الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th May,2005 العدد : 108

الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1426

الشباط كما أعرفه
خليل الفزيع
ذكرياتي مع الأستاذ عبدالله بن أحمد الشباط تعود إلى ما يقرب من الأربعين عاماً، عندما بدأ نجمه يلمع كأول صحفي تنجبه أرض هجر، وعندما التقيت به لأول مرة في مكاتب جريدة الخليج العربي في المبنى الملحق ببلدية الخبر وكان ذلك في بداية الثمانينيات الهجرية بدا لي مزهواً بشبابه.. يدفعه طموحه إلى الصمود في وجه التحديات والإصرار على إيجاد تقاليد صحفية تحترم وعي القارئ، وتعبّر عن همومه وقضاياه بأسلوبٍ بعيد عن المبالغة أو التجريح، وإن جنح إلى الصراحة المستندة إلى حقائق لا يمكن إنكارها، ولقد جرّت عليه هذه الصراحة من المتاعب مالا يعرفه إلا الأكثر قرباً منه.. وقد منح جريدته الكثير، وأصر على بقائها منبراً للرأي الحر والجريء، مما لم يعجب كثيرين فسعوا إلى عرقلة مشواره الصحفي بشتى السبل والوسائل.
لم تكن بداية المعرفة بيننا هادئة، بل كانت صاخبة إن صح التعبير، كانت جريدة اليوم قد صدرت في ظل نظام المؤسسات الصحفية، بعد أن توقفت جريدة الخليج العربي وغيرها من صحف الأفراد عن الصدور.. وقد أصدرتُ عام 1385 كتاباً بعنوان: (أحاديث في الأدب) وهو من الإصدارات الأولى في المنطقة الشرقية، لكن هذا الكتاب لم يلق قبولاً حسناً من أستاذنا الشباط، فهاجمه هجوماً عنيفاً وقال عن مؤلفه إنه لايعرف الفرق بين التمرة والزيتونة، وبعث بمقالة بهذا المعنى إلى جريدة اليوم التي كنت أعمل بها حينذاك، فعملت على عدم نشر تلك المقالة، واعتبرتها من باب الغيرة المهنية، لكن بعد مضي كل هذه السنوات اعترف بأن ذلك الهجوم كان في محله، وان الكتاب المذكور كان يمكن أن يظهر بشكلٍ أفضل لو تريثت في إصداره، وهذه مشكلة كل الناشئين الذين يتسرعون في دفع إنتاجهم إلى المطابع، قبل أن ينضج هذا الإنتاج وتتضح ملامحه. فإذا رسخت أقدامهم في مجال الإنتاج الفكري.. اتضح لهم أن ما أقدموا عليه كان بحاجةٍ إلى التريث.
بعد ذلك التقينا في مناسبات عديدة اكتشفت خلالها أن الرجل ينطوي على نفس أبية وخلق كريم، وفكر حصيف، وتكررت اللقاءات، وتوثقت العلاقات كما هو شأن من تجمعهم الثقافة والأدب، وبعد أن توليت أمر جريدة اليوم حرصت على انضمامه إلى كوكبة المتعاونين معها، فهو الأجدر بأن يحتل مكانة بارزة بين كتّابها، ومكاناً بارزاً على صفحاتها، وكان قد ترك الكتابة بعد الخليج العربي وانشغاله بالأعمال الحكومية، وهو لايزال يواصل نضاله الشريف على صفحات اليوم وغيرها من الصحف.. بقلمٍ نزيه.. لايخشى في الحق لومة لائم.. كما يواصل جهوده الموفقة في التعريف بالحركة الثقافية في المنطقة الشرقية والخليج العربي، وأهم ملامحها وأبرز أعلامها.. من خلال المحاضرات والندوات في الأندية الأدبية.. إلى جانب نشاطه في مجال الإعداد الإذاعي للبرامج الثقافية، إضافة إلى مؤلفاته العديدة في هذا الميدان.. جامعاً بين جلد الباحث وصبره، وحماسة الناقد وجديته، وحساسية المبدع وتفاعله، فظهر له كتاب (أدباء من الخليج العربي) وكتاب (صفحات من تاريخ الأحساء) وكتاب (الأحساء أدبها وأدباؤها المعاصرون) وكتاب (آفاق خليجية) إلى جانب كتبه الأخرى.
لقد أخذ أستاذنا الشباط على عاتقه مهمة التعريف بإنتاج الكثيرين من أدباء المنطقة الشرقية والخليج العربي، وكتب كثيراً عن هؤلاء الأدباء، والمؤسف أن أحدهم لم يقر بهذا الجميل،ويقدم للقارئ دراسة عن حياة الشباط وإنتاجه الفكري.. ولم يتوفر بعد.. ذلك البحث الشامل الذي يستقصي حياة هذا الكاتب، وعطاءه الثر، وهو في كتابه (آفاق خليجية) استعرض أعمال عددٍ من الأدباء الخليجيين إلى جانب عددٍ كبيرٍ من الأعلام الذين كتب عنهم.
لكنّ أحداً لم يكتب عن أستاذنا الشباط كتابة شاملة تشفي غليل الباحثين عن المعرفة حول حياة الشباط الثقافية والعملية أيضاً. فإلى جانب اهتماماته الثقافية كان يعمل في الوظيفة الحكومية التي لجأ لها بعد أن أدرك بالتجربة أن من تدركه حرفة الأدب، قد فارقه الاستقرار المادي، وعمل سكرتيراً للمجلس البلدي بمدينة الدمام ثم عمل مساعداً لرئيس بلدية الخبر ثم رشح رئيساً لبلدية ميناء سعود وبقي في هذا المنصب إلى أن استقال ليتفرغ للأعمال الحرة.
في عام 2002م كنا رفيقي سفر إلى القاهرة عندما كرمته جامعة الدول العربية ضمن من كرمت في (مهرجان الرواد العرب) وهو رفيق سفر من الطراز الأول لسعة صدره، ولين جانبه، وتفاؤله الدائم، وعمق ثقافته، وطلاوة حديثه الذي لايمل، وقد أسندت إليه رئاسة لجنة الصحافة في هذا المهرجان، فنال إعجاب وتقدير زملائه الذين توافدوا إلى القاهرة بهذه المناسبة من كل الأقطار العربية. إنه أهلٌ لكل تكريم سابق ولاحق، لأن كفاحه الطويل يؤهله للتكريم على أعلى المستويات.
لم تخل الكتب التي كتبها آخرون عن أدب وأدباء المنطقة الشرقية والخليج العربي من ترجمة لحياته، فهو في مقدمة الذين اهتمت بهم تلك الكتب، لكن المطلوب هو دراسة شاملة عن حياة الشباط وأدبه يتصدى لها أحد أدبائنا الباحثين عن هذه النماذج الرائعة من أدباء الرعيل الأول بهذه المنطقة الزاخرة بالأفذاذ من أمثال الأستاذ عبدالله بن أحمد الشباط.
فهل يهتم به كتّابنا كما يهتم بهم؟!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved