الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th May,2005 العدد : 108

الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1426

لهب الشمس وخصب الأرض
م.عبدالله الشايب
ليس مستغرباً أن يخرج من تحت لهيب الشمس والأرض الخصبة التي كونت واحة الاحساء شخوص أكدوا حضورهم التاريخي ووفقوا في أن يكونوا اداة فاعلة في مرضاة الله، بكونهم معمرين لهذه الأرض، بل وظفوا جملة ما اعطوا من خالقهم اصلاً وصقل مكتسباتهم بإرادة فاعلة وحية ضمن اطار اتاح لهم التأثر والتأثير وهو الأهم، وكونوا ضمن محيطهم شكلاً من اشكال الديمومة ليحفظ التاريخ حقهم ووجودهم على هذه البسيطة في ظل دولة فتية (المملكة) شأنها السعي لأخذ اسباب التغيير نحو سلم أرقى وأفضل.
وأديم الاحساء على الديمومة خصب، نتاجه العفوي رائع بارتباطه بمقومات هي اصلاً ذات شأن عال، يتعاطاها الجميع كما يتعاطوا تمر الخلاص الذي يكون باكورة ما يدخل امعاءهم، هذه الأرض حبلى بهؤلاء الشخوص انما يولدون بقدر الله ونواميس الحياة، وما ان يخطوا يكونوا قد ارتشفوا من رحيق المياه المتدفقة من العيون وتمتعت ناظريهم بأفق بعيد من النخلات والخضرة المنبسطة تتممها صحراء بكثبانها وخليج تتكسر أمواجه على شاطئ بكر، عندما تخطو الشخوص يدرك معنى جماليات الأنثى ويرتبها بين الرقة والحنان، ويدرك سر الرجولة المبكرة في ذكور دأبوا على أن تكون التربية عبر التطبيق في المسجد والمجلس والحسينية وعريش النخل وبين الفريق والمزرعة وبين البراحة والعين خطوات تحسب بالوحدات متخالطة الكيان وتفصيلها في عداد النوع فقط.
بين كل ذلك خرج من بين ظهراني الجزيرة أو الخليج او الاحساء أو المبرز هذا الرجل، عبدالله الشباط، وما يعنيني ليس كونه رجلاً بقيمه فقط انما يعنيني المفاتيح التي جعلت من شخصه ظهوراً يستحق وقفة المتأمل.
وإذا نظرت إلى تلك الميزات والصفات الشخصية التي تجسده كإنسان ستبقى بالنسبة لغيري تحصيل حاصل ولكل من عاشره، فهو باختصار حزمة اخلاق كريمة.
لكن وقفة تأمل كما ذكرت ستوحي بالكثير ولعلها أقل من واقعه المترامي الأطراف.
فلقد كانت له:
ريادة في أمة نأت أن تظل تحت نير الجهل والتخلف فكان له سبق مع رفقاء دربه في وضع نقاط حقيقية على حروف حقيقية لتتلقفها الأمة عبر تعشم وتكلف وارادة تكوين مطبوعة في الجزء الشرقي من بلادنا (الخليج) والأمر يتعدى ان يسمى بدايات الصحافة إلى وجود أقر بتواريخ تنسب إلى هذا الرجل فيستحق تسجيل اسمه رائداً ويمكن مناقشة المرحلة وكم عطائها من خلال معطياتها الكلية وتقاس التجربة والأداء بمقدار ضرفها (وهو أمر خارج هذه الكلمة ولكنها فعلياً ربما تكون مادة ثرية لرسالة ماجستير) انها كانت ريادة وقفت واستمرت شامخة حتى صدور نظام المؤسسات الصحفية.
وفي الأداء حيث انه في عمره المديد حفظه الله (يدرك كل من يدلف إلى ميدان الصحافة والكتابة الصعوبات والمواجهات وربما محاولات الاقصاء وحتى التنافس المشوب احياناً) تجاوز ذاته إلى ذات الأمة التي كانت دوماً تناديه:
اين انت يا ابني البار فيستلهم وحيها، ويكون حاضراً، ان هذا الأداء المتواصل، ان الوتيرة في التدفق هو عنوان لنفسية كبيرة تتجاوز كل سقطات الآخرين، وتجسر تلك الهفوات لأن طريقه وهو يعي ذلك محفوفاً بجملة عوائق لكن استمرار انتاجها يلتزم أداء مميزاً جعل من الشباط ديمومة حضور.
والاستمرار بالحضور مكن اجيالا عدة من تتبع جهده وآثاره وبالتأكيد تلمس اثره، حضوره الأكثر جسده من خلال جريدة اليوم، هذا الملمح جعله حاضراً في ذهنية من يوافقه أو لا يوافقه، ومتواصلاً مع معطيات مجتمعه واحداثها أولاً بأول.
والتنوع الذي قدمه الشباط في ادائه كان أكبر من واحة الاحساء بحلتها القشيبة وبنخيلاتها الباسقات وأكبر من مدى صحرائها الجافورة والربع الخالي وأوسع من أن يمثلها الخليج بدءاً من عند مينائها العقير وأعلى من تلة جبل القارة بالطبع والذي من ماء عين الحارة العذب وأكثر تحصيناً من قصر صاهود بالمبرز وأكثر غنى مما يعرض في سوق القيصرية بالهفوف، حين تنادي المآذن الله اكبر يتسمعه، ويدركه من كل ذاك هذا التنوع في الخامة التي يتناولها (عبدالله الشباط) ويقولبها ويخرج منها منتجاً يعرضه على الجميع ليتلقفوه كل في دائرته تنوعاً جعل من جميل خبرته محصلة ثرية فكتابته لم تنحصر يوماً في الأدب فكتب في التاريخ والمجتمع والسير والتربية والاصلاح وقضايا الأمة وغير ذلك، كان تنوعاً زمكانياً ايضاً.
والأسلوب الذي تبناه الشباط ليكون محل تقدير المثقف (من حيث الصياغة واللغة والتعابير والمصطلحات والشواهد وما إلى ذلك) ومهضوماً عند القارئ العادي، واراد الشباط لم يرد فإنه استطاع بأسلوبه الذي يتفق مع قول للامام علي (حدث الناس بما يفهمون) أي انه لا يغفل ولأي يهرب من معالجة قضايا أياً كانت ولكنه يطرحها بتلك السلاسة التي تفهم من غير مواربة مع وضوح المقصد وان نتفق او لا نتفق فذاك شيء آخر.
انه يتبنى الوضوح في أسلوبه وصياغة عباراته سواء من خلال الكتابة في الصحافة او انتاجه عبر الاصدارات المختلفة.
والثراء المعرفي كما ذكرنا تتلمسه وتذعن له حافظة كبيرة وهذا منعكس في كتاباته ودليلها الشواهد التي يستحضرها لاثبات وجهة نظره أو لتدعيم فكرة عند آخر، هذا الثراء المعرفي هو الذي يجعله يتعاطى عناوين تشكل جانباً منها واقعا نتعايشه لحظياً فيعكسه على صفحات جريدة أو مجلة أو من اصدار خاص به (كصفحات من تاريخ الاحساء، والاحساء.. ادبها وادباؤها).
والوطنية دائماً لها حضورها الأول وليست بالضرورة ان تكون مباشرة لكن المتتبع يتذوق ويشم رائحتها تفوح بين جنبات جمله وتعابيره، وهو مع كل الأزمات صامد حول رؤية متزنة، يؤكد بها انه هنا في الاحساء في المنطقة الشرقية في المملكة في الخليج في العالم، هنا أنا عبدالله الشباط لا يعتريني التمييز الطائفي ولا الاقليمي ولا القبلي ولا غير ذلك رسالتي هي رسالة الانسانية للجميع أورد فيها كل الوطن وكل اطيافه وكل طبقاته، إذا هو يذكر المكان ويذكر الزمان ويذكر الشخوص حسب الأداء، انه يتجاوز بوطنيته الاطروحات الضيقة ليتسع فكره للجميع ويتألق في عرضها دون خلل فيما يليق بواقع رجل يحمل عصامية في ثوابته ولا يجعلها مثاراً لعدم قدرته على التواصل، وهذه القدرة مكنته بكونه رائداً يأخذ بالتوثيق والعرض والتحليل لموضوعاته ويسقيها بنفحة التشجيع لبواكير الابداعات، إن عبدالله الشباط حين يكون كذلك يكون بالتأكيد من القلة الذين يجاهدون في هذا الطريق ويمثلونه احسن تمثيل.
والعشق لمسقط رأسه اوضح من ان يدلل عليه ضمن الكم الهائل من آثاره انه يجسد هذا العشق بأبهى صوره في فهمه، لاستنهاضه، وطرحه مكانته وان يجعل من الاحساء اغنية يتلذذ بها سامعها لأنه أوردها بسيمفونية لحنها مع حفيف السعف وتدفق مياه الثبارة وزعقات لعبة الطارد، لست ادري أي نوع من العشق هذا الذي يجعلك تتواصل بين الفريج والحي الحديث بين المطوع والمدرسة بين المجلس والصالون، انها ابجديات هذا العشق لديه تمكنت منه فافرزها عبر ثنايا سطوره انه يقول هانذا كنت ولا زلت وسأبقى عاشقاً، ان تلك الطينة عجنت مهنا وعشت عليها وسارتد وفياً إليها، فقط لتسجل له مكانة ابنها البار عبدالله الشباط.
وأخيراً قبل ربع قرن همس في اذني ونحن بمقر جريدة اليوم بجوار السكة الحديد يا عبدالله انه من حقنا ان نكون موجودين وجزءاً منه ان نكتب في هذه الجريدة، ولقد اهديته عند اول تكريم له بجمعية الثقافة والفنون بالاحساء كتاباً جمعت فيه كتاباتي في ذلك الوقت والذي تمنى عبر مقال كتبه في حينه ان يجمع ويظهر على شكل اصدار، انني لم اوف جوانب كثيرة منه ولكن هذا ما اتسع له المقام شاكراً جريدة الجزيرة على هذا التواصل ولعلها فقط كلمة وفاء لهذا الرجل ومتمنياً طول العمر لأديبنا الفاضل وان يظل يؤنسنا باستمرار عطائه وفقه الله.


* مدينة الهفوف 20111425هـ

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved