Culture Magazine Monday  30/07/2007 G Issue 209
الثالثة
الأثنين 16 ,رجب 1428   العدد  209
 
من (تفاحة) آدم إلى (شكولاتة)حواء
بشائر محمد لا تراهن على فلسفية الجسد..وتصف السلبي بالمدهش

 

 

حوار - محمد عبدالله الهويمل:

صدر عن فراديس للنشر والتوزيع الرواية الأولى للشاعرة بشائر محمد تحت اسم (ثمن الشكولاتة) وطرحت الروائية في تجربتها جملة من الاشكالات الثقافية والإنسانية المهمة طرحاً محمولاً على لغة يمكن تصنيفها في خانة السهل الممتنع.

(الثقافية) التقت بشائر محمد وحاورتها بشأن النقلة الدلالية لشكولاتة حواء والخلفية المضمرة للأسلوب الكتابي والضمير المتكلم ومجتمع الفضيلة روائياً، وكذلك فضاءات الجسد الثقافية والفلسفية.

* تطرحين (الشكولاتة) رمزاً للإغواء.. ترى هل ثمة نقل دلالية توسع أو تضيق المسافة بين (تفاحة آدم) و (شكولاتة حواء)؟

- تفاحة آدم بكل الأبعاد الأسطورية التي أحاطت بها على مر العصور تجعل من كل النساء سيئات والرجل مستسلما بريئا للغواية، وهي بشكل أكثر وضوحاً محاولة لتبرئة آدم كلية من تهمة الغواية أو الخطيئة وحصر الشر والغواية في حواء، فهي لا تقع عليها مسؤولية انحرافها فقط بل، وتتحمل مسؤولية انحراف الرجل لأنها (الفتنة والغواية والخطيئة)، وقبل أن ننخرط في جدل ميتافيزيقي حول حرية آدم وجبريته.. فإن القرآن حمله فعل المعصية (وعصى آدم ربه فغوى).

لكن الشكولاتة هنا تعطي كلا من آدم وحواء في العصر الحاضر فرصة تبادل الأدوار بعيداً عن كل الموروثات الأسطورية، فآدم التفاحة هو مبتدع الغواية، وهو المخطط لها منذ أن كانت حواء الشكولاتة قاصرة عن إدراك البعد السيىء لشيء جميل ولذيذ كالشوكولاتة.

لكن تفاحة آدم قد تقترب أو تبتعد أو تتماهى مع شكولاتة حواء بحسب الظروف المحيطة والعوامل التي تصبغ المسافة الفاصلة بينهما، فهناك على وجه الحقيقة نمط من التداخل لابد أن يتم بين الاثنين في مرحلة ما متقدمة كانت أو متأخرة، وإن كانت لآدم اليد الطولى في وضع اللبنات الأولى للتأسيس لمرحلة فكرية أخرى.

* تتمتع كتاباتك بتدقيق مائي وسهولة ممتنعة لاتخل بجزالة اللغة ووقارها.. هل تعزين هذا إلى خلفية ثقافية مضمرة؟ أم أنه قدر الفن؟

- لاشك أن مكتسبات الكاتب الثقافية هي المسؤولة عن تشكيل أسلوبه بل هي التي تؤثر بشكل مباشر على الخطاب السردي وتتدخل في خطة الكتابة وطبيعتها سواء أراد هذا الكاتب أم لم يرده، وأنا ممن يأسرهم ذلك السهل الممتنع، الموغل في الامتناع وأميل إليه خاصة في الكتابات السردية وأنفر من المبالغة في الرمز أو اللغز لدرجة ضياع خيوط الحكاية أو تشابكها، فأنا عندما أقدم على قراءة عمل روائي لا أرغب بما يفسد علي المتعة من تعقيد وتحليل وغموض، بل أجد أن من مهمة الكاتب أن يحاول الوصول بالمعلومة الصعبة إلى وسطية معتدلة لا ترهق القارئ ولا تضيع جمالية النص وطبيعة المعلومة وخصوصيتها.

كثير من الروائيين الكبار ممن قرأت لهم وشدتني كتاباتهم وما زالت.. أجابوا على سؤالي الممعن في الحيرة.. لماذا هؤلاء بالذات أجبروني على القراءة وأمتعوني بها، بينما بعضهم الآخر لم يفلح في أن يمنحني نفس المقدار من المتعة والفائدة فلا أستطيع اكمال الرواية حتى المنتصف إلا وأصاب بالتململ.. كانت الإجابة حاضرة في ثنايا كتبهم وبالتحديد في أساليبهم السلسة الواضحة التي تنصهر مع الفنون الشفافة الراقية حتى يتشكل لدينا نسيج بديع يتزاوج فيه الأدب والفن بشكل أخاذ يمسك بيدك ويشد انتباهك حتى يستوفي مالديه من رسائل وإرشادات يود إيصالها لك، فقدر الفن أن يرقب ويرصد ويعري وقدر الفنان الصادق أن يعيش اللحظة بكل أحاسيسها حتى المؤلم منها فيتعمق به حتى لو عصف به الألم باحثاً عن مواطن الصدق.. وهنا تحديدا يلتقي (الفن والأدب) وكلاهما يحمل رسالة، لذلك وحتى تفهم هذه الرسالة يجب ألا يعتريها الغموض وإلا فإن الكاتب سوف يتحمل نتيجة الفهم المغلوط لمضمون هذه الرسالة.

* اعتمدت الضمير المتكلم في السرد، ما شروط الشفافية الذي يتوفر في ضمير المتكلم ولا يتوفر في غيره؟

لضمير المتكلم قدرة عجيبة على إحداث التداخل التام بين السارد أو الراوي والشخصية، لذلك يكون هو الأقرب للقارئ لما يوجده من قرب وحميمية عن طريق البوح أو لغة الاعتراف، لكن يجب أن يحقق هذا الضمير المركزية والانتشارية بشكل متوازن داخل العمل السردي، فلا يمكن أن تكون (الأنا) حاضرة في كل زمان ومكان وكيفية تنقله هنا، وهناك بشكل عبثي لتتمكن من دفع مسار الرواية مغفلة حصافة القارئ ونباهته، ولا يمكن أن تتبلور داخل نطاق واحد ضيق ومحمود، وما يدور في مجال هذا النطاق فقط، فيصبح العمل السردي مشلولاً أو شبه معاق يواجه صعوبة في التقدم للأمام أو التحرك بحرية.

وفي الشكولاتة تحديداً.. لا تجد هذا الضمير يخترق الشخصيات أو يتحكم فيها بشكل سافر كالسارد الخارجي لكنه برغم هذا يستطيع أن يسكت بعض الأصوات، ويستنطق بعضها الآخر بسلاسة تامة دون أن يرهق القارئ بالحوارات المطولة أو الاستنتاجات الفجة.

لكنه وحده يتحمل مسؤولية دفع الأحداث وما يسفر عنه هذا التقدم بالأحداث من بروز شخصيات مفاجئة لم يمهد لها أو قضايا لم تكن في الحسبان.

ثم إن في الشكولاتة تنوعا في الضمائر التي تعاملت مع (ضمير المتكلم) أو تعامل هو معها فلو لاحظت هناك تنقل في الضمائر بين المخاطب والغائب، وكذلك المخاطبة والغائبة والهدف من كل هذا إبعاد سلطة (الأنا) السردية عن القارئ وإبقاء ذهنه يقظاً أثناء القراءة لأنه يعرف أن لخطاب السردي لن يكون على وتيرة واحدة.

* روايتك والرواية السعودية الحديثة تتماس مع السلبي وتؤطره بأطر عملاقة، ألا نستطيع أن نبدع إذا تماهت حقولنا الدلالية في رصد مجتمع الفضيلة؟

- هذا السلبي الذي تتحدث عنه هو المدهش والغريب الذي صدمنا به، ولا نريد استيعابه هو الاكتشاف الذي سبقنا إليه كل العالم، ونحن نصفف أجنحتنا البيضاء ونفترش أسرة الغيم في حلم ملائكي جميل هو الذي أزاح عن عقولنا وأبصارنا أسطورة المجتمع الملائكي الفاضل، هي طريقة أخرى لتجرع السم حتى نشفى، لابد أن نذوق مرارة الدواء حتى نعرف قيمة العافية التي فرطنا فيها حين غفلة لا نريد العيش في أكذوبة كبيرة، وماض ولى وأسطورة يحكيها لنا الأجداد، إننا نقوم بما يشبه الاختراق لأسياج مجتمعية تخفي وراءها ما تخفي، إنها مقاربة للواقع بكل صورة وانتقاء للصورة الأفضل.

* الجسد لا يزال فضاء جنسياً، متى يخرج بطل السرد الذي يحيل الجسد إلى ثقافة ذات معطى فلسفي أو صوفي؟

- لا نستطيع بمكان وضع الجسد في إطار صوفي فلسفي على الدوام، وكذلك لا نتخيل الجسد فضاء جنسياً محضاً على الدوام.

فالقلق مثلاً هو القلق.. لكن يصنف إلى قلق سلبي إذا عبرت منه للسلبي وقلق ايجابي إذا أدى بك إلى أمور ايجابية.

وكذلك الجسد من وجهة نظري.. ما هو إلا معبر كبير تستطيع الولوج منه إلى عوالم كثيرة متباينة.

المعبر الصوفي الفلسفي لن يوصلك إلى ملاك الصاخبة المتعبة الضائعة.. قد يوصلك إلى مكان آخر لكنك بالتأكيد لن تجد.. ملاك وأمها وخالد وياسر وزياد، فالجسد من وجهة نظري ليس مجرد لغة خاصة احتجنا أغلب مفرداتها في الشكولاته بل هو ثقافة خاصة وفكر خاص كذلك، لذلك لايجب أن يعامل بمنأى عن البيئة الزمانية والمكانية والاجتماعية في النص، ولا نستطيع إخراجه من سياق المنظومة الروائية في الشكولاته وغيرها بشكل عام.

* (نحن الفتيات.. تسعدنا نظرات الإعجاب وتزيد من رصيد الثقة بالنفس) كيف يتجلى خطاب المرأة الجديد في التعاطي مع هذه السلبية؟

- قبل أن أتناول سؤالك لابد أن أشير للقارئ الكريم الذي لم يقرأ الرواية إلى أن ما بين القوسين جملة قالتها ملاك بطلة الشكولاتة.

لكن أعتقد أن اعتبار هذا الإقرار سلبية هو ضرب من المبالغة. فنظرات الإعجاب لها دور إيجابي في تعزيز الثقة بالنفس حتى على الصعيد التربوي. فملاك لم تذكر ما إذا كانت النظرة من رجل على وجه التحديد. وإن كنت تود التحدث ونحن نضع في الحسبان الأجواء التي أطلقت فيها ملاك هذه الجملة فقبل أن نحكم عليها بالسلبية دعنا نستعرض بعض الجمل التي قالتها ملاك كذلك، وفي مواضع متباينة في الرواية.. أليست هي ملاك التي قالت في موضع آخر (نعم.. زوج لا يكفي للوفاء بكل متطلباتي الكثيرة، تستهويني المكالمات الهاتفية و.....).

ثم هي التي قالت في معرض حديثها عن ياسر (فهو يبدو لي عديم الخبرة بالنساء. كان يتعلم أولى أبجدياته ويخط أولى حروفه على ورقتي التي لا تحمل أي سطر قد يهتدي به لكتابة مستقيمة).

إذاً نحن أمام شخصية واضحة صريحة إلى أبعد الحدود تقترب جداً من القارئ باعترافاتها فهي لا تتحدث بصراحة عن باقي الشخصيات فقط، بل وتتحدث بوضوح عن نفسها أيضاً.

شخصية ملاك غير مكترثة بالخطاب الجديد للمرأة فهي تتحدث عما لا يعرفه الآخرون عن المرأة تتناولها من الداخل، مثلما أشارت بشكل صريح يمثل وجهة نظرها في حديثها عن أغلب المثقفين السعوديين عندما قالت: (كان أغلب المثقفين السعوديين من أكبر المنادين بحقوق وحرية المرأة لأنه واثق أنه خير من يستغل هذه الحرية لصالحه). وقد يكون للشخصيات المثقفة الكثيرة التي التقتهم مع زوجها السابق دور في تكوين هذه النظرة.

هذا المد الصاخب من الاعترافات التي تقدمها ملاك للقارئ في أوراقها الصفراء لا يمكن أن ينم عن سلبية بقدر ما هو وجهة نظر فردية، أو رؤية خاصة بالبطلة وحدها لاتهدف من ورائها إلى التأسيس لخطاب جديد آخر أو الكشف عن مساوئ أو ثغرات الخطاب الحالي.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة