين أبيات القصائد موحية وملمحة إلى حجم هذا العناء الذي نعيشه ونتمنى على لسان شاعرنا الفذ أن تنقشع غمامته ليسود البهاء والجمال والأمان.
إشارة:
* ثرثرة على ضفاف العقيق «ديوان».
* د. محمد العيد الخطراوي.
* دار الكنوز الأدبية بيروت 2003م.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved