Culture Magazine Monday  30/07/2007 G Issue 209
فضاءات
الأثنين 16 ,رجب 1428   العدد  209
 

عاميّة ودارجة ومستشرقون
د. مصلح النجار

 

 

في العام 1883 رفع اللورد روفرين إلى وزير الخارجية البريطاني تقريراً دعا فيه إلى محاربة اللغة العربيّة الفصيحة، وإلى تشجيع لهجة مصر، لبناء صروح الثقافة، والتربية والتعليم في مصر. وقد شجعت الحكومة البريطانية إنشاء صحف مكتوبة بالدارجة المصرية، صدر منها سنة 1900 وحدها سبع عشرة صحيفة.

ولعلّ الحرب على العربية الفصيحة بدأت بالمستشرق الألمانيّ ولهلم سبيتا الذي ألّف كتاباً بالألمانية يضمّ قواعد اللهجة المصرية صرفاً واشتقاقاً، وألّف كتاباً آخر في أمثال العامية المصرية، ودعا الصحف المصرية إلى الكتابة بالعامية، لإيمانه بالأثر الذي تتحلّى به الصحافة، في تشكيل اللغة، وإرساء واقعها، والتفريق بين الجانب الحيّ منها، والجانب غير الحيّ.

ثمّ اشتد أوار الحرب بظهور المستشرق البريطاني المهندس وليم وِلكوكس، الذي ألقى محاضرة سنة 1892 قال فيها: إن سر عدم تحقيق المصريين للاختراعات أنهم يؤلفون ويكتبون بالفصيحة، ولو أنهم ألّفوا وكتبوا بالعامية؛ لكانت لهم فرصة للابتكار.

وهو القائل بأنّ الأمم التي تمكنت من الارتقاء هي التي هجرت الفصيحة إلى اللغة الدارجة بين فلاحيها. وقد أعلن ولكوكس هذه الآراء من خلال مجلّة اسمها (مجلة الأزهر)، وهي ليست من مجلاّت الأزهر الشريف. ثمّ ألفيناه بعد ذلك يترجم أدب شكسبير إلى العامّيّة المصريّة.

وقد تصدّى لولكوكس، ودعواتِه بعضُ الغيورين على صفحات جريدة (المؤيد)، ولكنّ من أغرب من تصدّوا له جرجي زيدان، الذي رأى أنّ ولكوكس لم يُصب المرمى في رأيه، لأن ما صَدَقَ على الإنجليزية لا يصدق على لغتنا، ذلك أنّ الإنجليز بإحلالهم الإنجليزية محلّ اللاتينية؛ استبدلوا بلغةٍ أجنبيةٍ لغةً وطنية، فضلاً عن أنّ العاميّات متباينة بالقدْرِ ذاته الذي تختلف فيه الفصيحة عن العاميّة.

وينضمّ إلى ولكوكس، بعد ست سنوات تقريباً، مارتن هريمان الذي جأر بدعوته إلى الدارجة في مجلة (المشرق) سنة 1898.

وفي سنة 1901 ألّف أحد قضاة محكمة الاستئناف الأهلية في مصر وهو القاضي الإنجليزي وِلمور كتاباً عنوانه (لغة القاهرة) قعّد فيه لتلك (اللغة)، واقترح أن تكون لغةَ الأدب والعلم، وأن تتمّ كتابتها بالحرف اللاتينيّ.

ورأى أنّ أوفق ابتداء لتعميم العاميّة هو الصحف، مع حاجة إلى فريق من الرجال ذوي النفوذ، لفرض قليل من التعليم الإجباري (باللغة) العاميّة في المدارس، على مدى سنتين مثلاً، فتنتشر القراءة والكتابة بالعاميّة في مصر. وقد تصدّى للردّ على وِلمور مجموعةٌ من الأعلام من أمثال فرح أنطون الذي ردّ على صفحات مجلة (الجامعة)، وعدّ حربه على العربيّة حرباً على قوانين الطبيعة. ومن أصحاب الردود على ولمور كذلك علي يوسف الذي كتب ردوده في (المؤيد).

وينضمّ إلى ركب المستشرقين الذين دعوا إلى العاميّة أيضاً وليم تمبل جاردنر الذي ألّف كتاباً عن العاميّة المصرية، سنة 1917. فإذا غادرنا العامّيّة المصرية؛ ألفينا المستشرق الفرنسيّ كولان يدعو إلى العاميّة المغربيّة، وكان ذلك تابعاً من الناحية الزمنيّة لمحاولات كثيرة لفرْنَسَةِ المغربِ العربيّ.

وقد تولّى الردّ على كولان أعلامٌ من أمثال العلامة المغربيّ عبدالله جنون، والمصريّ زكي مبارك. وينضاف إلى كولان مستشرق فرنسيّ آخر هو مِييه صاحب كتاب (اللسانيات التاريخية واللسانيات العامة)، وقد عقد فيه موازنة بين تطوّر اللاتينية، وتطور العربية، وزعم أنّ التطوّرين متشابهان، واستنتج أنّ كلّ واحدة من اللغتين قد أدّت إلى ميلاد (لغات) متعدّدة، منفصلٍ بعضُها عن بعضها الآخر، وقال: تعدّ العربية السورية، والعربية المصرية، والعربية المغربية بدائل من لغة الفاتحين العرب.

وقد ركّز المستشرق إي شوبي في كتابه (أثر اللغة العربية في نفسية العرب) الصادر سنة 1951 على القِران بين حال العربية الفصيحة آنذاك، وحال اللاتينية المنقرضة، وفي ذلك إلماح إلى قبول أن تُبدل باللغة العربية الفصيحة (لغات) عامّيّة وريثة.

والغريب، كما يلاحظ أنور الجندي، لدى تقويمه آراء المستشرقين في هذا الباب، أن المستشرقين الذين أدلوا بدلوهم في هذه المسألة كثيرٌ منهم لم يكونوا من أصحاب التخصّص، بل من المهندسين، والقضاة، وأمناء المكتبات.

- عمان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة