الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 30th January,2006 العدد : 138

الأثنين 30 ,ذو الحجة 1427

الحب بين فلسفة الإبداع والزواج المدني
يقول شوبنهور: (تجربة الألم في الحياة لا يوجد سوى طريقتين للتخلص منها: إما الزهد والاندماج في حالة من التصوف العميق، وإما الفن، أي أن تغرق أحزانك بالفن).
فيقع الحب ضحية على مر العصور لأقلام المبدعين، وتارة يخبو فيشبه السديم، حيث يحرك مشاعر ويفني أبدانا ويبيد إمبراطوريات قامت باسمه وهيمنت على سلطانه، حيث يقول انطوان تشيكوف:
(إذا كان بوسعك أن تحب، ففي وسعك أن تفعل أي شيء).
إن المبدع الرومانسي أحيانا يرى أن الحب الفاشل (التراجيدي) بوابة الإبداع وانطلاقة التحدي، ذلك لأنه يغذي فيهم ذلك الشعور القريب إلى نفوسهم، ألا وهو الشعور بالحزن العميق.
وهذا النوع من الحزن هو منطق طبيعي لاحلام خيالية اصطدمت بقوانين الواقع، ولو عدنا إلى الاندماج الأدبي الرومانسي المعروف لوجدناه مستمدا من عذاب (الحب الفاشل).
ففي (غادة كاميليا) لألكسندر دوماس يفشل الحب بسبب معارضة الأهل، أي أسرة البطل، لزواجه من حبيبته بسبب سمعتها السيئة.
وفي (هيلويز الجديدة) لجان جاك روسو يموت الحب بن الحبيبين لاختلاف الطبقة الاجتماعية بينهما.
وهكذا يصطدم الحب دائماً بصخور العقبات فيصبح ألماً باكياً وحزيناً، بينما يشعر البعض بأن معنى الحياة هو الحب الحقيقي، بل إن الموت لا يصبح موتا الا لأنه يقضي على الحب، كأن الحب عند المبدع قد أصبح معنى جميلا للحياة أو أحد مرادفات الحياة.
يمكننا تذكر بعض الكلمات:
(لست يا أمسي أبكيك لمجد أو لجاه
إنما أبكيك للحب الذي كان بهاه
يملأ الدنيا ويملؤني صداه)
فينقسم الحس الإبداعي بين الرجل والمرأة.. فبينما يرى المبدع حسناءه الجميلة أنها الملاك الذي يهبط من عالم الخيال السحري ليشفي الجراح، ويحمل رحيق الوجود إلى القلوب التي تبحث عن مأوى وتحلم بالدفء.. ترى سيدتنا المبدعة أن فارسها رجل مثالي من صنع الخيال يتكون من أطياف من أحلام، وهو ليس من جسد، ليس مزيجا من الخير والشر، بل من الخير المطلق والصفاء الحقيقي، وأنه لا يختلط بأي من معاني الوجود الحسية، بل هو روحي شفاف يسمو فوق نداء الغرائز.
ولكن لماذا التأسي بالآلام والسمو بالخيالات، بينما واقعنا المملوء بوجوه الأحبة قد سئمنا منه؟؟..
لماذا كل ما آل إلينا جرح من حبيب أو قريب صرخنا في أعماقنا أننا لسنا مع الأشخاص المناسبين؟؟..
لماذا نلجأ إلى أحبة مثاليين قد عمروا أعماقنا بأوهامهم، بينما نقسو على من يسكنون بيننا ويعيشون على كوكب مشاعرنا؟؟..
اكتب عن الواقع أيها المبدع.. انهمك بمجتمع قد تفشت فيه ظواهر الهزيمة العاطفية.
فالحب مشاعر سامية تتولد من أعماق الطهارة في الكيان البشري.. إنه المثالية بحد ذاته، الشفافية بكل منطق، فلا يكاد يلمس الأرض فهو يطير عاليا، نقي لم يلوثه التراب، أو تشوه وجهه تلك التجارب.
ربما كانت هذه النظرة إلى الحب هي السبب الرئيسي في إقرار الزواج المدني في المجتمع المسيحي الأوروبي.. والزواج المدني هو ثورة على القوانين التي تجعل الزواج المسيحي صداقة أبدية.
كما يرى البعض في مجتمعهم أيضا قوانين (البؤس والعبودية) التي تعزف على المرأة الاستمرار في الزواج حتى لو اكتشفت أنها لا تحب زوجها.
من هنا يقرر دين الكمال وجوهرة الأديان قانون حفظ المشاعر ونبل الأخلاقيات العاطفية بين الرجل والمرأة.. بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، وفي حالة نفور الأحاسيس، وطغيان البُعد يقرر هذا الدين حفظ الكرامة للطرفين مجددا، في قوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.


عائشة جعفري
عضو النادي الأدبي بمدينة تبوك

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved