الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

الغربال
أ. د. عبدالله أبوداهش

قال محمود سامي البارودي (1255 1322هـ) وهو في المنفى بسرنديب:
أرى الغيث قد عم البلاد بأسرها
وموضع رحلي لم يصبه رشاش
متى ترد الهيم الخوامس منهلاً
تبل به الأكباد فهي عطاش (1)
قلت: قائل هذين البيتين يحمل همة بعيدة المنال ليست قريبة ولا هينة، ولا غرو فهو سيد القلم والسيف، نال مقاماً محموداً في حياته الدنيا، ولم يلبث حتى طوح به الحال فأصبح أسيراً في سرنديب لا يسمع في مقامه هنالك سوى أصوات أمواج المحيط تضرب وجه الصخر ليل نهار، ومضى العمر يستمرئ هذا الواقع حتى إذا دب الهم إلى فؤاده، وأكل الحزن حشاه أنشد هذين البيتين. أما البيت الأول فليس له فيه من الأمر شيء، بل هو لله سبحانه وتعالى الذي يقسم الأرزاق ويدبر الأمر، رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأما بيته الثاني فقد عكس همته ودل عليها، ترى ما الذي عناه البارودي بقوله: (الهيم الخوامس)، (المنهل)، (الأكباد العطاش)، عناصر شتى تباشر حالاً واحداً هو المقام العصيب الذي يعيشه الشاعر ولا تبعد، فهمة البارودي الواسعة توازي ظمأ الإبل الخوامس العطاش التي أضناها الظمأ فقطع أكبادها فهي عرض الصحراء : ظمأ شديد مؤاده الشرب العميق عند ورودها المنهل: شأن البارودي نفسه عند خلاصه من السجن ليباشر حياته الطبيعية، توازن مرير بين العنصرين يزيده تأكيداً قول الشاعر نفسه: (فهي عطاش)، نعم إنها لكذلك في نظر الشاعر لمعاناته المماثلة، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو العزيز الحكيم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved