أنا وأبو تمام عبد الله الوشمي*
|
يتصل نسبي بأبي تمام من خلال الأب الشعري المشترك بيننا، ولم أزل استحضره كل حين، فهو فاتحة القول وخاتمته، وحين يستيقظ أبو تمام في داخلي فإن الشعراء جميعاً يتوارون عنه، فهم الحاشية وهو ملك الشعر كما جاء وصفه في إحدى أغلفة المخطوطات.
كان قدرا جميلا لي أن يتجه بحثي في مرحلة الدكتوراه إلى الشعر العباسي بكل ما فيه من فتنة، تلك التي كان ممثلها الأكبر: أبو تمام، وقد استمرت فتنة الناس به حتى يومنا هذا، وهو ما ألزمني أن تنحو رسالتي منحى نقد النقد، فلم يكن أبو تمام هو الحاضر الوحيد والمستبد في رسالتي، وإنما حضرت عقول أخرى، كانت تصطدم به كل حين، كالآمدي والجرجاني والمرزوقي والمعري وابن المستوفي وغيرهم كثير، وكنت معنياً بتفتيق القول في هذا الطريق الرحب والصعب.
القصيدة عند أبي تمام سيدة أسطورية الجمال، وأسطورية التمنّع، وهو في صعوده إلى برجها اللؤلؤي يجتهد في أن يصل إليها وأن يحملها معه للسقف الأعلى، فهو بحاجة أن يبلغ شأو الشعر كما يقول: (سأجهد حتى أُبلغ الشعر شأوه)، وأن يكسر أفق التوقع الذي ينتظره القارئ العادي، إنه يريد أن يصنع قارئاً حديثاً، فلم يعد يقنع بالقارئ الصامت المطيع المهادن، وإنما يسعى إلى القارئ المشاكس الذي يستجيب استجابة واعية للمدهش من القول، إن أبا تمام يجترح ويصنع منهجاً جديداً في قول الشعر، ومنهجاً رديفاً له وهو منهج فهم الشعر، فالقيمة كلها تتلخص عنده: في (لم لا تفهم ما يقال؟).
إنَّ البحث في أبي تمام وتفتيق القول في أضابيره هو بالضرورة بحث في جوهر الشعر العربي وتعرض لقضاياه كلها، قدامته وحداثته، لفظه ومعناه، سرقاته، تأثره وتأثيره، ومن هنا يصح قول البهبيتي: إن إسقاط شعر أبي تمام من الشعر العربي هو إسقاط لجزء ثري من مقومات المسلم والعربي التي لم يحفظها إلا هو!
... وصدق البردوني:
حبيبُ وافيت من صنعاء يحملني
نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
awashmi@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|