الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th June,2003 العدد : 18

الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

كيف نحترم رأي هؤلاء في لغة القرآن الكريم..؟! 2/2
من لا يستطيع قراءة سورة صغيرة من القرآن الكريم بشكل صحيح بعيد عن اللغة العربية السليمة
الثقافية أريام عبد الله:
يتواصل الحوار مع الشاعر الدكتور بهاء بن حسين عزي، ويكشف في الجزء الأخير من هذا الحوار، تفاصيل أخرى في شعره،وأساتذته، والأمسيات الشعرية التي أقامها، ورأيه في الشعر الشعبي، وأشياء أخرى في هذا الحوار المطول معه.
استرسال
* قرأت قصائدك.. ووجدت بها انهماراً كثيفاً للغة شفافة بيضاء.. ولكنني لاحظت أستخدامك للكثير من المفردات القليلة التداول مما جعلك تجعل لها هامشاً يفك رموزها.. أقصدت ذلك.. أم أن لغة الاسترسال داخلك لا تعترف بذلك..؟؟
سيدتي.. أولاً، إنني لست متقعراً في اللغة. وثانياً، إنني أستعمل لغة ر فيعة جزلة. لكن العيب تجدينه فيمن لا يستطيع أن يقرأ سورة صغيرة من سور القرآن الكريم، بشكل صحيح، لابتعاده عن اللغة العربية السليمة. مثل هولاء إذا قرأوا شعري أو شعر أي شاعر عربي جيد يستصعبونه، ثم هم يحمّلون عيب ضحالة لغتهم عليه. سألت أحدهم أن يقرأ لي خمسة أسطر من إحدى سور القرآن الكريم في وسط المصحف، فإذا به، وهو الحامل لشهادة جامعية عالية، يقرؤها بلغة عربية معوجة هي أقرب إلى الهزء منها إلى اللغة العربية السليمة.
بحقك، كيف نستمع لمثل هذا وكيف نحترم رأي أمثال هؤلاء في لغة شعر الخلود.. الشعر الفصيح؟
وهناك من الشعراء الفصحاء من يتبع فلسفة معينة خاصة به، وأنا أعتقد أنها فلسفة خاطئة. فهو ينشر شعره الفصيح الجيد دون وضع الهوامش التي من شأنها مد الأسباب بين الشاعر والمتلقي، والتي من شأنها أنها تتيح للمتلقي الصعود إلى برج الشاعر العاجي العالي. وهذا ما يفسر اهتمام غير الملم باللغة العربية الصحيحة بالشعر النبطي العادي.
عشق..
* جبال "اليوسمتي" وما عاصرت من أسطورة "عاشق القمر". أأثرت فيك إلى درجة تخليدها.. وهل نشك لبرهة أن بين ظهرانينا قصص عشق صادقة ماتت وحطم أبطالها دون أن يشعر بهم أحد؟؟
أولاً هذه القصة لم تكن أسطورة، بل إن كاتبها قال إنها قصة حقيقية وقعت في منطقة جبال اليوسمتي. وفي قصر أحد الأغنياء الكبار. وتصرف في أحداثها ورموزها ولكنه أوضح بالاسم إن كل رئيس من رؤساء أمريكا ممن عاصروا صاحب القصر كانوا يحضرون إليه سنوياً لمكانته ولتناول طعام العشاء مرة واحدة معه ومع أسرته. وكان آخرهم "كندي". وقيل لي إن هذه القصة حولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي، لم أشاهده حتى الآن، وعنوانه "ملتقى قمرين" وقد انحرف به منتجه كثيراً لجلب الأموال. والذي لفت نظري إلى القصة هو كونها كالقصص الكثيرة التي كنا نقرؤها بين الفقير والغني والضعيف والقوي، ولكنها حدثت في هذا العصر الحديث، وفي بلدٍ حديث هو الولايات المتحدة الأمريكية. وأنها كانت قصة عفيفة على الرغم من عنف الحب الذي كان بين الفتاة الثرية القاصر، والفتى العاشق الولهان الفقير.
أما عن القصص المماثلة بين ظهرانينا، كما ذكرت، فنعم يوجد من أمثالها الكثير في العالم العربي وسواه، ليس في وقتنا الحاضر فحسب، وإنما منذ العصر الجاهلي. وقصص الحب العربي الشهيرة كان لها الفضل في التأثير على قصص الحب العالمي كما هو معروف. وغيري، من قبل، قد اهتم بها وأبرزها إلى عالم الوجود في قصائده الخالدة، كأحمد شوقي، مثلاً.
السروات
كل أملودة لها منه عطر
إنه العاشق الخبير يهادي
ما الذي دفع بك لإدارة عجلة القصيدة من جبال اليوسمتي إلى جبال السروات.. أتستطيع أن تدون لنا قصة عشق واحدة تضاهي بها "عاشق القمر" ولكن بشرط أن تكون أجواؤها من جبال السروات؟؟
بالنسبة لإدارة عجلة القصيدة، كما ذكرت، من جبال اليوسمتي إلى جبال السروات، فما ذلك إلا لأنه عزّ عليّ أن أصف جبال اليوسمتي بوصف يليق بعظمتها حقاً وبما تأثرت به من حسنها المبهر وجمالها وبهائها، دون أن أقول لتلك الجبال إن لدينا جبالاً في مثل عظمتك وحسنك وجمالك وبهائك، هي جبال السروات. وأعتقد أنني حققت هذه الغاية في وصفي لجبال السروات دون أن أخل بسياق القصيدة أو أن يبدو الوصف نشازاً وليس له محل. أرجو أن تعودي لتتابعي مدخلي إلى وصف جبال السروات لتري حسن المدخل ثم حسن المخرج منه. وبالنسبة للشق الثاني من سؤالك، فبالإضافة إلى ما ذكرته في السؤال السابق، فإنني أرجو أن يتاح لي الوقت لتدوين مثل تلك القصص إن وجدت ذلك ممكناً.
الهوى
* بصدق من شدك أكثر.. الهوى العذري الغربي المتحرر.. في عاشق القمر، أم الهوى العربي المقيد المحبوس في جوانح الأحبة؟
الهوى العذري العربي طبعا، يشدني وبمراحل كثيرة، ولكن الشاعر العربي قد لا يجد فيه مجالاً للتعبير الصريح دون أن يدخل في مجال الخطوط الحمراء. ولولا أن مجنون ليلى وجميل بثينة وغيرهما أفصحوا عن هذا الحب بأنفسهم بالشعر الغزير وألهبوا حماستنا وتطفلنا، لما جاز لشاعر ما أو قاص ما أن يقول فيه شعراً أو يكتب فيه أوبريتاً أو قصة وبالاسم الصحيح.
الشاعر
* في قصيدتك "أنشودة مَيْ".. بدأت بأن مي رمز شفاف يتراءى للشاعر في خياله؟ فهل توافقني الرأي أن الشاعر المعاصر جبان في ذكر اسم محبوبته أو بطلة قصيدته؟ بربك ممن يخشى الشاعر المعاصر؟
أولاً، هو يخشى الله. ثم يخشى المساس بشرف المحبوبة.. هذا إذا كان محباً حقاً لها. ثم بالله عليك قولي لي، ما الذي يفيد غيره به بأن يعلِمَه أن معشوقته هي فلانة أو فلانة. هذه معلومة تافهة لا تفيد إلا العشاق التافهين. المهم، حقيقة، هو النص الشعري ومدى ارتفاع مستواه ليستمتع المتلقي به.
قوى
* هل يحمل الشاعر قصيدته على رأسه دون أدنى هم..؟ أم أن هناك قوى خفية تدفعه إلى ذلك قصداً؟
هناك قوى خفية، دون شك. والشاعر الذي هو كذلك، هو شاعر مبدع مؤثر بشعره حقاً. أما من يحملها على رأسه، كما ذكرت، فهذا كاتب شعر ممتهن.
أنثى
* "نزوة السهم الرشيق" و"غيمة في الشفا" ودون أن أبحر في الخصوصية، هل حملت عشقاً طائفياً لأنثى مسكونة بالروعة.. أم أنها كانت عشقاً طائفياً لأمكنة مسكونة بالروعة أيضاً.
لا بد أن تعلمي أنني أعشق الطائف وقراه من قمة رأسي إلى اخمص قدمي.. ورداً طائفياً وعطراً وردياً وفاكهة وأرضاً وجبالاً وناساً وأنثى. وكل أولئك ملهم رائع بديع مدهش مجدد للخيال محسّن للمزاج. ولي قصائد عدة قلتها بوحي من الطائف. وقد ضمها ديواني الجديد "ذو العصف والريحان" الذي يتولى إصداره نادي الطائف الأدبي، ولي بيت في إحدى هذه القصائد قلت فيه:
ولعمري فعشق أهلكَ من طبعي
وفيكَ الغرام من إدماني
فلعل هذا يكفي ويلخص هذا الحب، دون الدخول في التفاصيل.
زهر وحب
* الزهر والمحب.. تركيبة للعشق وروعته ورقته. فالمحب يمتاز بالعذوبة والرقة، والزهر كذلك يمتاز بالرومانسية وجوى العاشق المستهام.. كيف استطعت إقناعنا بإجراء هذا الحوار بين الزهر والعاشق؟؟
لأنني عاشق حقاً، وأغار حقاً.. حتى من الزهر على المحبوب، فقلت الحقيقة في هذه القصيدة الخفيفة الظل.
ليل
* حديثك إلى الليل.. حديث ذو شجون.. هلا حدثتنا بشيء من التفاصيل عن هذا الحديث؟
عندما تكون صاحب قضية صحيحة من حيث منطلقها العلمي والمنطقي، ويتدخل المغرضون الأشداء ضدها، ويصرون على أن يكونوا ضدها وليس غير، فأي شاعر صادق مع نفسه يقول مثل هذه القصيدة، ليجد فيها شيئاً من المواساة والتنفيس، ولعل هناك من يسمع ويرى، وهناك من حق لي أن أقول له.. لا شماته، يارب.
بطولات
* القدس.. جروزني.. البوسنة والهرسك.. وغيرها.. هم الأمة الإسلامية وخنجر مطعون في صدرها.. كتبت عنها كثيراً.. بينما اشتغل غيرك من الشعراء عن هذه القضية.. هل تعتقد أنه آن الأوان لتمجيد البطولات هناك.. بمعلقات تعلق على صدورنا تحكي قصص الأبطال هناك..؟؟
أولاً، كلٌّ ساهم بما عنده، وأعتقد أنه آن الأوان لمثل هذا التمجيد، بشرط أن تسمح السياسة الدولية والعربية عموماً بمثل هذا العمل الصحيح المطلوب حقاً.
أمسيات
* أقمت عدداً من الأمسيات في بعض المدن ونقشت بإلهامك العديد من سرايا الهوى لها.. ما الجدوى من مخاطبة المدن؟؟.. أتستشعر الوجوه داخلها؟ أم أنك تتلذذ بمخاطبة الروح الحية في الجماد والكتل الإسمنتية؟؟
عندما يمتدح الشاعر بلداً ما فهو، بالدرجة الأولى، يمتدح أهله وساكنيه. إلا إذا امتدح الجو والمناخ والأنهر وما إلى ذلك. ولكن عندما تقولين إن المدينة المنورة كانت الحضن الذي استقر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.. فأنت لا تقصدين الحجر أو الزرع أو الأرض الذي قدم هذا الحضن؟ لا.. إنهم أهلها الذين قدموا ذلك.. وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك عوامل جغرافية أو مكانية أعانت أهلها على توفير الحضن والدفاع عنه.
هجران
* عوّدتني يا ليل هجران الكرى
فمى تعوّدني لقاء حبيبي
أضاقت بك الحيل وتقطعت بك السبل لتستضعف أمام عتمة الليل وترجوه الوصل؟ وهل أنت راضٍ عن وضع روحك بين قضبان الغسق طالباً بدء النور؟؟ وهل هناك عامل آخر يشترك مع الحبيب في الإلهام لهذه القصيدة؟؟
أنا لم أضعف أمام عتمة الليل. ولكن المحب كالغريق يتمسك بقشة. والقشة هنا هي الليل الذي عادة يتم فيه الوصال. وحقيقة الأمر أنني كنت أعتب عليه وألومه على تعامله الجائر مع المحبين. فقد كان بطيئاً في إسعافهم. لأنه، في بداية وقته، لم يكن يحس بهم. ثم هو لما أحس بهم تركهم للصبح الذي بددهم بضيائه. ولذلك فلم أكن، في هذه الحالة، أطلب النور.
وبالنسبة للشق الأخير من السؤال.. نعم كان هناك عامل آخر. وكأنني أقول: أما يكفيك أيها الليل ما أعانيه من ظلم وجور حول إبداعي ومضائي، حتى يعاقبني هذا المحبوب بالهجران، وأنت تساعده.
مدائن
* التلمذة.. والتقزّم.. والحياة البوهيمية الخالية من الروح والنظم.
ثلاث مفردات تعتبر بنظري مدائن من الحروف.. أجب، من تلمذك، ومن تلمذت، ومن تقزّم أمامك، ومن تقزّمت عنده؟؟ ومن أقلقك ببوهيميته القاتلة؟؟
أوافقك تماما على أنها مدائن من الحروف. أما من تلمذني فأبدأ بوالدّي رحمهما الله، ثم أساتذتي الذين درست على أيديهم سواء في الشرق أو الغرب وقد ذكرت بعضهم في بداية هذا الحوار ولكنني أضيف إليهم، بكل الاعتزاز، الشيخ أحمد زكي يماني، والدكتور عبدالهادي حسن طاهر والبروفيسور الستيركوبر. أستاذي في مرحلة الدكتوراه، والبروفيسور ديفيد موربي الذي وجهني للبحث العلمي في شؤون التقنية والتصنيع البحري. هؤلاء جميعاً أكن لهم الحب والتقدير.
أما من هو الذي تقزم أمامي، فلم أحاول أن أقزم أحداً، رغم أنه خاب ظني في أناس حسبتهم يحفظون أمانة المسؤولية، وأمانة العلم الذي يحملونه، وإذ بهم لا يعطون للمسؤولية حقها ولا للعلم الذي يحملونه أمانته ولا للصداقة واجبها. هولاء تقزموا أمام أنفسهم قبل أن يحسوا أنهم تقزموا أمامي.
وأما أمام مَنْ تقزّمت أنا.. فبفضل من الله، لم أتقزم أمام أحد إلا أمامه سبحانه وتعالى وأمام سيد البشر.. صلى الله عليه وسلم، والقدْرُ بهما دائماً عالياً.
وأما الذي أقلقني ببوهيميته القاتلة فهو الشعب العربي بصفة عامة. وقد نستثني من ذلك بعضا منه.
رعد
* وكلانا عبقريٌّ صدحه
وكلانا مبدعٌ في الهمسة
وكلانا شده الحب فما
بات يخشى غير هم الفرقة
قد صغت للرعد إذ قال لها
عاشق هذا وربِّ الكعبة
أوَصَلتْ مرحلة الخفق داخلك لدرجة إسماع الرعد بكل جلالته وقوته؟؟ ليحلف لمحبوبتك نيابة عنك ويصبغ قلبك بالعشق؟؟
نعم.. وصل الخفق إلى هذه المرحلة. والذي لا يصدق، لا يكون قد جرب عشقا ونجاء من غيمة في الشفا. وهذا اسم قصيدة لي في ديواني الجديد "ذو العصف والريحان" الذي يقوم بإصداره نادي الطائف الأدبي.
اقتحام
* الركض بالقيد.. والضحك دون شفاه.. أجربت ممارستها أم أنك غير مخول لاقتحام هذا الصعب..؟؟
أما الركض بالقيد، فوالله ركضت. وأما الضحك دون شفاه، فوالله قد ضحكت. ولم يعرني أحد اهتماما حينما ركضت بالقيد، ولم يسمعني أحد حينما ضحكت دون شفاه. جربت كل هذا وجربت ما هو غيره حينما كنت أتحدث عن موضوع التصنيع في العالم العربي. وفي زمن كزماننا هذا.. زمن العجائب، كل ما لا يتخيله العقل يمكن حدوثه وجوازه.
جدوى
* مركز "د. بهاء" للاستشارات.. مركز حافل بالعمل الجاد هل تعتقد بجدوى هذه المراكز في عصر العولمة والإنترنت؟ حدثنا بشيء من التفصيل عن اقتران عوالمك الشعرية بعالمك في المركز..؟؟
تمتزج أحياناً هذه العوالم. ولعلك قد رأيت ذلك واضحاً في بعض شعري، في مثل قصيدة "قلائد جدة"، وقصيدة "معاناة الطريق" وغيرهما. ومن حسن حظي أنني أستطيع أن أفصل، حين أريد، بين هذه العوالم فلا يؤثر أحدهما على الآخر.
أما جدوى هذه المراكز، فلا تتأثر سلباً.. لا بالعولمة ولا بالإنترنت، وإنما تتأثر بمدى نضج المستثمر وتقبله بإجراء الدراسات الاقتصادية القويمة لمشروعه، وليس الالتفاف على مثل هذا المطلب الشديد الأهمية لنجاح المشروع بشتى الطرق.
رقة
* برعت في تصميم المباني الفخيمة ذات الأسقف الحالمة والرواشين العاشقة بدءا من "قصر المشتاق" و"أيكة شاعر" و"ملتقى قمرين" و"الطائر الغريد" و"حدائق الكناري".. ما هذه الرقة في الأسماء والروعة في التصاميم.. ألا تدرك أن الكتل الأسمنتية عاجزة عن تسقيف أرواحنا وروشنة قلوبنا..؟؟ أم أنك تؤكد أن الأبنية قصائد فوق أوراق التراب..؟؟ بربك من يستطيع الائتلاف معها والعيش داخل أبياتها..؟؟
التصميم المعماري الإبداعي، هو هواية من هواياتي المتأصلة في وجداني. وقد وصلت في ممارستها إلى حد الإتقان. وبعت بعض تصاميمي، ونفذ بعضها في جدة وإنجلترا. وما يميز هذه التصاميم هو أنها تتوخى أن تهيئ جوا ومكانا تأتلفهما النفس ويجعلانها تحب البقاء فيهما لأطول مدة ممكنة.. ولقد نجحت في ذلك.
فلكلور
* الشعر الشعبي النابع من أسبار اللهجة العامية.. أتؤمن به، أم أنك ممن يناظرون في المنتديات برفضه. وهل مارست كتابته والخوض في بحره..؟؟
أؤمن به كفلكلور ترفّه به العامة عن نفسها، ولا شيء فوق ذلك. أما أن يحتل مكانا يشتغل المثقفون به تقعيداً وتدريسا، فلا أؤمن بذلك. أرى أن ندعه يتطور على سجيته كما تطور خلال العصور الماضية منذ عهد النبط إلى الآن. ولا تنسي أن الاهتمام بأشياء كهذه وعدم لجمها في وقتها المناسب، كانت المقدمات التي فككت اللغة اللاتينية وبعثرتها إلى عدة لغات. فأين هي اللغة اللاتينية الأصل الآن؟ ولكنني لست ضد الشعر الشعبي أبداً، في الإطار الذي ذكرته سلفاً. فلقد تجدينني، في خلوتي، وربما بحكم أن مرحلة صباي المبكرة كانت في تبوك وخيبر، وفي بيئة شبه بدوية، أردد، بيني وبين نفسي، بعض الهجيني البدوي، فأقول:
يا راكب حمراً تشلَّ المراكيب
سفايفه تومي على كل نيّه
واليا مشت يا كنها جايع الذيب
ركّابها بالضيق يحمي خويّه
ويقول لي أهلي: وما المعنى؟ فأقول لهم إن المعنى هو أنها ناقة حمراء، تحمل الركاب، مطهمة بأشياء تزينها، وهذه الأشياء تتمايل بها إلى كل اتجاه أثناء سيرها، وهي في هذا السير جادة كالذئب الجائع، دليل الهمة والنشاط والجدية، ومن ركبها يستطيع أن يحمي رفيقه وقت الضيق. فالمعنى جميل وفيه خيال وحقائق. أما السفايف، من السفائف، وهي جمع السفيفة وأصلها النسيج من ورق النخل، أو هو حزام الرحل.
وبالنسبة للشق الأخير من السؤال، وهو عما إذا كنت قد مارست النظم بالشعر العامي. فالحقيقة هي أنني سألت نفسي مرة، هل يستطيع الشاعر الفصيح، من غير أبناء البادية، أن يقول الشعر العامي، فجربت وقلت الأبيات التالية:
يا زين هالبنت بين كل المخاليق
ما فيه شبيه لها ولا حتى شويّه
تكوي بنار كلها حب وتشويق
ولا جيت أمشي بدت تبكي عليّه
واحس بلوعات الهوى نار وتحريق
وأقول يا زين ناره ويازين كيّه
وأعترف بأن هذه الأبيات ليست عميقة الدلالات ولا محتشدة المعنى، وهي تقليدية تماماً، ولكنها تثبت أن الشاعر الفصيح، يسهل عليه النظم بالعامية إذا ألم بقدر كاف من لغة الشعر الشعبي. وإن العكس لهو الصحيح.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved