الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 30th August,2004 العدد : 74

الأثنين 14 ,رجب 1425

تأملات في كتاب
أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل..و(أسطورة البطل)(14)
سهام القحطاني
.. أخطاء الأمم هي التي تصنع قوى الطغيان، إنه الدرس الذي لم نستفده من التاريخ!
قدم لنا كتاب (أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل) لأستاذنا الكبير الدكتور فهد العرابي، حقائق لأمور كنا نظنها، فباتت عندنا يقيناً لا تفسده الشكوك، حقائق عرّت لنا سيدة العالم من زيّها الحضاري الذي يشبه بدلة رقص شرقية لنتفحص مفاتن نرجسيتها المباركة لتحقيق (عقيدة الاختيار الإلهي) التي صنعت من شعبها البطل الإله على غرار شعب الله المختار من قبل إلههم (يهوه) (لتفوقه العرقي والثقافي) لإنقاذ الإنسانية وحمايتها من جحيم الشر (الدور الخلاصي للعالم) وهي من أجل تنفيذ هذه النبوءة عليها أن تملك (قدرة التوسع اللانهائي وحق التضحية بالآخر) هذه هي الثوابت التي صنعت أسطورة أمريكا (البطل الإله) الذي من حقه أن يعلم العالم كيف يعيش ويحب ويتعلم ويكره وكيف يتعلم مفهوم الحرية والعدالة والديمقراطية، من حقه أن يرتب طاولة العالم (للقبض عليه برمته) ص 307 من أجل (بناء عالم أفضل) ص 293 وعلينا جميعاً معشر الإنس والجان أن نخضع للقيم الأمريكية (ليس هناك أمة معفاة من المبادئ الأمريكية الحقة الثابتة للحرية والعدالة) كما يظن السيد جورج دبليو بوش ص 350، (فأمريكا هي العالم والعالم هو أمريكا) ص 303 هذه هي فلسفة البطل (أمريكا).
يضعنا مفتتح الكتاب أمام مسلمات ثلاث لمجتمع يتمتع بمواصفات النظام العالمي الجديد أو كأقل تقدير يقابله وجهاً لوجه وهو من أجل تحقيق توازن لصياغة هذه المقابلة لا بد من توافر هذه المسلمات وهي الإصلاح الشامل والإصلاح ليس كما يعتقده البعض تهديماً لقوى الأصالة بل هو تشكيل لرؤى جديدة في كيفيات التكيف العقلي والمادي والتقني مع المستجدات التي تصوغ اليوم النظام الجديد، وليس كل ما تآلفنا أو تعارفنا عليه أو توارثناه هو أصيل، وهذه مرحلة حيوية في حياة الإصلاح، أقصد مرحلة التنقية بين ما هو أصيل وما تحول إلى إصوال بجهل الناس، أما المسلمة الثانية فهي الاندماج مع عالم لم نعد نستطيع أن نرفضه فما العمل؟؟ (ليس هناك إلا عمل واحد، ألا وهو المشاركة في صنع الثقافة العالمية الجديدة، وإلا فإن الرفض المطلق لن يؤدي إلى أي نتيجة، بل إن مثل هذا الرفض هو الذي سيؤدي في النهاية إلى القضاء على الهوية الثقافية الذاتية) كما يقول استاذنا تركي الحمد أي أن القضية أصبحت وفق المنطق الشكسبيري (to be or no to be) في منظومة العولمة، والإصلاح والاندماج لا يتمان إلا في ضوء مبادئ العدالة والحرية والديمقراطية وهي المسلمة الثالثة لصياغة المجتمع في ضوء النظام العالمي الجديد، الذي خلقته أمريكا وتتزعمه اليوم وفق قيمها التي اختارها الإله بزعمهم لنشرها فوق الأرض ولو بالقوة العسكرية احتلالاً وغزواً وتدميراً واستغلالاً للشعوب وثرواتها.
إن الثوابت التي صنعت أسطورة أمريكا هي التي أضفت العليوية على قيمها (العدل والحرية والديمقراطية) التي تفرضها على شعوب العالم (المخلوقات المتعبة) الذين ما هم سوى (نصف شياطين، ونصف أطفال) ص 323 لذلك هم دائماً في حاجة إلى من يعلمهم بالقوة كيف يتعلمون القيم الأمريكية المقدسة الديمقراطية والعدالة والحرية!! لكي يجعلوا الشعوب تتمتع بالحضارة، وهنا أذكر عبارة ظريفة للفيلسوف الوجودي نيتشه صاحب نظرية السوبرمان (الإنسان الأعلى) يقول: (المساواة والحرية ليست سوى أكاذيب كبرى تقتضي سيادة القوى).
في الفصل الأول من الكتاب يتناول أستاذنا العرابي آثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تغير ملامح التاريخ العالمي، لا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت منعطفاً حيوياً ليس في حياة الأنظمة والعلاقات الدولية وانقسامها إلى محوري الشر والخير، بل وحياة الشعوب العربية وما تعرضت له وما زالت من تخبط وانهزامية حتى أصبحنا نجسد مقولة الأمريكية جيرترود شتاين الشهيرة لهمنجواي (أنكم جميعاً جيل ضائع) وتحولات وجدانية للمواطن العربي نحو أمريكا خاصة والغرب عامة، فأمريكا علمت الشعوب العربية كيف تتقن فن (الكراهية) لهيمنتها، نحن العرب لا نكره اليهود لكننا نكره دولة إسرائيل، ولا نكره أمريكا لكننا نكره هيمنتها، فالمرء يكره الفعل، فالفعل الإنساني هو جسد التحول العاطفي، وإن ظلت مقاييس الحب والكره في العلاقات الدولية مسألة نسبية يجب ألا تخضع في تشكيل علاقاتنا مع الآخر (فليس هناك صداقات دائمة بل مصالح دائمة يا صديقي) ونحن العرب لا نستوعب هذه النظرية جيداً لأننا ما زلنا متمسكين بجهالات الرومانسية وخزعبلاتها، فليس هناك ما يسمى بالقوة المعنوية التي يدعمها الخير والأخلاق كما تعلمنا في الأدبيات المدرسية، فالخير هو كل شيء يشعرنا بإرادة القوة والشر هو الذي يشعرنا بالضعف، والضعفاء يجب أن يفنوا، هكذا ينظّر الفيلسوف نيتشه فلسفة البقاء للأقوى. فالقوة مفهوم واحد في تكوين الحضارات منذ الامبراطورية الأغريقية وحتى الإمبراطورية الأمريكية (السلاح والمال).
إن أحداث 11 من سبتمبر غيرت الكثير من المفاهيم في الخارطة الفكرية للمواطن العربي ومواقفه منها، فقد اكتشف هشاشة بعضها كمفهوم الخطاب الوحدوي العربي والقومية العربية والأمة، ليكتشف المواطن العربي أنها ما كانت طوال عمرها سوى سراب أو مجموعة أغانٍ، كما أعاد بناء مفاهيم قديمة وفق رؤية التآلف مع الحضارات الأخرى كمفهوم الجهاد والكفار وتأويل النص المقدس وتطوير الخطاب الديني، وتعمق في قراءة مفاهيم مستجدة كمفهوم العولمة والنظام العالمي الجديد والسوق الحرة والرأسمالية، ودخلت مفاهيم جديدة أجندة الخطاب اليومي لتزاحم ما تبقى من فكر المواطن العربي المشتت مثل حوار الحضارات وصراعها و(الإرهاب والكراهية والانقلاب والتعصب والإقصاء والإلغاء) ص 75 وهكذا تحولت أحداث من 11 سبتمبر (بقصد) إلى قضية صراع حضارات وشعوب بين (أبناء النور الأمريكيين والإسرائيليين ضد أبناء الظلمات العرب والمسلمين)ص 55 وهكذا تأكدت ملامح شخصية العربي المسلم في وجدان الشعب الأمريكي خاصة والغربي عامة، التي كانت قديماً تقبل جدل التفنيد أما الآن فلا تفنيد للمؤكد على الأقل في وجدان المواطن الأمريكي الذي ينظر إلى العربي، انه ابن الصحراء النائية التي تمتزج ثقافته بالدم والثأر، وهي ثقافة عدائية ترفض الثقافة المغايرة وهكذا فالعرب في وجدان وفكر المواطن الأمريكي خاصة (قساة ومنافقون ومتوحشون ومتخلفون وفظون وغير أكفاء حضارياً)ص 83 وكون السعودية ممثلة للإسلام في وجدان المسلمين عامة والعرب خاصة كانت نموذجاً لتطبيق قاعدة ملامح الشخصية العربية الإرهابية وفق مقاييس الأمريكي التي تعتمد على (أنها بيئة طبيعية وثقافية منتجة للإرهاب.. وغياب الديمقراطية والمؤسسات الدستورية وبالتالي ضعف المشاركة السياسية وغمط حقوق المرأة وسوء توزيع الثروات وعدم تطوير سبل الإفادة منها فالنتيجة التي يراد الوصول إليها هي أن السعودية.. تعد بيئة خصبة لتوليد الإرهاب) ص 84 لا شك أننا جميعاً متأكدون أن الحملات الشرسة التي شنت على السعودية وما تزال من الإعلام (الصهيوني) الأمريكي لم يكن غرضها غير الشريف تحليل ظاهرة الإرهاب في المجتمع السعودي للمصلحة العامة وهي ظاهرة تماثل أو تقل عن ظاهرة العنف في المجتمع الأمريكي والغربي بل الغرض منها التشكيك في إنسانية الإسلام وعالميته وعدالته، إذن قضية الغرب الأساسية هي الإسلام وليس العرب، والحرب على الإرهاب هي حرب على الإسلام وهذا ليس تحليلاً عاطفياً أو إيديولوجياً للموضوع بل هو الحقيقة التي عبر عنها هنتنغتون في صراع الحضارات عندما أعلن أن الخطر القادم بعد سقوط الشيوعية هو (الإسلام) وهو إعلان لا نستغربه، لأننا كمسلمين نعلم الحقيقة لكن ضعفنا يجبرنا على تجاوزه، وقد أخبر القرآن الكريم عن تلك الحقيقة التي ستظل متجذرة داخل نفوس عشيرة السيد هنتنغتون، في قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (سورة البقرة120).
على العموم نحن لا ننكر أن المجتمع السعودي يعاني من نواقص ونحتاج إلى حركة إصلاحية منطقية لا تمس بالقيم الرسوخية له وتهدف إلى (تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز قوتها، وما يعني بالتالي مزيداً من الالتحام ومزيداً من الالتفاف حول الأهداف الواحدة والغايات الواحدة.. وهذا كله يعزز من فرص الاستقرار والاستمرار ويخفف من جهة أخرى من الاحتقانات ومن ظروف التطرف والغلو) ص 118 والبرامج الإصلاحية هي أمر طبيعي تستلزمه تطورات الشعوب ولكن الذي لن نقبله أبداً أن يخطط لبرامجنا الإصلاحية أي جهة أجنبية أو تفرض رؤيتها الإصلاحية على مناهج التغير، (وليس لأي قوة في الأرض أن يخالجها الطموح أو الغرور لنقض البناء الصلب القائم على إرادة الناس وعلى ما يرسمونه لأنفسهم من مستقبل) ص 118
قول يذكرني برائعة أبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
نعم (إن إرادة الشعوب القوة التي لا تهزم أبداً وإن غابت مؤقتاً) إنها القوة التي يسميها راسل الاعتقاد، لكن هذا لا يعني أن نرفض التعاون مع الطرف الآخر أقصد أمريكا خاصة في تطوير خططنا الإصلاحية، بهدف (ترميم العلاقة المتضررة بين أمريكا وبعض الأنظمة العربية على أساس من العدل والتفاهم والاحترام المتبادل وبالتالي على أساس من التعاون المثمر لصالح الطرفين) ص 117.
ليس من الضروري أن نحب أمريكا، لكن من الخطر أن نكرهها، والحتمية تقتضي أن نتعامل مع هذا الشيطان (الجنتلمان) بعقلانية وذكاء، من أجل مصلحتنا وفق نظرية السيد تشرشل (أتحالف مع الشيطان من أجل انجلترا) أظن ذلك.
أعتقد من العبث أن نبحث عن إجابة سؤال، من هو المسؤول عن أحداث 11 من سبتمبر؟ تنظيم القاعدة أم (مؤامرة) من تنظيم صهيوني، أقول من العبث لأن الحقيقة لن تغير شيئاً لكن التاريخ لا تخفى عليه خافية ولعل لذلك بدا استاذنا العرابي غير مقتنع بفكرة المؤامرة في تدبير هذه الأحداث (فإلى أي مدى يمكن مقاومة الفكرة التي تتردد من وقت لآخر من أن إسرائيل ليست بعيدة عما جرى في 11 سبتمبر 2001م في واشنطن ونيويورك؟.. يصعب على العقل المجرد أن يقبل بالانسياق وراء هذا النسق من التفكير فالقرائن والتطورات المحيطة بالحدث، لا تتيح لنا شيئاً من هذا، أي الأخذ بفكرة إن إسرائيل كان لها دخل فيما جرى في 11 سبتمبر، لكن براعتها وبراعة مؤيديها في الولايات المتحدة في استثمار تلك الأحداث وتوظيفها التوظيف الذي يخدم المصالح الإسرائيلية جعلت ما يجري اليوم على مستوى الوضع الإسرائيلي في المنطقة.. على أنه فعلاً مؤامرة) ص 154 على العموم وإن كنت أتفق مع أستاذنا العرابي على عدم الجدوى في إضاعة الوقت في البحث عن المسؤول عن أحداث 11 من سبتمبر لكنني لا أعتقد أن الأيدي الكريمة لليهود قد غابت عن نسيج تلك الأحداث وليس هذا الاعتقاد، من باب سوء الظن بأبناء (العمومة) أو عداء للسامية لا قدر الله إنما وفق سيكولوجية الشخصية اليهودية التي فطرت على التآمر كلما أرادت أن تغير ملامح التاريخ لمصلحتها. ولعلي في المستقبل أقدم تفصيلاً لهذه السيكولوجية إن شاء الله.
ولنتأمل في بعض ما ورد في الاجتماع التاسع من بروتوكولات حكماء صهيون *
.. منّا انطلق (إرهاب) لف العالم بأسره.. إنكم تقولون إن ثورة مسلمة قد تقوم ضدنا إذا أعلنا خططنا قبل الأوان ولكننا استدراكاً للأمر قد أعددنا في الغرب حركات (إرهابية) ترعب حتى أقوى الناس إرادة فسوف نحفر تحت كل العواصم أنفاقاً يستطاع بها نسف هذه المدن بمن فيها من المؤسسات والسكان في وقت واحد ترجمة د. إحسان حقي والتأمل أصدق لساناً من التحليل. (أفلا تتدبرون).
* يذهب الدكتور إحسان حقي إلى أن اسم (اجتماعات) أقرب من اسم البروتوكولات، وأتفق معه في ذلك، لأن اسم اجتماع يناسب سرية المحفل الماسوني التي ترعرعت في أحضانه تلك البروتوكولات.

Seham_h_a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved