الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th June,2003 العدد : 18

الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

القرعاوي.. الأديب الإنسان
أ.د/ عبدالكريم محمد الأسعد

إنَّه الأستاذ عبدالله الحمد القرعاوي شفاه الله وأبقاه شجرة غضّة كثيرة الثمار، طيّبة الأريج، رطبة الأغصان، وارفة الظلال، على الإخوان والأحباب، وسائر الأصدقاء والأصحاب.
هو شمعة أضاءت في سماء الوطن ردحاً من الزمان، وتلألأت في مسيرة الناس، وفي الإحساس، وتركت بصمتها على حياتنا العملية، وأبقت أثرها في أعمالنا الفكرية. هو شخصية شاخصة تشير إلى صاحبها بالمجد والفخار، وتدفع عارفها إلى الثناء والإجلال، والى التقدير الجمّ، بالقلب وبالفم.
تميّز أخونا العزيز بوقار لا يعلو عليه وقار، وبدماثة يحسده على كَمِّها الصغار والكبار، وباطّلاع يثني عارفه عليه به أكبر الثناء، ويحمده له أجلّ الحمد بأعلى قدر من الوفاء.
إذا جلست إليه استطبتَ مجلسه بأَلَقِ كلمته، وبهاء فكرته، وصفاء روحه، وانسياب حديثه، وجميل عواطفه، وجليل محبّته. وإذا قصدته كان لك معيناً، وعلى لأوائك منجداً، وفي سبيل الخير ساعياً، وإلى المعروف مشرئباً متطلّعا، يتفقد إخوانه دائماً، ويسأل عن أحوالهم باستمرار، ويجازي المقصر منهم بالعفو دون رياء وبلا استثناء، ويقوم بالواجبات الاجتماعية خير قيام، ويؤدّي ما عليه إزاء الأنام.
هذا سجلّه المعروف، وتاريخه المألوف، يشهد بصدقهما البعيد والقريب، ويستنير بضيائهما النّائي والدّاني، لم نعرف له عدوّاً قط، ولا شانئاً ألبتة، لا يعرف الحقد فلا يحقد عليه أحد، ولا يمارس الأذى فلا يتعرّض لمثله من أحد.
تقلّب في مناصب الدولة في مراحل متعاقبه كان أهمها وأولَها ما له علاقة وثيقة بالتعليم والإعلام، وكان آخرها وأرفعها عضوية مجلس الشورى، وبين الأول والآخر والأهمّ والأرفع سلسلة من الوثبات المباركات، والقفزات الكريمات.
هو فوق هذا كلّه أديب أريب، حسّاس لبيب، متدفّق نجيب، ينظم فيحسن النظم، وينثر فيُجَوِّدُ بقلمه النثر، آثاره منشورة، ولآلئه مشهورة، ومحبّوه كُثْر، ومعجبوه ليس فيهم غَمْر، وهم جميعاً ينتشرون في كلّ بَرّ.
ليس له كاره فيما أعلم، ولا مبغض كما أفهم، فهو حبيب مُحِبّ، وغَيْرُهُ له محِبّ، لا يسع الثناءُ سجاياه، ولا الحمدُ مكارمَه، ولا الثناءُ مسلكهَ.
محّصه الله بمرض طويل صبر عليه صبر الأتقياء، واحتمل آلامه احتمال المؤمنين الأوفياء، فتجسّد فيه العناءُ الصامت والألمُ المكبوت الذي يهدّ الجبال الرّواسي، ويرسِّخ الإيمان بالمكتوب من المآسي، ويمكّن اليقين الهادئ في نفس كلّ من يُقاسِي.
له إنتاج ثرّ نطالبه بالمسارعة إلى جمعه ونشره ليقرأه الناس، بدون وسواس خنّاس، وليروا فيه عبق المحبّة، ويشمّوا منه عطر المودة، ويستشرفوا في آفاقه لآلىء الأفكار، ودُرَرَ الألفاظ، وفرائد الأشعار، وفوائد التجارب والأخبار.
أنا أعلم أنّ جَمْهَرة آثاره محجوبة، ولكنها عند من يعرفها تهمع همعاً كهمع الهوامع، وتتدفق جمعاً كجمع الجوامع، وأنا أعرف أنّ أدبه مغني اللبيب، بشعر غنيّ بالمعنى الملموح، وبثر دريّ بالحرف المملوح، ولقد سمعت أنّ فريقاً من النخبة يزمع جمع آثاره، وتسجيل أخباره، وطبعهما، وهذا لعمري حقّ، فهي كلّها جديرة بالنشر، قمينة بالذّكر، فلعلّهم يتركون لي دوراً أقوم به معهم، ويفسحون لي المجال لخدمةٍ أنهض بها بصحبتهم، وفاء ومحبّة، وأداء استحقاق، وقياماً بالواجب.
يذكرّني أخي الأستاذ عبدالله الحمد القرعاوي بقرعاويّ آخر، هو (الشابّ) الذي لا يشيب، والأديب الذوّاقه الأريب، أنيس المجالس، ومؤنس المُجالس، ولؤلؤة الحديث الصاخب والهامس، أسير المحبسين، لكلّ مخلوق قلب واحد، وهو له ألف قلب وقلب كلّها نابض راشد، حافِظٌ لا يمكن وصف حفظه ولا الإحاطة بمحفوظه، إذا جالستَه طربت من إلقائه، وأنست بلقائه، وأحسست بدفء ثنائه وإطرائه، له صدر واسع وصبر عجيب وثقافة غزيرة وحسّ أدبّي رقيق، وإنسانيّ عميق، ولو لم يكن صاحبنا أديباً لوجب أن يكون أديبا، إنه الاستاذ عثمان العلي القرعاوي الذي جمع مع رصيفه الأستاذ عبدالله المجد من طرفيه عمومة وخؤولة وهو في كلّ ما أوردنا من أوصاف، وفي جميع ما سردنا من أركان الإتحاف، مثيل قريبه وشبيه صنوه، فكلاهما يتدفق بالشعر الجميل والنثر الأنيق حفظاً وتأسيساً، وهما يتميّزان بالأناة والرويّة، ويمتازان بالنكتة العطريّة، والملحة المستطرفة، والفنّ المستظرف، وهما جوهرتان متلألئتان في عقد فريد، ونجمان لامعان من نجوم الإمتاع المؤانسة، وكلّ منهما سجل حافل بالمحفوظات الذكيّة، والمقولات الزكيّة.
وهما فوق ذلك عالميّا الفكر، عربيّا الأرومة، لا تحدّهما في عقلهما وعاطفتهما حدود، ولا تقف أمام مشاعرهما سدود، ولا تعرقل انطلاقهما قيود، إذا نزلت النوازل بالأوطان على امتدادها في البحر والبرّ والجوّ، تأثّرا بها بسرعة وللتوّ، وتفاعلا معها حزناً وفرحا، وغبظةً وترحا، وتفكّر بها برفق عنيف، واستوعباها بعمق شغيف، لا فرق عندهما بين البقاع، ولا تمايز لديهما بين الأصقاع، لسان حالهما ينشد:
اذا كان أصلي من تراب
فكلّها بلادي وكلّ العالمين أقاربي
هذه عجالة من المؤكد أنَّّها لا تفي بالغرض، ولا تؤدّي المطلوب على الوجه المرغوب، وهي فقط زفرة حبّ، وأَنَّةُ مودّة، وهي باقة من المشاعر الصادقة، فقد مَرِضَا وصبرا، وكأني بالمتنبي يقصدهما حين قال:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
لعلّي بما سطّرتُ قد وفيتُ إن لم يكن كامل الوفاء، فبعضه على الأقلّ معطّراً بالثناء أجمل ما يقال عن الرجلين في هذا الباب تثبيتاً وتقديراً قولُ الشاعر:
ثمانية تجري على الناس كّلهمُ
ولابّد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة
ويسر وعسر ثم سقم وعافية
وقولُ ثانٍ:
كن حليماً إذا بُليت بغيظ
وصبوراً إذا أتتك مصيبه
فالليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كلّ عجيبه
وقولُ آخر:
إنما الفخر لعقل ثابت
وحياء وعفاف وأدب
وقول الطغرائي:
يا وارداً سؤر عيش كلّه كدر
أنفقت صَفْوك في أيّامك الأُول
ترجو البقاء بدار لاثبات لها
فهل سمعتَ بظلّ غير منتقل؟
وأحلى ما أختم به الباب، وأراه عين الصواب:
محبتكم كبحر ماج حولي
وبحري ليس يعرف قط مرسا
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved