الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 30th January,2006 العدد : 138

الأثنين 30 ,ذو الحجة 1427

عواض العصيمي في (قنص) سردي
ذاكرة الحكاية تستميل (هذلا) نحو مزيد من البوح اللاعج
مطالعات -عبدالحفيظ الشمري:
رواية (قنص) للأديب الكاتب عواض شاهر العصيمي شهادة أخيرة تأتي على نحو وصية لشيخ معمر تلفه غمامة الرحيل دون أن يفصح مكنونها لمن حوله.. على نحو ما انباجت عليه معضلة (نويشر) حينما قضى بين يدي (هذلا) إذ إن الحكايات بعدها تتواثب منبئة عن مزيد من الغواية، والايغال في مفازة السؤال عن سر هذا الولع الدفين في مداومة الحياة بين أشياء لا تقبل الحياة.
ذاكرة الحكاية في رواية (قنص) تذهب نحو بعد استنطاقي لجميع مفردات حياة الصحراء، ذاكرة تكتظ بالعديد من الرؤى والمقولات التي لا تأتي متباينة التأثير، خيالية المنطق إلا أن في الأمرين قوة تدفع للاعتقاد بها..
البوح اللاعج يبني وجوده مغضباً من مآل الحكاية نحو خطر ماحق يشي بفنائها، وتواريها عن الذاكرة رغم استجلاب الحكاء المفوه أعني الحكايات، وأقسها على نحو ما نطالعه في تسلط (الدربيل) ونرجسيته الواضحة.. تلك التي تكون ضحاياه غالباً أو دائماً الفتيات البكر، فذلك أمر قد يفوق أن تأخذ (هذلا) دور القلق العاصف، بل تصبح رمزاً لرعب حقيقي يقود إلى القنوط واليأس.
(نويشر) ليلة عرسه أسطورة هشة، تلتقط فتات أسطورة (الدربيل) الماحقة، في وقت تظهر (هذلا) مدفوعة بقلق عارم من أبيها الذي لم يعد له هم سوى أن يتجنب المحظور الذي يراه بين فينة وأخرى، ليصح الرجل وابنته واجهة تعرض عليها منغصات القبيلة التي تداري سوأة التاريخ بغطاء من مراوغة تطيل عمر البقاء.. إلا أن الوقت لم يحن أن يصبحوا أقوى من أحزانهم، وآلامهم التي يبثونها على نحو متناعم تحفظه الحكاية كابرا عن كابر.. مجد حكاية تمد فسحة الأمل على هيئة وعد كاذب.
يستقصي الروائي عواض العصيمي أدق التفاصيل في الصحراء التي تترامى بأهلها، وبحياة مجالدة خبيئة يعجز الانسان عن أن يحيط بأبعادها، بل نراه وقد تفنن في عرض العديد من الصور المعبرة على نحو ما تجاذب القوم حكاية قتل (هذلا) لزوجها العجوز، حيث ظل المشهد آسراً وشيقاً بفضل لغة السرد التي انتهجها الكاتب. هذا الاستقصاء مرده أن الكاتب العصيمي ينهل من معين موسوعي، يتدفق حكايات برية، ويضوع عبق حلم سادر على المفاوز، والكثبان، لحظة أن تكون الليالي معبأة بحكايات الخلاء على نحو ما ذكره الصياد، والراعي، والعابر وشخوص يجوسون خواء الأمكنة مثقلين بوصايا الأولين، وحكايا الحياة المعاندة حيناً، والمهادنة حيناً آخر.
أصوات أخرى تقتحم عوالم الرواية.. يرى فيها عنوان الرواية (قنص) انصات إلى حوارات متعددة تنبئ عن صور مكتظة بالشقاء تفصح عنه (هذلا) ومن ثم تزدهر المقولات وتأخذ بعدها التأثير على لسان (فرحان القناص) الذي يبرع في اصطياد الحكاية قبل أن يصطاد طائر قمري مهاجر أو مستوطن.
لم تكن هناك أحداث جسام تتساوق في الرواية نحو تأزيم متوقع في ظل عنصر المفاجأة الذي تختزنه الصحراء عادة.. ذلك المدى الأرحب لأن يأخذ الصياد الماهر فرصة كاملة غير منقوصة خلف الطرائد.
القناص فرحان يمر في تمرحل طبيعي ينطلق من ضرورة أن يكون ابن الرمال سنداً قوياً للحياة التي تعشق المفاجأة، وترتاح كثيراً إلى الشقاء باعتباره مادة للحياة في الصحراء.. بل إن طرائد الرمل هنا وهناك لها من يقتفي أثرها حتى وإن كانت نائية قصية.
رواية (قنص) مفهوم شيق لمعنى أن تكون الحياة على هيئة قناص وطريدة.. ليرسم العصيمي من هذه المعادلة حجم التباين بين ما هو مأمول بأن يصلح، وبين ما هو ذاهب إلى الفناء بمحض مباركة شقية لمآل الحلم إلى الضياع.
وصف دقيق يتكئ على ما تخبئه ثقافة الموروث الذي يصوغ الحكاية تلو الأخرى دون أن يجعل لهذه الاستشرافات أخرى، كأن تتفاءل (هذلا) وأن يغني الراعي دون نبرة حزينة، وأن تصبح الحياة أقل يأساً وقنوطاً في ظل هذه المكابدات اليومية.
أفعال تحمل بشارات الخلوص من منغصات عديدة، تأتي على لسان الراوي حينما يستحضر صورة معاناة (ناشي).. ذلك الذي تنهكه مفازة القفر اللاهي عن كل شيء في الحياة.. قطيعه ظل مواظباً على استغلال حالة الأرض لحظة أن تكتسي خضرة الحياة ونضارتها (هذلا) سيطرت على فعاليات نص (قنص) وأثرى الكاتب ديباجة السرد بفيض عميم من مفردة الرمل الذي لا ينضب.. شأنه شأن ماء يفيض من أعماق أرض تختزن الحياة.. رواية تحفظ حق أهل الرمل بأن يبوحوا بما لديهم دون مقاطعة ويصنعوا من ألمهم مزيداً من الحب للأرض التي لا يمكن أن يتخلوا عنها رغم كل المثبطات والمعوقات.
إشارة:
* قنص (رواية)
* عواض العصيمي
* دار الجديد - لبنان - 2005م
* تقع الرواية في نحو (188 صفحة) من القطع العادي
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved