الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 30th January,2006 العدد : 138

الأثنين 30 ,ذو الحجة 1427

أعر اف
عودة الشعر والروح!!
محمد جبر الحربي

كانت ليلة من تلك الليالي التي يعجنها الحب فلا تعرف الكراهية ولا الحقد ولا الأذى ولا الألم طريقاً إليها. ليلة شعر ودفء ومحبة ووئام والتقاء تجارب وخبرات وأذواق في فضاء أعده بل رسمه حسين الجفال ومحمد الفوز وفاضل عمران وآخرون تدفعهم دفعاً جميلاً الرغبة في أن يعود الألق،وفي أن تتواصل التجارب الجديدة مع من سبقها دون اشتراط أن يكون الأفضل مرهوناً بأحد،فلا أفعل تفضيل هنا،بل نوافذ صادقة على الوطن بكل حقوله وأشجاره.
كان الترتيب والإعداد مدروساً إلى درجة دقة الساعة،وكان الحضور راقياً ملوناً بجمال أهلنا في المنطقة الشرقية. أصدقاء قدامى،شباب،شابات،ونساء حضرن من مسافات. زوجات وأزواج،عائلات،أدباء وتشكيليون ومسرحيون وصحفيون.
في تلك الليلة لم يعد الشعر أكبر همي بقدر ما كان حضن كل الوجوه.. من هم في خطي،وضمن ذائقتي،ومن يختلفون معي،ومن يكتبون بماء آخر.
كان هناك الدمينيان والسبع والغزال وحضور ابتسامةٍ ومفارقات.
وكان هناك جبير المليحان.. الأستاذ الحبيب. كان مكي واليوسف وعبدالله الجفال ومدارس ومغارس وأفكار شتى.
وكان هناك حضور نسائي متنوع من التشكيل إلى الأدب.
كان الحضور مفرحاً باختصار،والهدف هنا ليس سرد الأسماء وترتيبها،فمكان الجميع القلب نساء ورجالاً متفقين ومختلفين فالمثقفون والمبدعون يحبون ولا يكرهون.
عدد المدعوين خمسة وتسعون،والحضور مائة وخمسة حسب المنظمين.
قصيدة زمان العرب أثارت استياء أربعة،انسحب أحدهم من الأمسية،لكن ذلك لم يكن الحدث الأبرز،فالأمسية لوحة رائعة شارك في رسمها الجميع. لكنك عندما تتابع بعض التغطيات الصحفية تجد العجب العجاب فتقرأ مثلاً: انسحاب بعض الحضور احتجاجاً (الوطن 17 ذو الحجة).
الحقيقة لم تكن كذلك،ولكنني أجد العذر للصحفية المحبة والمجتهدة زينة علي لصغر سنها وتجربتها،فحتى اسم القصيدة لم يكن صحيحاً. ولكنها ممن حضروا الحوار الصحفي ولم تسمح لها ثرثرتنا نحن الرجال إلقاء أسئلتها،وأنا لست عاتباً عليها بل أشد على يدها لتكون صحفية أفضل في المستقبل، فنحن بحاجة لكل الطاقات،كما أتفهم رغبة الصحيفة في الإثارة.
الأمسية بعيداً عني مكنت النساء من الحضور والمشاركة الفاعلة،ومكنت الصحفيين والشعراء الشباب من طرح الأسئلة والنقاش في حوار عائلي جميل.
أعترف أنني كنت مرتبكاً في البدء بسبب جمال وكثرة ونوعية الحضور،كنت ساهماً سارحاً أكثر مما كنت قارئاً في البدء.
ولكن أعتقد أن الجو الشعري فرض نفسه وانطلق بعد ذلك.
ذهبت إلى الشرقية محملاً بالحب والشوق والتوق والشعر،فوجدت أنني أخذت أكثر مما أعطيت.
رحلة الـ 24 ساعة كانت رحلة إحياء للذاكرة،وحضور فرح طالما غطى الحزن نوافذه. نعم إنني حزينٌ على أوضاع أمتنا،حزين على الشهداء والأسرى،وعلى الحضارة التي تدمر،والهوية التي تستقصد من قبل قوى الشر.
حزينٌ على سنواتٍ قوبلت فيها بالأذى والجحود لكنني لست بنادمٍ على شيء إلا على وقت أضعناه لم نساهم فيه في مد الوطن بإبداعنا إلا أنه لم يكن في يدنا من الأمر من شيء. وأصدقكم القول بأنني اليوم وكما قلت لأهلي في الشرقية فرحٌ،وسأطرح الأمل كقيمة بديلة للحزن والانكسار لأنني أرى مشاريع سلخنا من هويتنا وحضارتنا العربية الإسلامية تتهاوى تحت مطارق المقاومين الرافضين للاستلاب،كما أرى محاولات الانسلاخ وتذويب الهوية عبر من باعوا ضمائرهم منا تذهب هباء لصلابة الأرض وأهلها المنتمين لها،المتشبثين بها وبقيمهم.
وفرحٌ لأنني أرى وطني هنا قد قرر التغيير نحو الأفضل،وأنه يتحاور مع الداخل والخارج،وأنه يفتح النوافذ،وأنه يثق في أبنائه وبناته،وأنه يدرك حبنا العظيم له،وحبنا الكبير لأوطاننا.. وأن قصائدنا وكتاباتنا كانت ولا تزال بدافع الإيمان والحب،والغيرة على قيمته. وأن التفسيرات المضللة لم تهدم تجاربنا،ولا كممت أفواهنا،ولا أثمرت في خلق قطيعة بيننا وبين منظومات المجتمع،أو منظومات الدولة. لقد قلت أكثر من مرة وها أنا أكرر فأقول: لست حزبياً،لم أنضو ولن أنضوي تحت أي شعار. لم أوزع منشوراً ولن أوزع منشوراً أياً كان. لم أحمل سلاحاً ولن أحمل سلاحاً إلا إن هُدد وطني الحبيب - لا قدر الله.
لست شيوعياً ولا ليبرالياً ولا علمانياً ولا بعثياً ولا ناصرياً ولا حداثياً ولا أحب التسميات والتصنيفات. أنا شاعر عربي حديث يكتب بلغة عربية مبينة،مؤمن بالله دون أن أسمح لأحد أياً كان أن يشكك في إيماني وعقيدتي،أو أن يسلبني أو يشوهني،وقد آثرت أن أترك من رماني بأي تشكيك أو آذاني في رزقي،أو استعدى عليّ،وأساء إلى سمعتي،قذفني،أو تكسّب من إلصاق التهم بي... أتركهم لله،إن الله يهدي من يشاء،ولكنني ماضٍ في المطالبة بحقوقي طالما لم يثبت أنهم ندموا على ما فعلوا وسحبوا الأذى من الطرقات،طرقات المعرفة،ومكتباتها،ووسائل بثها.
وأنا مؤمنٌ بأمتي وحضارتي الإسلامية،ومؤمن بعروبتي،فخور بأنني عربي ابن عربي،لي الحق أن أرى أن لغتي العربية،وحضارتي العربية الإسلامية من أعظم اللغات والحضارات،ولي الحق في أن أموت عشقاً فأراها الأعظم.
فرحٌ بمواقفي والتزامي وثباتي،وقد التزمت بقضيتنا المركزية الأم فلسطين،ورأيت أن كل ما حدث بعدها من حروب ناتج عنها،وأرى أن الاحتلال كما تقول الأمم المتحدة،ولا يسميه كذلك مثقفون كنا نعتز بهم،هدفه مسخ الهوية،وتذويبها،وتدمير بيت الحكمة،وكسر الصمود والشموخ العربي بروحه الإسلامية،وكل ما يمثل حضارتنا العظيمة،وليست دمشق مركز الحضارة الأموية ببعيدة عن مشروع صهيوني مماثل إن لم نحترس.
وقبل كل ذلك فخورٌ وفرِحٌ لأنني أحببت أهلي ووطني،وآمنت بقدرتنا على التغيير،وأن لدينا طاقات وطنية في كل المجالات ينبغي تفعيلها،وأن علينا أن لا نهاب من الأسئلة ولا الأجوبة،وأن علينا أن نترك النوافذ والقلوب مفتوحة لكل المبدعين فهم لا يحملون السلاح،ولكن يحملون الوطن وهمومه على راحاتهم،وإن اضطروا حملوا أرواحهم على راحاتهم دفاعاً عنه. شكراً لمثقفي الشرقية وأهلها.
شكراً للوطن الحاضر في كل دقة قلب،وذرة هواء.. أو تراب. شكراً للشعر الذي أعاد بهجة الروح وبوارق الأمل.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved