الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 30th August,2004 العدد : 74

الأثنين 14 ,رجب 1425

قصة قصيرة
مدينة تحترق.. صمتاً!!
منصور محمد العتيق
الرياض تلوح لك مدينة لا تصلح للبوح! حيث يحتاج البوح لقدر أعلى من الدفء.. فإن الرياض تبالغ في الدفء بشكل يفسد معه كل شيء.. كل شيء!
الصباح يتمطى بكسل.. لم ينهض بعد! والرياض، فجراً، لديها ساعتان هما أجمل أوقاتها على الإطلاق.. والسيارة تحتضن انكفاءك على حزنك! حيث لا أحد يمكن أن يعرف عن حزنك شيئاً.. دون أن يحتقره!
سوااااح!
لوعة عبدالحليم تنطلق عبر جهاز التسجيل.. ووصيته القديمة أفلاكها أشرطة قديمة.. لم تجد من يتصدى لها بعد!
(وان لقاكم حبيبي.. سلموني عليه!) متفائل رغم حزنك! في النهاية لن يتنازل أحد من نفسه عن شيء ليقوم بدور رسول الأشواق.. من يحترم أشواقك أصلاً ؟!
الناس هنا لم يفهموا أنفسهم بعد! هذه حقيقة! هم يتفاعلون مع ذواتهم حسب الفهم السائد.. التيار العام.. لذلك لا تبالغ، حالماً، بايجاد شخص يفهمك! تريد أن تتكلم؟ ضاعف من انكفاءك وتكلم.. مع نفسك! قد يكون حظك سعيدا وتفهمك نفسك! ستبدو مجنونا ولكنه حل أفضل من الانفجار.. والموت صمتاً.
سوااااح!
تبدو سائحاً في مدينتك.. عابر سبيل.. والشمس، المستيقظة تواً، توقظ الشوارع من نومها! والشوارع تجامل وتنشر الناس على
أرصفتها، يدبون لكل شيء، لكنهم لا يتكلمون!! صامتون.. صامتون.. صامتون! وهم، إن تكلموا، لا يقولون ما يريدون قوله، هم يقولون ما يجب أن يقال! داء الرياض المزمن!!
لا شيء يفهمك سوى محرك سيارتك! يستجيب لك ولا يفقد احترامك له في المقابل.. تهرب، بسعيك في الشوارع، من شيء يطارد ذاتك ولا تدري كنهه! تستكشف شوارع جديدة.. رغم ان كل الشوارع متشابهة! والوجوه المتجهمة لا يغيرها غنى أو فقر.. فرح أو حزن.. صحة أو سقم.. سعادة أو تعاسة! التجهم طابعه واحد في كل وجه.. في كل حي! تتذكر مقولة قديمة لأمك: (الضيق في النفوس).. تبتسم ساخراً.. وتواصل شتات الطرقات!
أي مدينة هذه ؟! الطرقات والأسواق والسيارات البائسة.. العلب الفارغة وصناديق القمامة والقطط الضالة.. المراهقون الكبار وأغنياء الفقر والدراويش السعداء! لماذا لا ينقشع هذا كله عن بوح عابر؟! لماذا لا تجود عليك مدينة كهذه بمن يسعك ان تتكلم أمامه.. ولو كان حجراً ؟! تتوقف مقيدا أمام إشارة مرور، بجانبك اثنان في سيارة يحويهما نقاش حاد.. اعترتك رغبة حادة في شيء مجنون.. كدت تفتح نافذتك وتصيح فيهما بأنهما، جميعاً كاذبان ويخدعان بعضهما، لكنك عدلت في النهاية.. والتزمت عقلك!
* * * *
سيارتك مازالت تحتويك.. والزمن يجر الشمس نحو الظهيرة.. تبقت ساعة واحدة ويرفع أذان الظهر.. الصباح، إذن، انتهى رسميا.. وشتاتك ينتهي بك في مقهى حديث، هدوءه.. مقاعده.. مرارة قهوته.. يعتريها التجهم أيضاً! فجأة تتذكر ان ما بجيبك قد أتى عليه وقود السيارة في رحلة الشتات التي تجشمتها وانك لا تملك ثمن ما تشرب! لا داعي للاحراج والصخب والعرق البارد على جبهتك.. أكمل فنجانك.. وبعد نصف ساعة، حين يرفع الأذان، سيغلق المقهى أبوابه.. وستملك وقتاً كافياً لشرح كل شيء لصاحب المقهى! حافظ على هدوءك.. على تجهمك.. فلا وقت للكلام الآن.. لا وقت للكلام!


www.mnsr.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved