الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 30th January,2006 العدد : 138

الأثنين 30 ,ذو الحجة 1427

خطاب الأنا العربية بين التقليل والتضخيم
(قراءة في وعي الشخصية العربية) «10»
سهام القحطاني
لقد أضحى كل سلوك وفكر ناتجين عن المجتمع النفطي الخليجي، يأثلم بطريقة مقصودة من قبل هؤلاء المثقفين المرتزقة ليثبت للجميع عدم استحقاق هذا المجتمع الثروة التي منحه الله إياها، والغريب أن هؤلاء المثقفين كانوا ممن عملوا في دول الخليج (وكونوا مداخيلهم وحتى ثرواتهم منها، ثم أصبحوا أكثر الناس تهجماً عليها) - مساءلة الهزيمة - محمد جابر الأنصاري - ص 76. إن النفط إشكالية على مستوى النخب الثقافية العربية الدكتاتورية، لم يتأثر بها وعي الشخصية العربية الشعبية، وفي المقابل أبناء الخليج لا ينكرون فضل الأشقاء العرب، فقد تعلموا على أيديهم وزارهم الشفاء على أيديهم، كما أن المجتمع الخليجي النفطي كان وما زال السبّاق لمدّ يد العون والمساعدة لأشقائه العرب ومعاونتهم في النهوض بخططهم التنموية، ولعل دور السعودية السياسي والاقتصادي والمعنوي مع لبنان الشقيق في إنقاذه من أزمة حربه الأهلية ومساعدتها الجبّارة الاقتصادية في إعادة إعماره وانتعاش اقتصاده لهو نموذج تاريخي لدور المجتمع الخليجي النفطي في إحياء المجتمعات العربية المتهالكة التي ما زالت تجتر المجد عبر تاريخها الميت، وهو ليس الدور الأوحد للسعودية في إحياء الدول المتهالكة تنموية فلها دور في مصر واليمن والصومال.
إن النفط الذي حوله هؤلاء المثقفون إلى مسبّة ونقص في وعي الشخصية الخليجية، لا ينقص من ثقة وعي الشخصية العربية بأصالتها، ولا يزعزع روابط المحبة والتراحم بين الشعوب العربية ذات النية النقية، فأبناء الخليج هم عرب الأصالة قبل النفط وبعد النفط.. وستظل قيمتها تنبع من الأرض لا من البترول.. أنا هنا... قبل بئر النفط كنت هنا.. قبل البدايات.. قبل الريح والحقب (عبد العزيز العجلان) وإذا (كان ثمة سوء استخدام للثروة في بلداننا، وهو واقع نملك الشجاعة للاعتراف به، إلا أنه شأن داخلي من شؤوننا لنا وحدنا أن نقوّمه ونصلحه، دون وصاية أحد، كما أصلحنا شأننا أيام الشدة والقحط، بجهدنا المتواضع دون نجدة من أحد.. ورحم الله امرأ أصلح بيته قبل أن يمد يده إلى بيت أخيه) - مساءلة الهزيمة - محمد جابر الأنصاري - ص 72 ووجد هؤلاء حرب الخليج الأولى واعتداء دولة عربية على دولة عربية فرصة لبث سمومهم وحقدهم ووقوفهم مع الظالم ضد المظلوم، ليكرروا اللعبة ذاتها، المشي على الحبل، لكن ذكاءهم هذه المرة خانهم في اختيار الورقة الرابحة.
ما أن اقترب المجتمع العربي بوعيه مختلف الدرجات (السياسي والثقافي والشعبي) من الشفاء من هزيمة 1967م، حتى أصيب بصدمة جرّت بعدها كل الصدمات لتتكرر سيناريوهات الأزمات، حتى يومنا الحاضر. وجاءت اتفاقية (كامب ديفيد) بين أنور السادات وإسرائيل، أعتقد أن وعي شخصية العربي الثقافية في حاجة إلى مراجعة القراءات التي أصدرت في تحليل نص هذه الاتفاقية، مراجعة بعيدة عن العاطفة القومية، عقلانية وموضوعية لموقف السادات من كامب ديفيد. لقد نظر السادات إلى هذه الاتفاقية كإجراء إصلاحي سلمي لدولة أنهكتها الحروب واستنفدت شبابها واقتصادها، كما أن السادات وجد أن سياسة (طول النفس) استراتيجية منطقية تعلّمها من عدوه الإسرائيلي، ولا عيب أن نتعلّم من أعدائنا ونتعامل معهم بالاستراتيجية ذاتها، كما أن السادات ليس الزعيم العربي الأول الذي يضع يده في يد قائد إسرائيلي، فسبقه إلى ذلك الشريف فيصل بن الحسين، ويتكرر اليوم موقف السادات مع بعض رؤساء العرب الأشقاء، سواء في العلن أو الخفاء، والقومية العربية لا تحرك ساكناً.
لا شك أن اتفاقية كامب ديفيد أسهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إيجاد احتمالات لتغيير المفاهيم القديمة المترسبة داخل وعي الشخصية العربية السياسية والثقافية والشعبية.
لقد مثلّت مقاطعة العرب لمصر في عهد السادات، ونقل مقر جامعة الدول العربية منها، موقفاً سياسياً صريحاً لرفض العرب هذه الاتفاقية لينقسم العرب إلى قسمين؛ قسم مؤيد للاتفاقية سراً، وقسم معارض لها معتبراً إياها خيانة قوميّة. ولم يشف غليل العرب - بنخبهم السياسية والثقافية والشعبية المعارضة هذه الاتفاقية - إلا اغتيال السادات كجزء عادل لخيانته القومية العربية.
أما النخب الثقافية أيضاً بدورها انقسم إلى قسمين، مؤيد للتطبيع مع إسرائيل، وقسم عزف على لحن الخيانة القومية والعمالة والتعاضد مع الإمبريالية، ولعلي أزعم أن هذه المرحلة هي مرحلة تأسيس بذور الفكر الإسلامي التطرفي الإخواني الذي اكتمل خلقه وأتم طفولته بداية الثمانينيات الميلادية في مصر، لينضج ويشتدّ ذراعه وساقه في أفغانستان؛ لأن خبرات هذا الفكر المتفرقة في البلدان العربية وضعت رحالها في أفغانستان، فحضر الجميع، المؤسِس والمرشد والأستاذ والمعلم والطالب، وتكونت هنالك دولة الإرهاب، بقيادة جماعة طالبان وأسامة بن لادن وتلاميذه.
لعل القراءة الأخطر لنص اتفاقية كامب ديفيد هي الاحتمال الضمني لإعادة تشكيل علاقة العرب مع إسرائيل، لكن هذه المرة لا بوصفه عدواً ومحتلاً ومغتصباً، بل بوصفه شريكاً سياسياً وجاراً جغرافياً، وحليفاً ثقافياً. وهذا المعنى الضمني الناتج عن كامب ديفيد أربك وعي الشخصية العربية الشعبية، فلم يستوعب دلالة التحوّل من مفهوم الكره للعدو التاريخي المغتصب، إلى مفهوم الرضا في شكل التطبيع مع ذلك العدو، وهذا التحوّل خفف نبرة الكره ضد إسرائيل عند الأجيال العربية المتلاحقة، وأجاز التطبيع الثقافي معه، أو على الأقل أدخل إمكانية فعل التطبيع في المستقبل.
إن التطبيع مع إسرائيل كجار جغرافي حقيقة - اعترفنا بها أو رفضناها - أصبحت خطوة حيوية نحتاج إليها كعرب لإعادة تشكيل فلسفتنا في التعامل مع عدونا؛ لأن المقاطعة هي ضرب من الهذيان في زمن العولمة والقرية الكونية الواحدة، فخير لنا أن نُشكّل مفهوم الآخر عنّا بدلا من أن يشكّلنا الآخر مفهومنا عن أنفسنا، لكن يبدو أن رواسب القومية داخل وعي الشخصية العربية النخبوية، لا تزال تعوق القناعة العقلانية والموضوعية لأهمية التطبيع مع إسرائيل. ثم جاء اجتياح إسرائيل لبنان سنة 1982م والحرب اللبنانية الأهلية، وإن لم يتجاوز أثرها حدود وعي الشخصية العربية المحليّة اللبنانية. وأما حرب أفغانستان فلعلي أزعم أنها مؤسسة لكل الأزمات فيما بعد؛ فقد أضافت هذه الحرب مفهوم (الجهاد) إلى معجم وعي الشخصية العربية الشعبية الواقعي في مقابل حذف مفهوم (المقاومة - النضال) ذي الصياغة القومية.
إن الانتقال من مفهوم المقاومة والنضال المحذوف إلى مفهوم الجهاد المضاف، إحدى ركائز الفكر الإسلامي التطرفي، وتبادلية بين المحذوف والمضاف كانت تهدف إلى هدفين (حسبما أعتقد):
الهدف الأول: توحيد مفهوم المسلم العاصي مع الكافر، ودلالة التوحيد ها هنا تساوي في الاشتراك في الحكم، وهذا الأساس الذي قامت عليه نظرية التكفير، وبناء على هذا الاشتراك، يتوحّد الحكم الشرعي، فكما يجب محاربة الكافر وقتله، أيضاً يجب محاربة المسلم العاصي وقتله.
الهدف الثاني: اللا مكان. إن إلغاء خصوصية المكان من وعي المنتمي إلى هذه الحركة، وتفعيل هذا الإلغاء كان يعني تفريغ المنتمي من عواطفه الوطنية الخاصة، وتعبئتها بهواء كليّة المكان للتأثير في استجابة التنفيذ.
إن الفرق بين الجهاد والإرهاب أن الإرهاب يوهمك بأنك تملك (كل مكان) ولا تنتمي إلى أي (مكان)، إنها فلسفة تضخ داخل الوعي سلطة التأله، فتجده يتحرك خارج منطقة الفعل الإنساني، وفوق مسئولية العارف.. سلطة ومسئولية وهميتان تغري قدرة الاستجابة بطاقة مغناطيسية تنجذب إلى كل قطب سالب.
إن لفعل الجهاد - كما تسميه هذا الحركة - مسوغين، مسوّغ انتقامي، وينفذ في المجتمعات التي تعاني من الحروب، ومفهوم الحرب عند هذه الحركة ذات صيغة ميكافيليّة، ومسوّغ إصلاحي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في المجتمعات السلميّة. وأعتقد أن قاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من القواعد الإسلامية التي لم تفهم بالطريقة الصحيحة، وتعلّم بطريقة خاطئة، ويقوم على تنفيذها أنصاف المتعلمين، خاصة في السعودية، مما جرّدها من وعيها الإصلاحي، إن الأهم هو كيف نزرع داخل وعي الشخصية العربية أهمية الضمير والوازع الديني ومعايير الخطأ والصواب، حينها سنجني الناتج الإصلاحي لهذه القاعدة، أجدر من التطبيق الساذج لقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ربّت لحم أكتاف الإرهابيين لدينا.
(يتبع)


seham_h_a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved