الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th June,2003 العدد : 18

الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

"محمد حسن فقي" جبل من الحصى
بدر بن أحمد كريِّم

تعرفّتُ عليه بُعَيْدَ أنْ ترك العمل الدبلوماسي. لا أدري بالتحديد متى كان ذلك، ولكنني لا أستبعد أن يكون، بعد أن وعيتُ أهمية سماع وحفظ الشعر، وبخاصة بعد أن نشر رباعياته، وهي من أسهل ما حفظتُ، فهي إذا السهل الممتنع.
حديثي عن شاعر سعودي كبير تقول سيرته الذاتية كما نشرها صاحب موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين أحمد سعيد بن سلم : "ولد بمكة المكرمة عام 1331هـ، ودرس في مدرسة الفلاح بمكة وجدة، ثم عمل مُعلما للأدب، فرئيساً لتحرير صحيفة "صوت الحجاز"، ثم عمل في وظائف دبلوماسية، ووظائف أخرى في الدولة، وهو شاعر مُكثرٌ في الإنتاج، وما زال يعمر الصحف اليومية بالرباعيات المتميزة، واتصف شعره بالشعورالرقيق، وصدق العاطفة، وتدفق العبارة. ويُعدُّ من الجيل الأول من حيث العمر، ومن رواد الاتجاه الوجداني، الى جانب ما يحتويه شعره من تأملات، تعكس فلسفته في الحياة والموت على طريقة أبي العلاء المعري إنه الشاعر الكبير محمد حسن فقي، الذي عاش حزينا، غلّف الحزن معظم إن لم يكن كل حياته، فما هو سر ذلك؟ لا أستطيع الإجابة، ولعل الصديق الدكتور "عبدالله مناع" الأقرب مني الى الأستاذ الفقي، يكشف عن ذلك.
لم أكن مهيأ للكتابة عن "محمد حسن فقي" بَيْدَ أن الصديق الأستاذ ابراهيم التركي خصني بمحادثة هاتفية، يطلب مني بحُسن ظنه المعهود أن أقول شيئاً ما عن "محمد حسن فقي" فبعد أن قدّم في هذه المجلة "لمحة وفاء عن الأستاذ عبدالله القرعاوي وأفضل الذخائر كما يرى الإمام الشافعي "أخٌ صاحب وفاء" اقترحتُ عليه أن يسجل بادرة وفاء ثانية ل"محمد حسن فقي" وهو يعاني الآن من المرض، الذي من فوائده ما قال أحد الحكماء: إنّ في العلل لَنِعَمٌ لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها: تمحيص الذنوب، والتعرض لثواب الصبر، والايقاظ من الغفلة، والاذكار بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء التوبة، والحض على الصداقة "أسأل الله الشفاء للشاعر الذي لبس ثوب الرجاء والناس قد رقدوا، وبات يشكو الى مولاه ما يجدُ، وأترك البقية للشاعر، الذي نسيت اسمه لحظة كتابة هذا المقال إذ يقول:
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
ما لي على حملها صبرٌ ولا جلد
وقد مددت يدي بالذُّل مُفتقراً
إليك يا خير من مُدّت إليه يدُ
فلا تردها يا ربُّ خائبةً
فبحرُ جودك يرْوِي كُلّ مَنْ يَرِدُ
تعرفت على "محمد حسن فقي" وجها لوجه عام 1388هـ "1968م" عندما كان يسجل بعض الأحاديث الثقافية للإذاعة السعودية، وكان التوجه إذ ذاك، أن يصحب أي مثقف سعودي يأتي للإذاعة مُشاركاً في التوعية والتثقيف إذاعي سعودي، منذ وصول الضيف باب الإذاعة، وحتى مغادرته، ويكون معه ساعة التسجيل في الاستديو، فلقد كانت الإذاعة في حاجة وما زالت الى رجال، يُحسنون صنع ما يقدمونه للمستمعين.
بهرتني الشخصية الخارجية ل"محمد حسن فقي" قامته الممشوقة. ثوبه الأبيض. عمامته البيضاء، عباءته السوداء. عيناه الواسعتان، لكنّ ما سبق ذلك كما قلتُ قراءتي لرباعياته، وتلك جعلتني أسوغُ لنفسي أن أقول عنه: فيلسوف، يصور في شعره حالة تمزق داخلي، يرى أن بعض الناس يُفسد من صادقهم، كما يرى البُعد عنهم من استكمال الأدب، ويتجنب "صديق العافية لأنه أعدى الأعداء" ولا أشك أن هذه النظرة السوداوية لها ما يبررها عند "محمد حسن فقي" ولكن إثباتها علميا يعوزني الدليل عليه، وليت ناقدا أدبيا سعوديا يفعل ذلك.
منذ ذلك العام توثّقَتْ علاقتي ب"محمد حسن فقي" وتبلورت في عام مضى، عندما اتصل بي هاتفيا الصديق "الدكتور عبدالله مناع" ينقل رغبة "الفقي" في إلقاء قصيدة له بمناسبة تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي يقيمه سنويا الحرس الوطني فكان ذلك، مما أعده تشريفاً لي.
تشدني دوما كلمة "وفاء" وهذه من معانيها كما قرأت في أدبيات الوفاء "الثبات على الحب الى الموت، وبَعْدَ موت الأخ مع اولاده واصدقائه، ومنه ألا يتغير على أخيه في التواضع، وإن ارتفع شأنه واتسعت ولايته وعظم جاهه، ومن الوفاء ألا يسمع بلاغات الناس على صديقه، ولا يصادق عدو صديقه.
للشاعر الكبير محمد حسن فقي أقول: إنه لا يجملك ريش طاووس، وكلما ازداد شعرك اتساعا، ازدادت شواطئ الحب لك امتدادا، وشعرك يخاطب عقولا لا تُحصى، وأنت جبلٌ من الحصى.
+++++++++++++++++++++++++++
* عضو مجلس الشورى
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved