الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 30th June,2003 العدد : 18

الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

الغربال
د.عبد الله ابو داهش (*)
قال محمود سامي البارودي (1255 1322هـ) وهو في المنفى بسرنديب:
أرى الغيث قد عمَّ البلاد بأسرها
وموضع رحلي لم يصبه رشاشُ
متى ترد الهيم الخوامس منهلاً
تبلُّ به الأكباد فهي عطاشُ(1)
قلت: قائل هذين البيت يحمل همة بعيدة المنال ليست قريبة ولا هينة، ولا غرو فهو سيد القلم والسيف، نال مقاماً محموداً في حياته الدنيا، ولم يلبث حتى طوح به الحال فأصبح أسيراً في سرنديب لا يسمع في مقامه هنالك سوى أصوات أمواج المحيط تضرب وجه الصخر ليل نهار، ومضى العمر يستمرئ هذا الواقع حتى إذا دبّ الهمُّ إلى فؤاده، وأكل الحزن حشاه أنشد هذين البيتين.
أما البيت الأول فليس له فيه من الأمر شيء، بل هو لله سبحانه وأما بيته الثاني فقد عكس همته، ودل عليها، ترى ما الذي عناه البارودي بقوله "الهيم الخوامس"، "المنهل"، و"الأكباد العطاش"، عناصر شتى تباشر حالاً واحداً هو المقام العصيب الذي يعيشه الشاعر، ولا تبعد، فهمة البارودي الواسعة توازي ظمأ الإبل الخوامس العطاش التي أضناها الظمأ فقطع أكبادها فهي عرض الصحراء: ظمأ شديد مؤداه الشرب العميق عند ورودها المنهل: شأن البارودي نفسه عند خلاصه من السجن ليباشر حياته الطبيعية، توازن مرير بين العنصرين يزيده تأكيداً قول الشاعر نفسه: "فهي عطاش"، نعم إنها لكذلك في نظر الشاعر لمعاناته المماثلة، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو العزيز الحكيم.
(1) ديوانه.
+++++++++++++++++++++++++++
أ‌. * كلية اللغة العربية جامعة الملك خالد أبها
+++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved