الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th June,2003 العدد : 18

الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

مخيلة مسفر الغامدي عندما "تقطّرُ" الكلمات
28 نصاً في 731 سطراً في 1462 كلمة بين الأقاصي والأحوال
* الثقافية عبدالله السمطي:
لا تثريب على الشاعر مسفر الغامدي أن يعلن على غلاف ديوانه.. "حيناً من الضوء" الصادر عن دار المدى (دمشق ط1/2003م) عدم معرفته بالكلمات يكتبها أم لا؟ حيث يقول: "لا أعرف.. إن كنتُ سأمحو الكلمات.
لأكتبها ثانيةً؟ إن كنتُ سأمحو الكلمات كي لا أكتبها ثانيةً؟"
فإن مسفر الغامدي يكتب ويمحو معاً، بل هو يمحو على الأرجح، يمارس في ديوانه هذا "كتابة المحو" و"يقطّر" النصوص إلى أبعد مدى، حيث لا ثرثرة لفظية، ولا تحضير لأرواح الأكلشيهات الشعرية التي يتورط الشعراء بها عادة لإكمال سطر شعري أو قافية ثم يقال: "المعنى في بطن الشاعر" أو "المعنى في بطن النص". الغامدي حوّل هذه الجملة إلى: "المعنى في بطن المحو" فالتكثيف الذي تولّد عن هذه البنى القصيرة المختزلة للنصوص لم يفضِ إلى إلغاء الدلالة، أو ابتكار فضاءاتها من لدن القارىء بل أدى إلى "تعميق" المعنى، وتوطينه في مخيلة الذهنية القارئة.
يقع ديوان الغامدي في 86 صفحة أو بلأحرى بين صفحتي 9 و83 أي في 74 صفحة،ويضم 28 نصاً يحتضنها عنوانان هما: "الأقاصي" و"الأحوال" وفيهما يستقصي الغامدي أطرافا من الطفولة، ومن الذاكرة المشحونة بالمواقف المكثفة التي يولدها شعراً، ويعيد نسْج أحوال الذات بمرايا الكلمات.
بعد أن يهدي مسفر الغامدي ديوانه إلى القاص الروائي الراحل عبدالعزيز مشري "حيَّاً، بعد موتنا.." يستهل بنصوص "الأقاصي" التي لا فارق شكل دلاليا بينها وبين نصوص الأحوال، فيجيء النص الأول بعنوان "رحيق" وفيه:
في آخر هذا المنعطف القاتم
أشجارٌ
أشجارٌ تلهو بالريح
أشجارٌ خلعتْ قمصانَ الأوراقِ
وظلّتْ عاريةً، في غير حياءٍ،
تتوسلُ للغيمّ
ثم يأخذ في توصيف المكان بشكل مكثف جداً ليصل إلى البيت، وفي البيت صبيّ "يسكن قربَ الموقد، صبيّ كالنحلةِ... يتغذى برحيق الجمر".
كما نرى فإن النص ينتقل من الخارج (المنعطف/ الأشجار) إلى الداخل (البيت/ الصبي/ الموقد) هذا الانتقال الذي يتم بشكل متدرج، يمارسه الشاعر في جل نصوص ديوانه، خاصة حين يستدعي أماكن الطفولة: (القرية، والبيوت المنحدرة من الجبال، المدرسة، الطريق إلى المدرسة) كما أنه يمارسه في استدعاء الأب والأم وتتشكل لدى الغامدي بنيتان أثيرتان كأنهما الصوت والصدى، أو الضوء والظل، هما: المفارقة، والوصف، حيث يفارق دائما بين السطر الشعري والآخر، وبين مقطع مما يصنع نوعاً من التقابل، أو توتر العبارات الشعرية المكثفة جداً، وبرغم هذا التكثيف فإن آلية "الوصف" تتبدى بشكل واضح في النصوص خاصة وأن "الذاكرة" تعملُ عملها في تحريك دلالات القصائد.
ومن هذه المفارقات نص "شتاء" وفيه مقابلة درامية يظهرها شكل الصفحة، والنقاط التي تدل على الأسطر الممحوة المحذوفة، وتواتر المقطعين كأنهما ضوء وظل:
ما الذي يحدث الآن؟!
صوتٌ أمي
اشتعالٌ على ضفة الجرحْ
وأبي جالسٌ
لا يحيد عن المدفأة
ما الذي حدث الآن؟!
ها أبي
قام من صمته وجِلاً
وهْي أمي التي انحسر النورُ عن وجهها
هي أمي التي أصبحتْ مطفأة
مسفر الغامدي الذي فارق بين مشهدين، ببعد سينمائي يحتفي بشاعرية اللقطة، يمارس ذلك في معظم نصوصه التي قطّرها في 731 سطر ونحو 1462 كلمة تقريباً، يسعى لترسيخ نص مختلف في الساحة الشعرية الراهنة بالسعودية، وفي ديوانه "حيناً من الضوء" ما يحتاج لإضاءات
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved