الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th June,2003 العدد : 18

الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

قصة قصيرة
ترويض
هيفاء الربيع
أتكوم بجانب عمود الخيمة، أشعر بخوف شديد، هكذا تُراق الدماء، تصمت الأجساد، تذوب الأنفاس (فلوة) كانت تملأ الصحراء بهياجها تضع بصمة التحدي بحوافرها الصلبة، تقتلع الأشواك بفمها المُشعر تلوكها بلذة غامرة، تجترع بحنجرتها ظمأ الصحراء..
أشفق عليها كثيراً، أحمل الماء على راحة كفي ترتشف بعض القطرات ثم ترفع هامة رأسها عالياً فتحجب عني حرارة الصيف.
حينها أتشبث بخطامها، تُذعن على الفور، أقدامي تغوص في الرمال، أدفن أصابعي في صوفها المتشابك بعدها أشعر بشموخ النهوض.
اسير بين نساء البادية باعتزاز كبير، فكل ما يحملنه من عناء أضعه على ظهر (فلوة) حُزم الحطب، القرب المملوءة بالماء.
(أبو مخلد) يعتمد عليّ كثيراً وأنا اعتمد على هذه الناقة التي تُسهل كل ما أواجه من صعوبة الصحراء، لا أنسى تلك العاصفة الرملية التي حجبت عني رؤية الخيام والجبال السمراء.
اقتربت من (فلوة) وشعرت براحة تغمر كياني لأصل إلى الخيام بكل سهولة ويسر، هناك من يكره الجمال تبقى مشاعر الخوف حواجز يصعب من خلالها اختراق ترويضه كيفما يشاء.
(فلوة) تركتني وحيدة، فهل استطيع ترويض مشاعري، كبت مواجعي عن نساء البادية؟
هل استطيع حمل عناء الصحراء على جسدي المنهك؟
هاه يا (أم مخلد) هل العشاء جاهز؟
فالضيوف على عجلة من أمرهم.
كم أكره هؤلاء الضيوف الذين حرموني من أعز المخلوقات لديّ، تمنيت إطفاء النار لينسحبوا بهدوء ولكن قيمة العادات والتقاليد لا تزال تضرب بجذورها في قلبي تبقى جبالا ثابتة في عقلي الذي يرفض أي مبدأ للخروج عن فطرتي التي نشأت عليها.
***
اقترب من القدر، الأبخرة تتصاعد، تمتزج مع رائحة الدم. أرى اللحم مختلطاً بالعظم، ذلك الجسد المهيب أصبح اجزاء متفرقة، أشعر بالدوار والغثيان يجعلني أفرغ كل ما في جوفي..
يقترب (مخلد) يلتصق بجسدي، يطوقني بذراعيه الصغيرتين، جسدي يقشعر لملامسته لي..
أعددت العشاء وضعت جسد (فلوة) المقطع إلى إجزاء متفرقة تشتهيه الأفواه الجائعة، أحافظ على سمعة زوجي، أصافح صفة الكرم وأنا أشيح بوجهي المصفر ورأسي الُمثقل بالمخاوف ماذا سنأكل غداً؟ بماذا سأخبر جدول الماء؟ حزم الحطب!!
آه كم يصعب احتضان الصحراء في قلب قد اعتاد أن يجد الجسد المهيب.
(أبو مخلد) يقترب أرى وجهه مهللاً بابتسامة مشرقة لقد حافظتِ على سمعتي وسمعة البادية، الضيوف اثنوا كثيراً على هذه الوجبة الدسمة، أخفي دموعي يُعزيني بأن ضيفه غداً سيقدم له عشرة رؤوس من الإبل لا عليك يا (أبو مخلد) وتأكد أن نار هذه الخيمة لن تنطفئ، وكل ما أعتز بامتلاكه هو تحت رهن أمرك، تقترب من النار، تضع الحطب، تتصاعد ألسنة اللهب الممزوج بالغضا من خلف لهيب النار تهتز صورة قد اعتادت رؤيتها كل ليلة، صخرة جامدة حبل يرتمي على الأرض، فراغ مخيف يمتد مع أمواج الرمال..
الألم ينهض من بؤرة الفراغ ينمو في ظلمة الليل عليّ اكرام الضيوف وترويض مشاعري على قسوة الصحراء.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved