أثر خفيف ما بعد الحداثة علي العمري
|
يرى أرنست غيلز في كتابه "ما بعد الحداثة" أن العالم اليوم يسيطر عليه ثلاث إيديولوجيات تتجلى داخلها الخيارات الجوهرية للروح الانسانية في مواجهة العالم: ما بعد الحداثة، العقلانية التنويرية، الأصولية الدينية، ويرفض غيلنر كمتحيز للعقلانية التنويرية ما بعد الحداثة التي تشكك في الحقيقة الموضوعية وترفض الفلسفة الوضعية ويمكن رغم غموضها المفهومي ملاحظة تأثيرها في الدراسات الأدبية والأنثروبيلوجية والفلسفة حيث تحاول تقريب هذه الحقول المعرفية من بعضها وصولاً إلى النص ومعانيه الدلالية التي يجب تفكيكها، على أنها في تركيزها على الذات الإنسانية تنحدر دراساتها الأنثروبولوجية الاجتماعية إلى مجرد رصد ردات فعل الباحث لمشاهداته الاجتماعية لتكون "مجموعة من التأملات التشاؤمية والمبهمة حول استحالة الوصول إلى الآخر ومعانيه "إن العالم في ما بعد الحداثة لا يتكون من المجموع الكلي للأشياء ولا المجموع الكلي للحقائق بل من المجموع الكلي للمعاني حيث يسود علم التأويل "الهرومنيوطيقا" وتتزعزع الوثوقية في الذات والعالم معاً، إن التأويلية طرح مناقض للوضعية بما هي إيمان بوجود حقائق موضوعية يمكن تفسيرها بنظريات موضوعية مستقلة عن المؤلف، لذا فما بعد الحداثة ترتبط سياسياً بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وانحسار المد الاستعماري وتصر على ربط التحرر السياسي بالذاتانية في حين أن الوضعية مرتبطة بالكولونيالية وهيمنة أوربا على العالم.
إن غلينر يرى استحالة تعريف ما بعد الحداثة إلا بكونها "نوعاً من هيستيريا الذاتانية التي تذهب فيما وراء التخوم التي وصل إليها كل من جويس وهيمنغواي وولف وغيرهم".
أما الأصولية العقلانية التي بدأت منذ الثورة العلمية في القرن السابع عشر فتسعى إلى تقويض كل ما هو ساكن ومتعال وتخضع كل حقيقة للبحث العلمي بعيداً عن أي مؤثرات ميتافيزيقية أو مثيولوجية عبر منهج علمي صارم يدين للمبدأ الكانطي الذي يرى أننا "نصنع" عالمنا وأن كل الأشياء ليست الا ظلا للمنهج وتشترك من ناحية مع الاصولية الدينية في الاعتقاد بوجود معرفة موضوعية خارجية مستقلة عن الذات، ومن ناحية أخرى تشترك مع النسبية في رفضها لوجود حقائق نهائية ومتعالية، على أنها بالنسبة لغيلنر تظل هي الأسلوب العلمي الوحيد الصحيح للمعرفة.
أما الأصولية الدينية فهي بحسب غيلنر تتجلى اليوم في الإسلام كنوع من الهوية الحقيقية وباعتباره الحضارة الوحيدة التي بقيت دينية من أربع حضارات كبرى هي المسيحية والصينية والهندية، كما أن الإسلام لم يعان من ازدواجية الدين/ الدولة التي عانت منها المسيحية وذلك بفضل نجاحه السياسي السريع في البداية وكونه هو الدولة، كما أنه لا يوجد فيه نظرياً رجال دين أو الإكليروس والتأمل في التاريخ الإسلامي يفضي إلى وجود تجربة أو فهم للإسلام تمثله الصفوة من العلماء والفقهاء والمفكرين وأخرى تتجلى في طبقات المجتمع الشعبية والدنيا حيث يمكن لتصورات الشعوذة والسحر والتعاويذ أن تظهر لذلك دائماً ما يتجدد الإسلام عبر الحركات الإصلاحية التي تجدد الفهم الشعبي وتقصي المخالف.
+++++++++++++++++++++++++++
alialamri8@hotmail.com
+++++++++++++++++++++++++++
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|