الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 30th August,2004 العدد : 74

الأثنين 14 ,رجب 1425

أوهموني...
مبارك بن إبراهيم بوبشيت الدمام
عندما كنت فتى
كان نظمي مثل غيري
بعض أبيات من النظم المُقرزم
وإذا ما ضمني جمع من الصحب تراني
أطرب الجمع بما دبجته...
وصحابي يطربون...
يمدحون...
هو في أسماعهم شعر منظّم.. ومحكم
وأنا في غمرة الزهو كمن نام ويحلم..
* * * *
الخلاصة..
أن صحبي الفضلاء.
أوهموني..
أشربوني الوهم..
أدرجوا اسمي ضمن الشعراء..
حقنوني بصفات الشاعر الفذ المعاصر
زعموا لي أن (شوقي)
سرق (الهمزية) الغراء مني.
وابن برد جاء ب(البائية) العصماء مني.
واشترى الشعر أبوتمام مني
وسعى (السياب) كي يقرب مني.
وأبو شادي.. وناجي.. ونزار....
كلهم لاذوا بفني..
وتمنوه.. ولكن لم يفد ذاك التمني..
* * * *
أوهموني
أنني الأصل وغيري دخلاء
صعدوا بي.. وبأشعاري أجواز الفضاء.
آه.. ما أجهل أصحابي بالشعر وقول الشعراء..
واحد قد ضمني مبتهجاً
عندما أسمعته نظماً هزيلاً
هو شيء من غزل
هامساً في أذني قائلاً:
(وما قلت من شعر كأن بيوته
إذا كُتبت يبيض من نورها الحبرُ)
هكذا صحبي.. وجمهوري.. غثاء في غثاء..
وتسامقت غروراً وادعاء...
وبدالي أن شعري طار بي نحو السماء..
كنت مغروراً بنفسي..
وبما أنظمه من هرطقات البلهاء.
وحملت اللقب الرنان
شاعر
وقطيع من بقر
(أني آسف)
وقطيع من بشر
اسمه جمهوري الشعري
يحدوني بتصفيق.. وإطراء... وأحسنت.. ولكن في غباء.
وأنا طاوعتهم رغم ذكائي
انني لست بليداً أو غبياً
لا وربي..
إنما جمهوري التافه
هم أصل البلاء
زمرة من بلداء
* * * *
وتعسفت بحور الشعر بحراً إثر بحر في انتشاء
هكذا صدقت نفسي
لا لهذا الوهم كم كلفني طول عناء
* * * *
وقرأت المتنبي.. وقرأت البحتري...
بل نقدت المتنبي.. ونقدت البحتري...
وتجاهلت الحطيئة
حينما قال عن الشعر قديماً
قوله المأثور في شخصي وفي أمثاله:
(الشعر صعب وطويل سلمه)
(إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه)
(زلت به إلى الحضيض قدمه)
(والشعر لا يسطيعه من يظلمه)
(يريد أن يعربه فيعجبه)
وتجاهلت كلامه..
وامتطيت البحر.. بحر الشعر.. بحر الفخر.. بحر الشهرة الجوفاء
معتداً بما كاله صحبي من كيل ثناء
وركبت البحر من غير دليل أو عتاد.. أو وقاء.
غير ما أهداه صحبي من هباء
تهت في البحر..
وجنت بوصلاتي
تهت في بحر غروري.. ما علمت
أن للبحر دواراً
وتلفت يميناً وشمالاً
وتفرست.. وأمعنت النظر
لم أجد قربي براً
وتعالت حولي الأمواج.. صارت كالجبال
صوتها.. مشهدها.. جنونها أفقدني توازني أرعبني
لم أجد بالقرب مني
جبلاً يعصمني
وتلاشت في بحور الشعر أقوى سفني
بعضها ساخ إلى العمق فلاقى مستقراً
وغداً الباقي يعاني الكسر والتحطيم قهراً
وتعلقت بلوح
ساقني الموج وإياه إلى الشاطئ قسراً
وافقت...
وحمدت الله أني عدت للأرض أخيرا
* * * *
وافترقنا...
غادرتني.. بعد ما أن غدرت بي.. ما تسمى الموهبة
وافترقنا أنا والشعر..
كلانا..
راح كل في طريق..
لا يهم.. لا يهم...
وحمدت العاقبة
* * * *
عدت أدراجي إلى كنزي.. إلى شعري المخبأ
في ثنايا المكتبة
وبسطت الورق المملوء شعراً (إنني آسف)
وبسط الورق المملوء هذراً فوق سطح المصطحبة
(إني آسف أيضاً)
فوق سطح المشرحة
وتأملت كثيراً في السطور
* * * *
وأخيراً قلت في نفسي: ما هذي القشور؟؟!!!
إن هذا ليس شعراً..
إنه ظلم وعدوان على الشعر وجور
إنه الزيف المؤنق
جاء في أحلى نسق
ليس إلا كلمات رصفت فوق الورق
كلمات لا معاتٍ.. لونها لون الشفق
قد خلت من أي عمق.. ما بها إلا النزق
* * * *
وتذكرت الذي قيل قديماً:
(الشعر ليس الاعيباً وتسلية
لكنه الفن في أحلى معانيه)
* * * *
وصحا عقلي من غيبوبة الشعر المزيف
ودعاني بكلام قد خلا من أي زخرف
فاتحا باب حوار منطقي غير مترف
قائلاً لي:
يا صديقي استمع لي في هدوء: إنما الأشعار نزف القلب لا لفظ يغني
إنما الشعر ارتعاش الحلم في القلب
وإحساس ومعنى
ومعاناة إذا ما الليل بالظلمة والآلام جنا
وانتظار لغد يشرق بالخير
ويمحو الهم عنا
وانتعاش لأمانٍ
شبعت داخلنا موتاً ودفنا
واشتياق.. وعذاب.. في فؤاد بات مضني
يا صديقي.. إنما الشعر فصول
كالفصول الأربعة
وكذا الشاعر في الدنيا..
فصول أربعة:
استمع ما قاله الشاعر عن
أحواله المنوعة:
(تعتريني من الفصول طباع
كل فصل لديه بعض صفاتي)
(بي هدوء الربيع لما تبدّى
باسم الثغر مشرق القسمات)
(وإذا الصيف جرع الناس هما
فهمومي مريرة الجرعات)
(رفض الغصن في الخريف اكتساء
مثله كنت رافضاً زلاتي)
(غضب الريح في الشتاء قريني
إن رأيت الحياة غير الحياة)
وكذا من قال شعراً صنفوهم أربعة
حيث قالوا وأصابوا:
(والشعراء فاعلمن أربعة)
(فشاعر يجري ولا تجري معه)
وشاعر يركض وسط المعمعة)
(وشاعر من حقه أن تسمعه)
(وشاعر لا تستحي أن تصفعه)
* * * *
وبعد يا صديقي
وبعد أن عرفت أن الشعر يأتي كالفصول الأربعة
كالصيف والخريف والشتاء والربيع.. أربعة
والشعراء قسموهم من قديم أربعة
هلا عرفت يا شاعرنا البليغ
أين شخصك الكريم فيهمو
ألا عرفت موضعه؟!
أجبت في خجل
كأنني في قبضة السجان والسيوف مشرعة :
أظنه ثالثهم
ذاك الذي من حقه أن تسمعه
فقال عقلي صارخاً: كلا
بل إنه رابعهم
ذاك الذي لا تستحي أن تصفعه
* * * *
يا إخوتي الأفاضل
أبعد ما سمعتموه
من حوار دار ما بيني وبيني..
أترغبون أن أسمعكم نظماً وتسمعوني
إذن كأنكم يا إخوتي الأفاضل
أنتم مصرون على أن (تصفعوني)
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved