الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 30th January,2006 العدد : 138

الأثنين 30 ,ذو الحجة 1427

من الحقيبة التشكيلية
كان وقتها أصغر مشارك
محمد شبيب يلفت أنظار النقاد بأعماله المعاصرة
إعداد: محمد المنيف
وعدناكم في عدد سابق أن نستعرض رموز الفن التشكيلي العربي من خلال المبدعين المقيمين في وطننا الغالي من أشقائنا العرب، لهذا يسعدنا أن يكون ضيفنا في حقيبة هذا الأسبوع الفنان التشكيلي محمد الشبيب فنان من سوريا الشقيقة يقيم بيننا ويعمل معلماً في إحدى المدارس الأهلية لمادة التربية الفنية.. جاء ضيفنا من بلاد الشام محملاً بتحايا الأهل هناك إلى وطنه الثاني المملكة العربية السعودية، معبراً عن حبه لهذه الأرض بعطائه ولوحاته التي تحمل في ثناياها المشاعر الصادقة، فنان هادئ الطبع يقتنص الجمال من مساحات القبح بذكاء، يجمع عناصره من أبعاد تحمل الكثير من بقايا الذكريات المشبعة بعبق الماضي (الزمن والواقع) مهما تعددت أو اختلفت مظاهره.
تعرفت عليه من خلال إبداعاته قبل أن ألتقي به أو أكون أكثر قرباً من حقيقته التي كسب بها مودة الآخرين، أحسست بعدها أنه جاء إلينا كالفراشة يحمل بين أنامله رحيق زهور الشام ليحيلها إلى عطر نتلقاه بالأعين ونحتفي به في مخيلتنا، شاهدت أعماله أول مرة في معرض جماعي للفنانين السوريين أقيم في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية التابعة لمعهد العاصمة النموذجي بالرياض عام 1425هـ وكان لي من منطلق مسؤوليتي عن الصالة أن أتابع إعداد المعرض وترتيباته التي قام عليها الأستاذ عامر عبدالحي بإشراف السفارة السورية فأتيحت لي الفرصة للاطلاع على أعمال نخبة من التشكيليين السوريين المقيمين في الرياض عاصمة العرب وبيتهم الكبير وكان من بينها أعمال ذات خصوصية وملمح يفرض عليك الالتفات لها والوقوف أمامها فترة كافية لمعرفة قدرة صاحبها على إقناع الآخرين بأن العمل الجيد يفرض نفسه دون وساطة من صاحبه.
بدايةٌ وتجربة صلبة - بطبيعة الحال - لا يمكن لنا أن نحكم على إبداع فنان من خلال مبدأ النظرة الأولى دون البحث والتحري ومعرفة تجربته ومكانته وما قيل عنه والواقع أن ما كنا نحمله أو نتحدث به عن أعمال الفنان محمد شبيب في أول تواجد لها في الرياض لم يكن مخالفاً للحقيقة، وهذا ما يؤكد أننا قد أصبنا الهدف عند حكمنا على تميز أعماله فقد سبقتنا عليه أقلام كثيرة وأراء كبيرة لأسماء لها قيمتها في النقد والتحليل واستشراف المستقبل، خصوصاً عند تحرك محمد شبيب ودخوله ساحة إثبات الذات والمنافسة في المعارض في بلده الشقيق سوريا، كما جاء في سيرته الذاتية التي تشير إلى أن مشاركته عام 1997م في المعرض السنوي لفناني سوريا أحدثت تحركاً من قبل المتابعين والنقاد لأعمال فنان شاب يعد وقتها أصغر مشارك في المعرض هذا الموقف وتلك الآراء المنصفة له قدمته خطوات سريعة توجها بأول معارضه عام 1998م أي بعد فترة قصيرة من مشاركاته في المعارض الجماعية وهذا دليل قاطع على ما يمتلكه هذا الفنان من قدرات تحقق له التحرك نحو تحديد وحجز موقعه في رحلة الفن التشكيلي السوري).
المعرض الأول.. والسجل التوثيقي للمعرض الأول للفنان محمد الشبيب كان فرصة سانحة له لتقديم تجربته وفرصة لطرفين نقيضين أحدهما يرى فيه فنان متميز وطرف أقل قد يرى العكس ورغم اختلاف الآراء إلا أن أعماله حسمت النتيجة لصالحه حيث قال عنه أديب مخزوم في تغطية شاملة: (يسعى الفنان محمد شبيب إلى ترسيخ اللوحة كفعل ثقافي، ولهذا نراه يحور في الأشكال الإنسانية والحيوانية والمعمارية للوصول إلى لوحة فنية تتوافق مع معطيات اللوحة التشكيلية الحديثة، وتؤكد في الوقت نفسه هويته الفنية واستقلاليته وإبداعه وتطلعاته التعبيرية والجمالية) ويضيف مخزوم في مقطع آخر (يعالج الفنان شبيب أعماله بشغف عفوي يلتقط الأحاسيس المختلفة وتحولاتها الداخلية حيث يصبح الموضوع صيغة حوارية بين الداخل والخارج) ومن جانبه كتب رزق علوان حول أحد معارض الفنان شبيب قائلا: إن الفنان محمد الشبيب قد استأثر في معرضه باهتمام المعنيين من نقاد وفنانين تشكيليين مضيفا أن أعماله تتناول تجربة جديدة في توظيف البعد الرابع واستخدام الفن التجريدي بالواقعية الحديثة واستغلال الفضاء الخارجي للوحة أما حسين دعسة فكتب قائلاً: الفنان محمد شبيب من الفنانين الشباب الذين تميزوا في مسيرة الفن السوري المعاصر.
مسيرة واثقة الخطى لشبيب، تلك بعض العبارات المختصرة اقتنصنا منها بعض ما قيل عن الفنان محمد شبيب مع أن هناك الكثير سطرتها أقلام لنقاد وإعلاميين وفنانين آثار انتباههم ولفت أنظارهم لتجربته الشابة في بداية دخوله الساحة وهاهو اليوم اسم فاعل ورمز من رموز مرحلة الفن التشكيلي السوري الحديثة فنان مثقف واع بدوره الإبداعي يمتلك القدرة على التعامل مع منجزه باحتراف ويطرح التساؤلات في بصر وبصيرة كل من شاهد أعماله وإبداعاته.
ولد الفنان محمد شبيب عام 1970م ويحمل شهادة الماجستير من أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بدرجة امتياز له العديد من المعارض في سوريا وله موقع للوحاته من بين الأعمال المشاركة في المعارض العربية والدولية، يجمع في لوحاته بين الحس التجريدي والبناء الواقعي والكتلة النحتية مما أضفى عليها شخصية متميزة وقدرة على تجاوز الرتابة إلى مرحلة الديناميكية في بحثه عن الجديد يحرص على أن يعطي للعمل حقه من التكامل.. فاللون في لوحاته لا يأتي مباشرة دون أن يمر على مختبره الذهني ليصل منه إلى مزيج عائلي لا يمكن أن يتكرر إلا لديه، يحمل مشاعر الدفء والبرودة معا كمقطوعة موسيقية يشارك بها ألف عازف لا تشعر أن بينهما صوت نشاز، يبحث في مواضيعه عن أبعاد إنسانية مؤطرة بمسحة حزينة حيث نرى شخوصه الأنثوية شاردة الذهن عاشقة تحلم بشيء وبحبيب غائب، يجيد الفنان محمد شبيب التعامل مع العناصر بأسلوب مرن غير مبتذل أو مشابه لعمل آخر يشغل الفراغ بكتلة سابحة كالريشة ويحرك الكتلة برشاقة غيمة صيف تمطر ألوانا تعانق أشعة الشمس لتلد قوس قزح شاعري يلامس وجدان المتلقي بشفافية ، في أعماله خلطة شرقية يجمع في ثناياها بين العناصر المتحركة وبين العناصر المعمارية دون أن يثقل بعضها على بعض أو يخلق ارتباكا في توازنها، في كل جزء من اللوحة يمكن أن يكون لوحة بذاتها لا يغفل أي من تلك الأجزاء أو يتجاهل دورها في العمل بقدر ما يعتني بها بعاطفته الجياشة تجاه إبداعه، تكشف لنا الكثير من أعماله أنها تعود لمختزل بيئي وعاطفي وزمني تشكل أضلاعه الثلاثة شكلا يحمل أبعادا فكرية ومضامين شعرية فهو يكتب القصيدة النثرية بالأحرف ويرسمها ألوانا، في بعض لوحاته تكرارا للأرجوحة ولعلاقة من يمتطيها من عنصر بشري وهي في الغالب امرأة أو طفل وكأنه يشير إلى الواقع وكيف له أن يتلاعب بمشاعر البشر في قدومه أو رواحه.
للمرأة في أعمال محمد شبيب حيز كبير فهي الحياة بكل ما فيها حلوها ومرها تشعل فينا العطاء وتشعرنا بالأمان حينما تعني ذلك وتقدمه بسخاء، كما للمجتمع ومحيط الأسرة والحي مساحة من ذلك المختزل يستعرضهم بشكل غير مباشر حرصا منه في أن يبقي لذاكرة المتلقي مساحة أكبر في تصور ما يراه ويربطه بحقيقة كانت ماثلة يوما ما.
هذا هو ضيف هذا الأسبوع فنان تفرد بأسلوبه وقدمه على طبق تحيط به مشاعر الصدق مع الآخرين فنان يعمل أكثر مما يتحدث وإذا تواجد في أي موقع يأسرك بأخلاق الفنان وبحكمة المثقف، لنا موعد آخر مع فنان عربي أوجد له أثراً في ذاكرتنا التشكيلية المحلية.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved